الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. طمى بحيرة ناصر والدلتا الجديدة

ع المصطبة.. طمى بحيرة ناصر والدلتا الجديدة

بعد عقود على إنشاء السد العالى تراكمت ملايين الأطنان من الطمى الغنى بالمعادن اللازمة للزراعة فى بحيرة ناصر بلغت وفق تقديرات الخبراء نحو 150 مليون طن أى ما يوازى 6 مليارات متر مكعب.



هذه الكمية الضخمة من الطمى تكفى لاستزراع مساحة توازى الصحراء الشرقية، بعمق يتراوح بين 25 إلى 30 سنتيمتراً، مما يجعل المناطق المستصلحة مناسبة لزراعة محاصيل مهمة مثل القمح، لكون هذا الطمى يرفع خصوبة التربة، ومن ثم يمكن الاستفادة منه فى الارتقاء بخصوبة أراضى الدلتا الجديدة التى شرعت الدولة فى استصلاحها لزيادة معدلات الإنتاج الزراعى.

كذلك فإن هذا الطمى يدخل فى صناعة الطوب والبورسلين والسيراميك كما يستخلص منه عناصر إشعاعية بالإضافة إلى العثور على كميات من الذهب داخله.

حتى الآن هناك اختلاف فى وجهات النظر حول الجدوى الاقتصادية لهذا الطمى،  اعتماداً على دراسات الاتحاد الأوروبى،  وحجة هؤلاء أن الاستخراج يحتاج إلى وسائل ميكانيكية مكلفة لأن معظمه يقع بعيداً عن السد بمقدار 400كم وعلى أعماق كبيرة بل إن الجزء الأكبر منه يوجد داخل السودان.

المؤيدون لاستخراج الطمى يرون أن الشركات الأجنبية لم تتبن المشروع لأنهم وجدوا أنه لم يحقق الجدوى الاقتصادية المطلوبة لهم، ومن ثم علينا أن نعمل بمقولة «ما حك جلدك إلا ظفرك» وذلك من خلال إنشاء شركة وطنية لاستخراج ونقل الطمى.

من وجهة نظرى المتواضعة، أرى أن الوضع الآن يختلف كثيراً عن زمن إجراء هذه الدراسات فى سنوات ماضية وذلك لأسباب عدة، أبرزها أن العالم كله يترقب أزمة غذاء طاحنة على الأبواب، بالإضافة إلى أن الرؤية الأجنبية ـ مع كل التقدير والاحترام لها ـ ليست بالضرورة تتوافق مع المصلحة الوطنية، فربما تكون كلفة استخراج ونقل هذا الطمى عالية، لكن على المدى البعيد فإن الاستعانة به لتخصيب الأراضى المستصلحة وفى القلب منها الدلتا الجديدة، تجعل الاستفادة منه تحقق نوعاً من التنمية المستدامة ويزيد من تنوع الزراعات الممكن توطينها فى هذه الأراضى.

وفى هذا الشأن، فإنه بعد رحيل نظام عمر البشير الإخوانى، يمكن التفاهم مع السودان الشقيق فى استخراج هذا الطمى،  مع تعظيم سبل الاستفادة منه، خصوصاً أن التقدم التكنولوجى الحالى يسهل من هذه العملية بقدر ما، وفوق كل ذلك فأن أى تكلفة لنقل الطمى لن تضاهى الاكتفاء الذاتى من الغذاء عبر توسيع الرقعة الزراعية الخصبة، بالإضافة لما يمثله قيام مجتمعات زراعية جديدة وخلق الكثير من فرص العمل الحقيقية المنتجة فى هذا القطاع.

أخيراً، هناك أكذوبة لطالما حاول كارهو الزعيم جمال عبد الناصر الترويج لها بأن السد العالى حرم مصر من هذا الطمى المفيد للتربة الزراعية، وهنا أريد توضيح أمرين، الأول وقد سمعته مراراً وتكراراً من علماء الجيولوجيا أثناء دراستى الجامعية، تؤكد أن هذه المقولة غير دقيقة؛ فالفيضان قبل إنشاء السد العالى كان يتسبب فى ترسيب مليمتر واحد فقط سنوياً، أى أنها نسبة ضعيفة جداً مقارنة بما تراكم فى الوادى على مدار آلاف السنين، ومن ثم الأفضل لنا الآن الاستفادة من هذا المخزون من الطمى فى استصلاح أراضٍ جديدة.

الأمر الثانى، كلنا نتذكر حالة الجفاف القاسى الممتد التى ضربت القرن الأفريقى فى الثمانينيات من القرن العشرين، وتسببت فى مجاعات كنا نشاهدها على شاشات التليفزيون بينما أنقذتنا العناية الإلهية ومخزون المياه فى بحيرة ناصر من هذا الجفاف وهذه المجاعات، ولولا السد لكنا عانيا أشد المعاناة فى ذاك الوقت، بل ربما لا يعرف كثيرون أن هذه المنطقة ضربتها 42 موجة جفاف منذ عام 1980 ولم نشعر بها لوجود هذا السد العظيم.