السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الجمهورية الجديدة لا يمكن أن يكون عنوانها أغانى المهرجانات لماذا يريدون ربط القوى الناعمة المصرية بـ«شيمااااء»؟!

الجمهورية الجديدة لا يمكن أن يكون عنوانها أغانى المهرجانات لماذا يريدون ربط القوى الناعمة المصرية بـ«شيمااااء»؟!

الطائرة بدون طيار والعاصمة الإدارية الجديدة وتكافل وكرامة و100 مليون صحة وحياة كريمة وقناة السويس الجديدة والمشروعات الزراعية والإسكانية الضخمة لا يمكن أن تجتمع مع «شيماااااء» و«أشرب تمور وحشيش».



الجمهورية الجديدة ومصر العظمى التى تقوم دعائمها على الإنسان وجودته فكريًا وصحيًا ونفسيًا وثقافيًا لا يمكن أن تكون هذه هى منجزاتها ولا المعبرة عن قوتها الناعمة

 

والإصرار على أن تصبح أغانى المهرجانات والمعبرون عنها فى صدارة المشهد من بعض العرابين هو مؤامرة على تجربة إعادة بناء منظومة القوة المصرية بجميع أنواعها القوة الخشنة والقوة الناعمة.

عمليات انهيار الذوق العام لها علاقة بالمتغيرات التى تواجه المجتمع، فعقب الحروب أو الفوضى أو الأزمات الاقتصادية تظهر وتنتشر على سطح المجتمع طفيليات اقتصادية وسياسية وفنية تعبر عن مرحلة الفوضى والانتهازية وتبشر بسقوط نظام قيمى ومجتمعى وإنسانى وحضارى، لكن المجتمعات القوية تتعافى سريعًا وتستطيع عبور هذه الكبوة بسهولة.

مثلاً مصر بعد الحرب العالمية الأولى شهدت انتشار ما يسمى أغانى العوالم والخلاعة بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة، وهى أغانٍ تخاطب الحِس الشهوانى لدى المستمع فى وقت كان رواد المسارح والملاهى الليلية من تجار الأرنص وهم التجار العاملون فى توريد الأغذية للجيش البريطانى المحتل وجسّدهم الراحل العظيم أسامة أنور عكاشة فى رائعته «ليالى الحلمية» من خلال شخصيتى «بسة» و«الخمس».

وأغلب هذه الأغانى كانت تقدم فى شكل «طقطوقة»، وهو أبسط أنواع الغناء وكانت تؤدى بين فصول مسرحيات الفرق التمثيلية للريحانى وعزيز عيد والكسار وأولاد عكاشة وفوزى الجزايرلى وغيرهم.

كان الهدف منها تسلية الجمهور فى فترة تغيير مناظر المسرحية واستبدال ملابس الممثلين ولم تكن فنًا قائمًا بذاته، بل كان معها فى نفس التوقيت الزمنى الأدوار والتواشيح والأغانى العظيمة، لكن الطقطوقة الخليعة هى التى انتشرت.

الغريب أن معظم الأغانى الخليعة فى فترة العشرينيات من القرن الماضى كانت من تأليف محمد يونس القاضى، وهو نفسه مؤلف النشيد الوطنى «بلادى بلادى»، بينما كان أكثر الملحنين لطقاطيق الخلاعة هما العملاقين زكريا أحمد وسيد درويش. 

لكن مع بزوغ القومية المصرية وثورة 1919 وإعادة بناء الدولة تشريعيًا وقيميًا استعاد الذوق المصرى الأصيل سيطرته مرة أخرى لدرجة أن يونس القاضى نفسه أصبح رقيبًا على المصنفات الفنية، وقرر وقف التصريح للأغانى المبتذلة الخليعة وحاربها ومنع انتشارها وهو أبلغ رد على من يقول إن مؤلف الأغنية الوطنية «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى» هو نفسه أشهر مؤلف للأغانى الخليعة.

الأمر نفسه تكرر بعد هزيمة 67 وشاهدنا سلسلة أفلام غارقة فى الجنس والابتذال، وللأسف لنجوم كبار وكانت تحقق إقبالاً جماهيريًا غير مسبوق منها «سيدة الأقمار السوداء» لحسين فهمى وناهد يسرى، ثم «ذئاب لا تأكل اللحم» لناهد شريف وعزت العلايلى، و«أعظم طفل فى العالم» لرشدى أباظة وميرفت أمين.

لكن ومع عودة الدولة المصرية لقوتها وحدوث انتصار أكتوبر 1973 توارت سلسلة الأفلام الجنسية وظهرت الأفلام الوطنية والأفلام التى تناقش قضايا وتنقد الواقع السياسى للهزيمة.

ومع الانفتاح والفساد الذى صاحبه ظهرت أفلام المقاولات وأيضًا شارك فيها كبار النجوم وحققت مشاهدات ضخمة وإيرادات أضخم وكانت بلا مضمون أو هدف، لكنها لم تدخل مثلاً فى قائمة أهم 100 فيلم فى السينما المصرية ولم تروج من خلالها لمصر، بل على العكس كانت أسوأ دعاية لمصر وأهلها.

لكن مع استقرار الأوضاع الاقتصادية والسياسية فى مصر نهاية الثمانينيات بدأت تظهر أفلام السينما ذات الجودة والمضمون والتى تمثلنا فى مهرجانات دولية.

لذلك ما يحدث الآن ليس غريبًا خاصة ما نعيشه من ظواهر أغانى المهرجانات فى ضوء القراءة المتأنية للتاريخ وبعد مرور مصر بثورتين، لكن الغريب أن تكون هناك أيادٍ وأفكار وفلوس بالملايين تدعم هذه الظاهرة.

لأنه مع رسوخ الدولة وقوتها فالمفروض أن تنحصر هذه الظواهر فى حجمها المحدود التى تخاطب نوعية معينة وأن نرى أعمالاً تظهر الحلم المصرى فى بناء دولة قوية قادرة مستكفية ومنتصرة.

لكن للأسف لم يتحرك من كان المفروض أن يتحرك وهم المبدعون، وهو ما اضطر الدولة للدخول بقوة لفرض أعمال درامية وغنائية وسينمائية محترمة تعبر عن هذا التوجه على أمل أن ينتبه المبدعون إلى كونهم مقصرين فى نشر الأمل ومتابعة منجزات تجربة مصرية فريدة فى البناء الإنسانى.

لذلك عندما يتحول مطربو المهرجانات بقدرة قادر إلى كونهم يمثلون القوة الناعمة المصرية، فهذا ما لا يمكن قبوله فى الجمهورية الجديدة.

مصر تعمل الآن على بناء نفسها كقوة إقليمية عظمى، والقوى الإقليمية لا تكون بالسياسة والاقتصاد فقط، بل بقوتها الناعمة بالفن والثقافة والرياضة والتعليم وغيرها.

ما يحدث هو إصرار غير مفهوم على دعم إفرازات أغانى المهرجانات وتنجيمهم والدفاع عنهم وتقديمهم فى صورة الفن المعبر عن مصر وإن هؤلاء الشباب هم الاختراع أو الابتكار المصرى الجديد فى الفن الذى سيقبل عليه العالم وعلينا أن نستفيد من شهرتهم.

مع أن الترويج للكلمات التافهة والنصّ الردىء والرقص بالسلاح الأبيض ونصف الجسد العلوى للرجل عارٍ وتقديمهم على أن هؤلاء هم قوة مصر الناعمة هو أكذوبة كبرى.

أم كلثوم تراجعت عن أغنية «الخلاعة مذهبى» واشترت كل أسطواناتها وحطمتها.

وأصبحت أسطورة الغناء العربى فهل ندعم المهرجانات لأن أم كلثوم فى حقبة زمنية ما أخطأت وغنت أغنية مبتذلة؟

لماذا يفرض على مصر أن تكون هذه هى قوتها الناعمة وهؤلاء الأشخاص هم نجومها فى حين أن دولًا أخرى فى المنطقة تقدم فنًا أفضل وأرقى وأكثر احترامًا وتعبيرًا عن الإنسانية.

القصة ضخمة وإذا لم ينتبه لها صناع المحتوى فى مصر نكون أمام كارثة فنية وثقافية كبرى، خاصة أن إرهاصاتها بدأت فى الظهور بعد أن اعتمدت شبكة نيتفلكس العالمية اللهجة السورية هى اللهجة المعتمدة فى الدبلجة العربية لأعمالها وتراجعت اللهجة المصرية التى كانت تغزو العالم العربى.

هل الدراما المصرية هى دراما المخدرات وخناقات الشوارع بالأسلحة البيضاء والرجال عرايا النصف العلوى هم ممثلو الشعب المصرى؟ 

بالقطع لا، ولولا أن هناك مجموعة من الإنتاجات المحترمة مؤخرًا لشركات وطنية مثل المتحدة تقدم أعمالاً فيها هدف وراقية وتقدم مصر بصورة جميلة لكنا أعلنا فوز دراما دول إقليمية وحتى عربية بالضربة القاضية.

لا يجب أن نتعامل مع موضوع القوة الناعمة المصرية على أنه موضوع فنى بسيط، الموضوع أضخم من ذلك بكثير، أنت كنت تقاوم وتسقط احتلالاً بإذاعة اسمها صوت العرب.

أنت كنت تجمع العالم العربى كله الخميس الأول من كل شهر ينتظر حفلة أم كلثوم.

شوارع المدن العربية كانت تصبح خالية من المارة لأنهم يتابعون ليالى الحلمية ورأفت الهجان.

مصر فى الجمهورية الجديدة لن تسمح بفكرة أن يصبح عنوانها مطربى المهرجانات مهما كان لهذه الفكرة عرابون وداعمون وملايين الدولارات ترمى على الأرض من أجل تقزيم مصر وربطها بهؤلاء.