الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1 / 2.. الشيطان يكمن فى (ترلم)!

كلمة و 1 / 2.. الشيطان يكمن فى (ترلم)!

خدعوك فقالوا (زمن الفن الجميل)، لا تصدقهم، فلم يكن كله جمالاً، مؤكد ما تبقى فقط بعد كل هذه السنوات هو الجمال، عندما نتحدث عن الأغانى الوطنية فى زمن جمال عبدالناصر، نصفها كلها بالصدق، وهذا ما يخاصم تمامًا الحقيقة؛ لأن ما تبقى فقط هو الجميل من هذا القديم، اقترب عدد أغانينا الوطنية من رقم 2000، ما استطاع الصمود مع الزمن من تلك الأغانى مع الزمن، هو الجميل والصادق فقط وهو لا يتجاوز بالمناسبة 10 فى المائة، وهو ما ينطبق أيضًا على رصيدنا السينمائى، فلو قلنا مثلاً إن السينما الروائية قدّمت طوال تاريخنا 4 آلاف فيلم مصرى؛ فإن ما تبقى 400 فيلم تقدمها الفضائيات، أى أنها لا تتجاوز أيضًا 10 فى المائة.



هل أزعجكم هذا الرصد؟ الحقيقة أحيانًا مزعجة، ولكن هناك أيضًا تفاصيل أخرى تؤكد أن الجيل السابق، كان أكثر انحيازًا للدقة، وهى سر الإبداع الحقيقى، وتأملوا تلك الحكاية.

لا تزال تسكن بداخلى تفصيلة لم أنسها عن فيلم (المصير)، أطلق عليها قصة (ترلم)، كنت أسجل مذكرات حياة الموسيقار الكبير كمال الطويل، الذى اتصل بى قبل الموعد المتفق عليه؛ لتبكير موعد اللقاء، وقال إنه سيقيم دعوى قضائية ضد يوسف شاهين، وسوف يطالب المسئولين عن مهرجان (كان) منع عرض الفيلم، الذى كان قد تم اختياره رسميًا للمشاركة فى التسابق عام 1997، ضبط «الطويل» يوسف شاهين، متلبسًا بالاعتداء على حقه الأدبى، وحذف من دون علمه (موتيفة) موسيقية من اللحن، وطلب منّى عنوان المهرجان لإرسال خطاب رسمى، مرفق به مُلابسات ما أطلق عليه الطويل جريمة نكراء، سر غضب الطويل أغنية محمد منير (عَلِّى صوتك بالغُنا)، لحن الطويل الكلمات التى كتبتها كوثر مصطفى، فى هذا المقطع هكذا (ترقص - ترلم- أرقص).

أراد يوسف شاهين أن يلغى أثناء التسجيل النهائى للأغنية، موتيفة (ترلم) ويستبدلها بلحظة صمت، وجدها أحلى، وبدأ التراشق بين العملاقين، الطويل رأسه وألف سيف ح أرجَّع (ترلم) يعنى ح أرجَّع (ترلم)، يوسف شاهين رأسه وألف سيف (بعينك) مش ح ترجَع (ترلم)، يرد الطويل ح أرفع دعوى وأحبسك، فيقول له يوسف شاهين فى المشمش، مفيش (ترلم) يعنى مفيش (ترلم).

وتناسيا فى ذروة الغضب ما بينهما من نجاحات متعددة مثل فيلم (عودة الابن الضال)، الذى شهد بداية انطلاق ماجدة الرومى، بعد تدخُّل الأصدقاء المشتركين، استمع الطويل فى لحظة هادئة للحن بعد حذف (ترلم)، فوجدها أحلى، وتنازل عن الدعوى القضائية، وتراجَع عن إرسال خطاب الاحتجاج لمهرجان ( كان)، وحصل يوسف شاهين فى تلك الدورة التى كانت تحمل رقم 50 (اليوبيل الذهبى) على جائزة ( كان) التذكارية.

تأمّلوا الدقة فى التنفيذ، (موتيفة) لن تستغرق ثوانى، ولن تفرق كثيرًا عند الجمهور، يحدث حولها كل هذا الجدل، جمال الإبداع يكمن فى اختيار التفاصيل، روى لى الأستاذ كمال أيضًا، أنه بعد أن لحّن أغنية (يا واد يا تقيل) فى فيلم (خلّى بالك من زوزو)، وحضر عشرات من البروفات مع سعاد حسنى والفرقة الموسيقية، ترك لأحد كبار موزعى الموسيقى مهمة الإشراف على التسجيل النهائى، وذهب هو لقضاء إجازته الصيفية بالإسكندرية، قالت له السيدة زوجته، عندما وجدته متوجسًا، لماذا لا تعود للقاهرة تشرف بنفسك على التنفيذ؟، وبالفعل لم يرتح للتسجيل، وأعاد التوزيع مجددًا لتحقق الأغنية، لتصبح واحدة من أحلى وأمتع أغانينا.

نعم لم يكن حقًا زمن الفن الجميل كما تعوّدنا أن نُطلق عليه، ولكنه زمن التفاصيل، وتفاصيل تفاصيل التفاصيل، حتى لو كانت مجرد (ترلم)!