الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عكس الاتجاه.. إفريقيا من «قورناه» إلى «نداكاسى»

عكس الاتجاه.. إفريقيا من «قورناه» إلى «نداكاسى»

ربما يجب ألا نُحمِّلَ الأمورَ أكثرَ من معناها الظاهر، وربما يجب أن نشير لما حدث دون إقحام لمعانٍ باطنة، وربما وجب علينا من باب العَشَم أن نسأل: هل ثمة علاقة- فى قصدية تزامن النشر وتوقيته- بين احتفاء صحف أمريكا وبريطانيا وفرنسا بفوز الكاتب الإفريقى اليمنى التنزانى «عبدالرازق قورناه» بجائزة نوبل وبين الاهتمام بنشر خبر وصور موت الغوريلا الإفريقية اليتيمة «نداكاسى» ذات الأربعة عشر عامًا على صدر صديقها وراعيها «أندريه باوما»، وهى الغوريلا التى لاقت طوال حياتها حُبًا واهتمامًا عالميًا منذ أن قتلت عصابات مسلحة والدتها حين كان عمر «نداكاسى» فقط شهرين، وهى التى صار لها أفلام ووثائقيات ومئات آلاف المتابعين على إنستجرام.



ماتت ندا يوم 26 الشهر الماضى ولم يُنشَر عن موتها خبر سوى ليلة حصول «قورناه» على نوبل يوم 7 سبتمبر، وصارت نفس الصحف تتبارى فى نشر الخبرين معًا.

سنعتبر هذا الاحتفاء تقديرًا واهتمامًا بإفريقيا العظيمة، قارة الحضارات وأصل التاريخ الإنسانى، وسنعتبر تواتر صورة حارس حديقة فيرونجا الوطنية بجمهورية الكونغو الديموقراطية «أندريه باوما» الشاب الأسود ذى الملامح الإفريقية المنحوتة وعلى صدره تموت صديقته الغوريلا، فى لقطة شديدة الأسى تقول للغرب إن الأفارقة السُّود يحملون قلوبًا بيضاء طيبة. 

كما أنها هى المرّة الأولى التى تمنح السويد جائزتها لصاحب الروايات العشرة ولمن انتصر لفلسطين ولقضايا الشعوب العادلة وهو المهاجر إلى بريطانيا والأستاذ بإحدى جامعاتها، والمتحدث بلغتها.

 سنعيد ترتيب الأسئلة:

لماذا كانت أكثر الصحف والمواقع التى احتفت بفوز «قورناه» بنوبل هى بريطانيا؟

لاعتباريْن شديدَىْ الأهمية: أن الفائز المهاجر من زنجبار إلى بريطانيا فى مطلع شبابه يحمل الجنسية البريطانية وأنه أستاذ بإحدى جامعاتها يناديه الطلبة البيض بالسّير، وأن «قورناه» وكل الشعوب الإفريقية لم ينسوا أن بريطانيا- ومعها فرنسا وبلچيكا- ما هى إلا الإمبراطورية المجرمة الموغلة فى الإذلال والاحتلال وتجارة البشر، تجارة العبيد الأفارقة التى ساقت منهم فى القرن الثامن عشر نحو 3 ملايين إفريقى متسلسلين من رقابهم وشحنتهم فى قاع سفن تجارية مع البقر والجاموس عبر البحار حتى حدود الإمبراطورية، نفق منهم من نفق وألقت بالكثير منهم مع الحيوانات فى البحار كحمولة زائدة ومَن ظل حيًا عاش عبدًَا للسيد الأبيض فى بريطانيا وأمريكا.

 متى تصل بريطانيا إلى حالة جَلد الذات والخزى مما اقترفته يداها؟ 

حتى الآن هناك 15 مليون طفل يمنى غارقون فى الحرب والفقر والدم لم يُنشر لأحدهم صورة وهو يموت على صدر أمّه كتلك الصورة التى حظيت بها الغوريلا لاعتبارات عدة؛ أولها أن الفائز بنوبل يمنى الأصل فكان الأولى أن تزامن صحف العالم بين صور فوزه بالجائزة وصور موت أطفال اليمن على حجر الطريق وبلاط المستشفيات, كما اهتمت صحف الغرب بصورة موت الغوريلا.

أيًا كان ما حدث فى الماضى فإن فوز قورناه فوزًا مستحقًا ليس عليه غبار، فالرجل لم ينتمِ للمنظمات الصهيونية ولم يناوئها أو حتى (يمشّى حاله) كعادة كثير ممن حصلوا على الجائزة؛ بل ذهب إلى فلسطين ومدنها منتصرًا لها متحدثًا عن واقعها المزرى، احتفت كتابات «قورناه» بمآسى الشعوب المستعمرة؛ خصوصًا الاستعمار البريطانى لبلاده وبالهجرة وبفقد الأوطان. هل لا يزال سؤال حول اهتمام صحف الغرب جميعهم بتزامن خبرَىْ فوز قورناه بنوبل فى الآداب وموت نداكاسى سؤالاً فى محله؟