الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ع المصطبة.. اللغات  فى الكلاسات

ع المصطبة.. اللغات فى الكلاسات

بات تعليمُ اللغات بما فيها اللغة العربية فى مراحل التعليم قبل الجامعى، أشبه ما يكون بالكتابة الهيروغليفية، يستطيع الطالب الحصول على الدرجات النهائية فيها، لكنه لا يستطيع التحدّث بها بطلاقة أو بلسان لغوى سليم، فتحوّلت إلى لغات مكتوبة ومقروءة دون النطق بها.



هذا التدنّى فى تعلم اللغات لم يَعُد مقصورًا على اللغات الأجنبية؛ بل امتد ومنذ عقود إلى اللغة العربية نفسها، ولعل من فوائد وسائل التواصل الاجتماعى أنها كشفت لنا مدَى التردّى غير المعقول الذى وصلنا إليه فى مجال اللغات كافة، فالأخطاء الإملائية باتت صفة سائدة بين الغالبية الكاسحة من رواد هذه المواقع؛ خصوصًا الشباب منهم.

المحزن والمؤلم أن هذا التردّى اللغوى أصاب حتى خريجى الجامعات، فعلى سبيل المثال كلمة «صدّقنى» تحولت بقدرة قادر إلى «سدّئنى»، وقس على هذا المثال لتجد العجب العجاب، والمؤسف أن هذه الأخطاء فى بديهيات اللغة طالت حتى خريجى تخصصات تعتمد فى مهنتها على البلاغة اللغوية والدقة اللفظية مثل خريجى الحقوق، فبعضهم لا يستطيع التفريق بين «إلى» و«إلا»، والأكثر إيلامًا أن تجد قلة قليلة فقط من بين مُدرسى اللغة العربية مَن يستطيعون الحديث بلسان عربى سليم ولغة عربية فصحَى.

أمّا اللغات الأجنبية مثل الإنجليزية والفرنسية وغيرهما؛ فحدِّث ولا حرج؛ حيث تحوّلت هذه اللغات إلى طلاسم ما أنزل الله بها من سُلطان، ولم يَعُد يفرق فى هذا الأمر الوضع بين المُعلم والطالب، وصارت هذه اللغات الحية إلى ما يشبه الكتابة الهيروغليفية، تُقرَأ وتُكتَب ولا تُنطق، حتى يكاد مُعلم أىٍّ من هذه اللغات الأجنبية بحاجة إلى مترجم إذا أراد التواصل المباشر مع أى أجنبى ناطق بهذه اللغات، وبات الأمر أشبه بكوميديا سوداء.

القضية ترجع إلى فلسفة تدريس اللغات فى مدارسنا بشكل عام، فلم يَعُد المقصود من تدريس هذه اللغات تعلُّم لغة جديدة من أجل التواصل مع ثقافات وحضارات أخرى تشاركنا الحياة على هذا الكوكب؛ بل اقتصر الأمر على كيفية الحصول على أعلى الدرجات فى الامتحانات، وإلا ما هو تفسير أن يدرس الطالب اللغتين العربية والإنجليزية بدءًا من المرحلة الابتدائية وتكون المحصلة أخطاء إملائية فى اللغة الأم وجهلاً مطبقًا بالتحدث بلغة أجنبية استمر فى دراستها 10 سنوات متتالية أو أكثر!.

يحكم العملية التعليمية مثلث متعارَف عليه أضلاعه «المُعلم والمَنهج والطالب»، وفى هذا المأزق اللغوى فإن المسئول الأول عن هذا التردّى هو المُعلم يليه المَنهج، فالمُعلم نفسُه قبل أن يدخل الجامعة هو نتاج طبيعى لهذا الوضع الحالى، ومن ثم يصعب إصلاحه من خلال التعليم الجامعى، لذا فإن الأمر يستوجب فرض اختبارات كفاءة للمُعلم من قِبَل جهات معتمدة فى إجادة التحدّث باللغة التى يُفترَض أنه سيدرّسها للطلبة؛ لأن فاقد الشىء لا يعطيه، فإذا كان المُعلم غير قادر على إجادة التحدّث باللغة الأجنبية فكيف سيدرسها للطلبة؟!

ولعل أخطر مراحل تعليم اللغة هى مرحلة التأسيس، فالتأسيس السليم سيجنبنا الكثير، وإذا أردنا جيلًا يتحدث لغة سليمة فلا مَفَر من الارتقاء بمستوى معلمى اللغات بالمرحلة الابتدائية، وإلا أصبحت الملايين التى تُصرف على هذه المناهج بمختلف المراحل هدرًا ما بعده هدر.

أمّا المنهج فلا بُدَّ أن يتضمن حصصًا للمحادثة، ومعامل للغات؛ بل واختبارات فى التحدّث والاستماع كما هو الحال فى الأنظمة التعليمية المتقدمة، يضاف إليها عقد مسابقات رسمية بين المدارس فى الخطابة والتحدّث بهذه اللغات حتى نخرج بها من مرحلة الهيروغليفية إلى مستوى اللغات الحية.