الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و1/2..مهرجان (كان).. وياما  كان!!

كلمة و1/2..مهرجان (كان).. وياما كان!!

قبل أيام من قراءتكم لهذه الكلمة كنت ألملم أوراقى لأضعها فى حقيبة السفر فى أول رحلة  لى مع المهرجانات الكبرى بعد توقف دام نحو عام ونصف العام، كان آخر عهدى  مع المهرجانات السينمائية  الكبرى فى فبراير 2020 مع مهرجان ( برلين)، وفى نهاية العام الماضى حضرت (قرطاج)؛  حيث نظَّم المخرج الكبير رضا الباهى رئيس المهرجان دورة محدودة الضيوف  والفعاليات،  وظل السفر لأى مهرجان آخر حلمًا مؤجلًا.



وتبقى المهرجانات الافتراضية، بالنسبة لى حكاية أخرى، أمارسها مضطرا ولكنى لا أصدق أنها بحق  وحقيقى مهرجانات،  حتى جاء ( كان) فى دورته 74 فقررت أن أشد الرحال إلى هناك، رغم كل التحذيرات  بالإضافة إلى هذا العدد الضخم من الأوراق التي ينبغى الحصول عليها قبل السفر .

(كان) سيصبح هو بداية  عودة  النشاط، تلك هى قناعتي،  المهرجانات تتلاحق وأنا أترك نفسى نهبًا لها فاتحًا دائمًا ذراعي، جداولها هى جداول حياتي، أصحو طبقًا لعرض أول فيلم، وأنام بعد مشاهدة الفيلم الأخير،  مواعيد المهرجانات هى دستورى الدائم الذي لا أستطيع أن أخالفه مهما كانت الأسباب، فأنا مثلًا على مدى 30 عامًا لم أتخلف دورة واحدة عن حضور مهرجان «كان» رغم ما أتكبده من نفقات يزداد معدلها عامًا بعد عام بسبب قوة «اليورو» المتصاعدة مقارنة بالجنيه المصري،  وأترحم دائمًا على أيام (الفرنك) الفرنسى الطيب المتواضع الذي عاصرته 12 دورة من  عمر  المهرجان، أتابع فى المهرجانات الأفلام  والندوات وأيضًا الوجوه، وجوه البشر أرى كيف يرسم الزمن بصماته التي لا تمحى على وجوه زملائي، وأقول من المؤكد أنهم يشاهدون الزمن وهو ينطق بل يصرخ على ملامحي، ولكنى أقول لنفسى ربما يكون الزمن كريمًا معى أو بتعبير أدق أظن ذلك وأرجو ألا يخيب ظني.

أسعد كثيرًا بالمهرجانات التي أشهد لحظة ميلادها، أتذكر المرة الأولى التي وُجهت لى الدعوة لحضور مهرجان (دبي) عام2004، لأننى أعتبر نفسى شاهد إثبات على تطورها مثل «أبوظبى» و«الدوحة» و«وهران» هذه المهرجانات  وغيرها، كنت شاهد إثبات على ميلادها وأيضًا ومع الأسف على توقفها، عرفت مهرجان «كان» بعد أن تجاوز عمر المهرجان وليس عمرى أنا الأربعين، أول مرة ذهبت إليه عام 92 فى دورته رقم 45 ولا أتابع فقط الأفلام ولكنى ألاحظ  أيضًا الوجوه، أرى شحاذة فى مدينة «كان» وهى تحمل طفلًا عمره عام وبعد مرور  قرابة 30 عامًا لا يزال الطفل فى عامه الأول،  إنها تذكرنى بالشحاذين فى بلادى حيث يؤجرون طفلًا رضيعًا ويظل للأبد رضيعًا،  أرى القاعات والأشخاص حتى الذين لا أعرفهم شخصيًا إلا أننى أراهم باعتبارهم من ملامح حياتي،  فى مهرجان «كان» تستمع إلى هتاف يسبق عرض أى فيلم ألحظ فيه اسم «راؤول» ناقد فرنسى راحل،  تعود أن ينطق بصوت مسموع باسمه قبل عرض الأفلام، وبعد رحيله لا يزال زملاؤه القدامى يهتفون بمجرد إطفاء نور القاعة قبل العرض «راؤول.. راوؤل»،  فى المهرجانات نكتب عن الأفلام والندوات واللقاءات وحتى الكواليس بكل تفاصيلها، لكننا لا نكتب عن أنفسنا، وعما نشعر به لأننا لسنا آلات تذهب لتغطية المهرجانات، وأعترف لكم أن أسوأ مشاهدة للأعمال الفنية هى تلك التي نجد أنفسنا مضطرين لحضورها فى المهرجانات، لأننا متخمون بكثرة الأفلام التي تتدفق علينا، فى اليوم الواحدة قد يصل كم المشاهدات أحيانًا إلى خمسة أفلام، هل هذه عدالة؟ نحن نظلم أنفسنا بقدر ما نظلم الأفلام،  لأنك بعد أن تشاهد الفيلم ينبغى أن تعايشه ليشاهدك ويتعايش معك، ولكن كيف يتحقق ذلك وأنت تلهث من فيلم إلى آخر، ثم بعد أن نعود من السفر ينبغى أن تستعيد نفسك قليلًا قبل أن تشد الرحال إلى مدينة أخرى ومهرجان آخر ووجوه تلتقى بها كثيرًا ووجوه تشاهدها لأول مرة، أسعد بالأيام وأشعر بالشجن على الزمن الذي يُسرق من بين أيدينا، نعم المهرجان عيد وفرحة وبهجة وهو بالنسبة لى يحقق كل ذلك، إلا أنه أيضًا يسرق  رحيق  أعمارنا، أشعر بمرارة الأيام والسنوات المسروقة.

 يقول عبدالوهاب أنا من ضيع فى الأوهام عمره،  أما أنا فأقول لكم أنا من ضيع فى المهرجانات عمره، عاد مهرجان (كان)  وعدت إليه،  وكان ياما كان!!