الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أفكار منحرفة (5) اقتحام لأفكار كُتّاب خرجت عن التقليدى والمعتاد هل ماتت السيدة فاطمة الزهراء مقتولة؟

أفكار منحرفة (5) اقتحام لأفكار كُتّاب خرجت عن التقليدى والمعتاد هل ماتت السيدة فاطمة الزهراء مقتولة؟

على طول وعرض كتاب ابن قرناس «أحسن القصص ..تاريخ الإسلام كما ورد من المصدر، مع ترتيب الصور»، وهو يستند إلى آيات القرآن الكريم، مغيرًا ومبدلًا ومحورًا فى أحداث تاريخية، كنا نعتقد أنها د  القرآن الكريم لا يراها كذلك.



ومن بين ما ذهب إليه ويمكننا اعتباره جديدًا تمامًا ما قاله عن زواج النبى «صلى الله عليه وسلم» وعن بناته.

 

فما يستقر فى الذهنية الإسلامية على طول تاريخها الممتد أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» تزوج من السيدة خديجة رضى الله عنها، وهو فى الخامسة والعشرين من عمره، وهى فى الأربعين من عمرها، وكانت سيدة غنية ساندته فى دعوته إلى الله.

لكن لدى ابن قرناس رؤية أخرى، يقول أنه مما ورد عن حياة الرسول «صلى الله عليه وسلم» الزوجية فى مكة قوله تعالى: «وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها، لا نسألك رزقًا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى»، والأهل فى القرآن تأتى بمعنى الزوجة: «واستبقا الباب وقدت قميصه من دبر وألفيا سيدها لدى الباب، قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوء إلا أن يسجن أو عذاب أليم».

والاحتمال المقصود فى الآية الكريمة من أهلك، أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» كان متزوجًا بزوجة واحدة فقط، عندما نزلت عليه السورة، وطوال فترة دعوته بمكة.

ومن القرآن يتضح أن الرسول «صلى الله عليه وسلم» مر فى بداية زواجه بضائقة مالية، ولكنها انجلت وتحسنت ظروفه المعيشية فيما بعد: «ووجدك عائلا فأغنى»، وهو ما ينفى ما ذكرته كتب السير من أن خديجة كانت غنية وتاجرة، إذ لو كانت كذلك ما واجه الرسول صعوبات فى العيش فى بداية حياته الزوجية معها قبل أن تتحسن أوضاعه الاقتصادية، كما تشير الآية.

ولم يذكر القرآن أن لمحمد «صلى الله عليه وسلم» أبناء أو بنات فى مكة؛ بل يورد القرآن ما يفيد عكس ذلك، فقد نزلت سورة الكوثر بحق أحد زعماء قريش الذى كان يعير محمدًا وينعته بالأبتر، والأبتر تعنى من لا عقب له، أى الذى لا ينجب: «إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شائنك هو الأبتر».

وقد نزلت هذه السورة بعد وفاة السيدة خديجة، زوجته الوحيدة فى مكة، ولو كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» قد ولد له أولاد ذكور، كما يزعم المؤرخون وإن ماتوا وهم صغار، فلن يعيره القرشى بأنه أبتر، وحتى لو أن السيدة خديجة لم تنجب للرسول سوى بنات، فلا يمكن أن يعير بالأبتر، حتى لو كان معنى الأبتر – كما يقول بعض اللغويين – الذى ليس له ولد ذكر، لأن من يستطيع إنجاب الإناث يمكن أن ينجب ولدًا ذكرًا فيما بعد.

ويضيف ابن قرناس: ولو كانت زوجة الرسول ماتت، فالاحتمال لا يزال قائمًا بزواجه مرة أخرى، وإمكانية أن ينجب له قائمة، لكن إن كان لبث زوجًا لخديجة حينًا من الدهر، ولم ينجب، لا إناثًا ولا ذكورًا، فهو مدعاة للقرشى لأن يعيره بالأبتر، لأنه ثبت بالبرهان أنه لا ينجب، وإن كان هذا ما حدث، فلم يكن للرسول بنات فى مكة.

أما فى المدنية فسورة الأحزاب التى نزلت قبل وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» بعدة سنوات، تؤكد أن لديه جمعًا من البنات، أى ثلاث أو أكثر: «يا أيها النبى قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين، يدنين عليهن من جلابيبهن، ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين، وكان الله غفورًا رحيمًا».

ولفظ بناتك يفيد أنهن لا زلن صغيرات لم يبلغن سن الزواج بعد، ولا زلن يعشن فى كنف والدهن، ولو كن متزوجات فسيكن من ضمن نساء المسلمين، لأنهن سيصبحن نساء وزوجات لرجالهن، مثلما أن أزواج الرسول بنات لرجال آخرين، لكن بعد أن أصبحن أزواجًا للرسول، صرن يلقبن بأزواج أو نساء الرسول، ولا يلقبن ببنات آبائهن، وإن كان هذا هو الواقع، فكل بنات الرسول ولدن فى المدينة، ولم يولد له بنات فى مكة.

وفى الوقت نفسه، تؤكد سورة الأحزاب المدنية ذاتها أن محمدًا «صلى الله عليه وسلم» لم يرزق بأبناء ذكور على الإطلاق، لا فى مكة ولا فى المدينة، ولن يكون أب أحد من رجالكم أبدًا: «ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين، وكان الله بكل شيء عليما».

وإذا كان الرسول «صلى الله عليه وسلم» لم يرزق بأبناء ذكور أبدًا، ولم يرزق ببنات إلا فى المدينة، وبعد هجرته، فإن هذا يترتب عليه الحقائق التالية:

أولا: السيدة خديجة ليست أمًا لبنات الرسول «صلى الله عليه وسلم»، لأنها توفيت فى مكة قبل الهجرة، والقرآن يؤكد أنه لم يرزق منها بذرية، والتاريخ يؤكد أن الرسول تزوج بها وهى قد قاربت سن اليأس.

ثانيًا: زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة اللاتى اشتهرن بأنهن بنات للرسول «صلى الله عليه وسلم»، بنات زوجته خديجة وربيبات للرسول ولسن بناته، ويحتمل أن الذين اعتادوا تسميتهن بنات الرسول تجاوزا، خاصة أن التبنى كان شائعًا فى ذلك الوقت.

ثالثًا: أما بنات الرسول اللاتى رزق بهن فى المدينة، وكن لا زلن صغيرات عند نزول سورة الأحزاب، وهى السورة الوحيدة التى ذكرتهن، فيحتمل أن تكون أمهن السيدة عائشة بنت أبى بكر التى تزوج بها الرسول فى وقت مبكر من الهجرة، أو أنه رزق بهن من زوجته الثانية، أو أن الرسول رزق ببناته من عائشة ومن زوجته الثانية، وقد يكون رزق ببنات من مطلقة زيد، ونميل إلى أنه رزق ببناته من عائشة فقط، لأنه تزوجها فى بداية الهجرة، وكان هناك وقت كافٍ لأن تنجب عددًا من البنات قبل نزول سورة الأحزاب، وهى السورة الوحيدة التى ذكرتهن.

وما يؤكد أن السيدة عائشة هى أم بنات الرسول أنها وحدها التى تعرضت لحملة مسعورة لمسخ تاريخها، دون نساء الرسول الأخريات، وبشكل متعمد، ومن ذلك أنه تم ترسيخ أن الرسول تزوج بالسيدة عائشة وهى لم تبلغ السادسة من عمرها ودخل بها وهى فى التاسعة، للتأكيد على أن الرسول مات عنها وهى لا تزال قريبة من سن الطفولة، وبالتالى يسهل التصديق أنها لم تنجب.

يمكن أن يشعل ما قاله ابن قرناس هنا عقول من استقروا على ما جاء فى كتب السيرة المعتمدة والمعترف بها عن زوجات الرسول الأخريات، وعن أبنائها، فهو هنا يؤكد أنه لم ينجب ذكورًا قط، وعليه فقصة ولده إبراهيم من السيدة مارية القبطية على الأقل ليست سوى أسطورة من الأساطير، بل إن السيدة مارية نفسها قد تكون أسطورة من الأساطير، وهو ما يترتب عليه محو جانب كبير من جوانب حياة النبى «صلى الله عليه وسلم». 

يمتلك ابن قرناس على ما يقوله دليلًا من القرآن، وهو ما يجعل الأمر خاضعًا للتأويل والتفسير، وهو تأويل وتفسير يمكن أن يصل فى النهاية إلى عدم تصديقه، وفى الوقت نفسه لا يملك من يقولون بغير ما يقول إلا دليلا من الروايات المتوارثة، ولا دليل على صدقها إلا تصديقنا لمن تحدثوا بها، وهو تصديق فى النهاية يمكن أن يكون محل اختبار. 

أعترف أن رؤية ابن قرناس كانت ولا تزال بالنسبة لى أكثر من مزعجة، لكن استوقفنى فى الكتاب ما ذكره عن سير الأحداث بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم»، وبالمعنى الأدق والأصوب بعد انقطاع الوحي، وعليه فالأحداث التى يتعرض لها ابن قرناس هنا لم يسجلها القرآن، ولم ترد به أى إشارة لها.

لكنه يضع يده فى حقيقة الأمر على أمر أعتقد أنه خطير للغاية، لأنه يقترب من وضعية الإمام على رضى الله عنه فى التاريخ الإسلامى.

يقذف ابن قرناس فى وجوهنا بمن أسماهم «مسلمى قريش». 

وهؤلاء فئة أسلمت وآمنت بالرسول «صلى الله عليه وسلم»، لكن فى الوقت  نفسه ظل ولاؤهم وانتماؤهم وإخلاصهم الأول لقريش، ولذلك عندما مات الرسول «صلى الله عليه وسلم» حاول هؤلاء أن يستعيدوا مجد قريش مرة أخرى.

يقول ابن قرناس:«يمكن القول إنه بمجرد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم» أطلت الفتنة برأسها، وسعت قريش بقيادة أبى سفيان والعباس إلى الاستيلاء على الحكم بالقوة منذ أن تولى أبو بكر الصديق رضى الله عنه قيادة المسلمين، وذلك عندما أشار أبو سفيان على الإمام على بإعلان نفسه حاكمًا والخروج عن طاعة أبى بكر، وسيضمن له الخيل والرجال، كما روت كتب الأخبار، لكن مساعيهم لم تنجح لأن المؤمنين كانوا حاضرين، والمنافقون لا يستطيعون المجاهرة بالعداء بعد، واستمرت قريش تسعى للوصول لحكم دولة المسلمين ولو بشكل غير مباشر، وأحد هذه الطرق هو تنصيب أحد مسلمى قريش الموالين للمشركين حاكمًا، يمكنهم بواسطته توجيه إدارة الدولة كما يريدون».

لقد كانت هناك محاولات للانقضاض على دولة المسلمين منذ اللحظة الأولى لوفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم». 

 يقول ابن قرناس:« عندما انتفضت الشعوب والقبائل فى كل جزيرة العرب على المسلمين، بمجرد سماعهم خبر وفاة الرسول، استطاع المسلمون بصرامة أبى بكر استرداد السيطرة على أرض الجزيرة؛ بل والاستمرار بمعاقبة من عاون على حرب المسلمين من الفرس والروم، التى بدأت فى عصر الرسول، وهو ما عرف تاريخيًا بالفتوح».

ويطعن ابن قرناس فى الكتب التى تشير إلى وجود تجاوزات فى حروب أبى بكر على المرتدين، فهى بالنسبة له الكتب التى كتبتها قريش، ولذلك فهى محل شك وريبة، فالأقرب أن جيوش ما سمى بالفتوح فى عصر أبى بكر وعمر رضى الله عنهما كانت تسير حسبما أمر الله دون تجاوزات، ولم تسع جيوش المسلمين للحرب، ولكنها فرضت من قبل المعتدين من مشركين عرب، وخلفهم بنى إسرائيل والفرس والروم، فكان على المسلمين أن يحاربوهم بكل قسوة لا رحمة فيها لمن يسعى للقضاء عليهم وعلى الإسلام».

لم تكن فى حروب أبى بكر وعمر سبى أو استرقاق، ويستحيل أن تكون جيوش المسلمين زمن أبوبكر وعمر اقترفت المخالفات اللا إنسانية التى نقلتها كتب قريش التاريخية، والذى حدث هو أن جيوش قريش التى استولت على دولة الإسلام بعد ذلك هى التى اقترفت تلك المخالفات فى حق الشعوب المغلوبة على أمرها، ولأن حروب التوسع التى قامت بها حكومات قريش باسم الإسلام، استمرت طوال قرون، فقد نسى الناس تلك الفترة القصيرة التى لم تتجاوز عشر سنوات من الحروب الإسلامية الإنسانية زمن أبو بكر وعمر، وحكموا على كل حروب المسلمين بما رأوه من حروب قريش باسم الإسلام، سواء فى شرق المتوسط أو شمال إفريقيا أو فى الهند والسند والأندلس».

لكن ما علاقة الإمام على بكل هذا؟

وما الذى جعل ابن قرناس يعتقد أن السيدة فاطمة الزهراء زوجته وابنة الرسول «صلى الله عليه وسلم» ماتت مقتولة، ولم تمت ميتة طبيعية؟

يقول ابن قرناس: « بعد مقتل عثمان رضى الله عنه، ذكرت لنا كتب التاريخ أن على بن أبى طالب بويع بالخلافة من قبل بعض المسلمين دون البعض الآخر، وتقول تلك الكتب إن ممن بايعه وفد الثوار القادم من الكوفة، ضمن من ثاروا على عثمان، وسواء كان هذا صحيحًا أم لا، فالوقائع تشهد أن على بن أبى طالب كان أول من أعلن إسلامه، وأنه أيضًا كان يقاتل المسلمين».

هنا لابد أن أفتح قوسين لأضع بينهما ملاحظة ابن قرناس على كتب التاريخ. 

 يقول: نحن هنا نستمد معلوماتنا من كتب التاريخ التى لا نصدق ما جاء فيها، لأننا لا نملك مصادر غيرها.

لكن السؤال هو: لماذا ينظر ابن قرناس إلى الإمام على رضى الله عنه على أنه كان يقاتل المسلمين؟

يقول فى تفصيل ذلك: لو كان قتال على انحصر ضد معاوية القرشى لأمكن أن يقال إن معاوية بلغت به الجرأة أن يحاول الاستيلاء على دولة الإسلام أو جزء منها (الشام)، فقام على بالتصدى له ولقريش، لكن على وقبل قتال معاوية، لاحق أم المؤمنين عائشة واثنين من أتقياء الصحابة هما طلحة والزبير، إلى مكة حتى خرجوا إليها هربا منه للاحتماء ببيت الله الحرام، ثم طاردهم للعراق بعدما خرجوا إليها من مكة، واشتبك مع جيش من البصرة حاول حماية أم المؤمنين ومن معها فى قتال، قتل فيه طلحة والزبير وعشرات الآلاف ممن يحسبون على المسلمين، قبل أن يتصارع مع معاوية، كما لاحق حفظة القرآن الذين أطلق هو عليهم الخوارج، وكأنهم خرجوا عن الإسلام لأنهم خالفوا طاعته، وسحقهم حربًا وصبرًا، وهذه الوقائع تظهر على كطالب للحكم، وأول من قام بالتصفية الجسدية لمعارضيه، وأول من قاتل المسلمين، وأول من أطلق ألقاب الكفر والتخريب على من يخرج عن طاعته كحاكم، وكأن طاعة الحكام طاعة لله».

أعرف أن هذا كلام غريب جدا، خاصة أنه يقال عن الإمام على رضى الله عنه، وهو ما يبعث على الريبة فى مقاصد ابن قرناس، فهو يهجم هذه الهجمة الشرسة على الإمام على خصمًا من رصيد الشيعة. 

وللأسف الشديد فإن ندرة المعلومات عنه وعن انتمائه وتكوينه يحول دون أن نربط بين ما يقوله وما يسعى إلى تنفيذه، فقد يكون أحد أدوات مواجهة المد الشيعى فى السعودية، لكن حتى هذا لا نستطيع أن نجزم به، لأننا لا نملك ما نرتكن عليه لإثباته.

لكن ابن قرناس يعود ويتدارك ما قاله من خلال سؤال يطرحه، وهو: هل كان الإمام على ضحية من المسلمين الأتقياء انقاد لدسائس قريش؟

أم أنه أول من وصل لحكم دولة الإسلام من مسلمى قريش؟

والسؤال بصورته تلك وما يحمله من دلالات تلزمه إجابة حاسمة ودقيقة. 

يقول ابن قرناس: لو نظرنا إلى المستفيد من سياسة على بن أبى طالب لما وجدناه الإسلام ولا المسلمين، ولكنها قريش، فهى المستفيد من تلك المذابح لأنها أضعفت المسلمين الأتقياء، وجعلت استيلاء قريش على حكم دولة الإسلام ممكنًا.

يكشف ابن قرناس عن وجهه، ساعيًا إلى إدانة الشيعة، فهو يرى أن لو كان أحد غير الإمام على من اقترف هذه الحرب لصب عليه التاريخ غضبه ولعناته، لكن ما حدث على أرض الواقع هو أن الحقائق عكست تماما، وتحول ما فعله فى حروبه إلى فضائل، كما تحول سعيه للحكم إلى حق إلهى أعطاه الله إياه، وقد اقترنت نسبة الفضائل لعلى وأحقيته بتولى الحكم بتشويه تاريخ أم المؤمنين عائشة، مما يعنى أن هذا التشويه جاء متعمدًا، لطمس حقيقة أن قريش استطاعت الوصول إلى تصريف حكم دولة الإسلام، وإخفاء حقيقة أن السيدة عائشة كانت من أنشط المؤمنين الأتقياء الذين قاوموا محاولات قريش للسيطرة على الحكم، فجاء القضاء عليها ومن معها من خلال الإمام على، سواء كان ذلك بعلمه ورضاه أو باستغلال قريش لغفلته.

لقد كانت السيدة عائشة تتمتع بشخصية قوية جعلت منها سدًا منيعًا مع المؤمنين المخلصين ضد محاولات قريش للسيطرة على حكم دولة الإسلام بعد وفاة الرسول، ولأن قتل أم المؤمنين سيجعل الناس يتمسكون بمبادئها، فقد قررت قريش سلب قوتها فى التأثير على الناس بطريقة أخرى تمثلت بتشويه سمعتها، والقضاء عليها وهى حية، وعلى سمعتها بعد وفاتها، فتم تشويه ومسخ تاريخها، وتم ترسيخ هذا المسخ وتوارثناه على أنه الحقيقة.

ويذهب ابن قرناس إلى حقيقة أن من تسموا بالشيعة لم يختلقوا التهجم على أم المؤمنين، لأنه بدأ قبل ظهور عقائدهم، ولكنهم عملوا على ترسيخه فيما بعد، لأنهم وجدوا فى القصص المختلقة على أم المؤمنين ما يمجد على بن أبى طالب، الذى ترتكز عقائدهم على تقديسه.

لقد بالغ الشيعة فى تقديس الإمام علي، حيث نجد أنه لم يكتب لأحد فى تاريخ الإسلام ما كتب لعلى من فضائل بما فى ذلك الرسول «صلى الله عليه وسلم» نفسه، فوصف بأنه ولى الله، ووصل الأمر ببعض الناس القول إنه لولا على لما خلق الله الكون، وغير ذلك الكثير.

ويرجع ابن قرناس إلى فرضيته الأولى. 

يقول: إن كان هذا الاستنتاج صحيحا فهذا يجعلنا نعيد التساؤل: هل كان على بن أبى طالب ضحية لقريش وقام بما قام من حروب تصفية وهو يظن أنه يخدم الحق وليس قريش؟ أم أنه كان أحد مسلمى قريش، وعمل على الاستيلاء على حكم دولة الإسلام؟.

والإجابة التى يطمئن إليها ابن قرناس أنه فى كلتا الحالتين، فقد قامت أم المؤمنين عائشة بحملة تحذيرية لمن بقى من المؤمنين الأتقياء من المخطط الذى يسعى له على بعد قتل عثمان، وكان معها طلحة والزبير، وقد غادروا المدينة إلى مكة، ظنا منهم أن الاحتماء ببيت الله الحرام كفيل لتوقف على عن ملاحقتهم، لكن شيئا من هذا لم يحدث.

هربت أم المؤمنين وطلحة والزبير من مكه باتجاه العراق، أملًا فى الاحتماء بالبصرة التى تبعد عن مكة بما يزيد على 1200 كيلو متر، والتى لم تقبل بتولى على للسلطة، فلحق بهم إلى هناك، مما جعل أهل البصرة يخرجون لملاقاة جيش على حماية ودفاعًا عن أم المؤمنين، فوقعت المعركة على مشارف البصرة من جهة الغرب، وفى مكان قريب من بلدة الزبير الحالية، التى سميت باسم الزبير بن العوام الذى قتل بالقرب منها ودفن هناك، وقد قتل طلحة معه فى المعركة أيضا، إضافة إلى الآلاف غيرهم. 

 وكانت أم المؤمنين معرضة للقتل لولا أن عليا منع ذلك لئلا يثور عليه مناصروه، لمكانة أم المؤمنين فى قلوب الناس، وقد شوهت هذه الحقائق وقلبت فأصبحت أم المؤمنين وطلحة والزبير هم الأشرار، بينما أسبغ على الإمام على ثوب القداسة، وصورت حملات التطهير التى قادها للتخلص ممن يعارض توليه سلطة الدولة المسلمة لعلمهم بميوله إلى حملات لخدمة الإسلام.

إن الدور الذى قام به الإمام على من وجهة نظر ابن قرناس جعله يضع مجموعة من الأسئلة أعتقد أن الإجابة عنها مهمة للغاية، وهي:

أولًا: لو حقق التاريخ بتجرد فسيكون بالإمكان التساؤل إن كانت السيدة فاطمة الزهراء قد قتلت أم أنها ماتت ميتة طبيعية؟ وهل كان قتلها إسكاتا لصوتها لئلا تفصح بما قد تكون اكتشفته مما كان يدور بين زوجها الإمام على وكبراء قريش وعلى رأسهم العباس وأبو سفيان أثناء اجتماعاتهم فى بيتها بعد وفاة الرسول «صلى الله عليه وسلم»؟

قبل أن نغادر أولًا يمكننا أن نتوقف قليلا عند ابن قرناس. 

لا يشغلنى هنا المنهج الذى اتبعه، فهو سار وراء آيات القرآن لكتابة تاريخ النبى «صلى الله عليه وسلم»، لكنه وجد نفسه فى ورطة كبيرة، عندما بدأ يباشر أحداث التاريخ الإسلامى بعد انقطاع الوحى، وهو ما جعله يستسلم إلى الروايات التاريخية عما حدث. 

ولأن منهجه يقوم بالأساس على الشك فى هذه الأحداث، فإنه ينشر حولها أسئلة لا تستند إلا إلى شكوكه، فهو لا يملك دليلا على أن السيدة فاطمة ماتت مقتولة بيد من تحالفوا لتمكين قريش من الحكم والولاية، وهو ما جعله يشطح بخياله إذا جاز التعبير. 

 فيتصور أن المتحالفين مع قريش اجتمعوا معه فى بيته. 

 وأنهم حتما تحدثوا عن خطتهم فى الاستيلاء على الحكم. 

 وحتما أنها سمعتهم وعرفت بما يتآمرون عليه. 

 وحتما أنها اعترضت عليهم؛ بل يمكن أن تكون دخلت معهم فى مشادات ارتفعت فيها الأصوات، ولم تنته إلا بأن هددتهم السيدة فاطمة بأنها ستفضح خطتهم، فما كان منهم إلا أن قرروا قتلها. 

سؤال ابن قرناس مشروع بالطبع ما فى ذلك شك، لكن أعتقد أن السؤال لا بُد أن يكون مبينا على حيثيات معقولة، ومقدمات تقودنا إليه. 

لكن كل ما فعله ابن قرناس أنه ألقى السؤال، ومضى تاركًا من يقرأون له يضربون أخماسًا فى أسداس كما يقولون، بل وينسجون من خيالهم تصورات وسيناريوهات حول الأيام الأخيرة فى حياة السيدة فاطمة التى ماتت بعد موت أبيها صلى الله عليه وسلم بستة شهور فقط، وهو ما يرجح عند البعض أن هناك شبهة جنائية فى وفاتها... أو على الأقل يمكننا أن نقول أن هناك شبهة سياسية وراء ما جرى. 

سيظل السؤال معلقًا... وستظل الإجابة عليه كذلك. 

ثانيًا: ويكون بالإمكان التوقف عند تواجد الإمام على فى المدينة أثناء حصار عثمان دون أن يحرك ساكنا للدفاع عنه، خاصة أن من بايعه بالخلافة هم من اشترك فى قتل عثمان؟

ثالثًا: لماذا قام الإمام على بتصفية كل معارضيه، وهل معارضوه كانوا بالفعل يحاولون وقف اجتياح قريش لسلطة دولة الإسلام؟ رابعًا: لماذا تجاسر على وترك عاصمة الإسلام بالمدينة واستبدالها بالكوفة؟

خامسًا: لماذا لم يحسب الإمام على من بين الخلفاء الراشدين حتى جاء أحمد بن حنبل، الذى كان أول من طالب بأن يعتبر رابعهم، بعد موته بأكثر من 200 عام؟

إننى أمام محاولة من ابن قرناس لكتابة تاريخ الإمام على من جديد، لكنها محاولة لم تكتمل، فلا توجد لديه مصادر، ولذلك فإنه يكتفى بأن يطرح تساؤلات، قد تكون تساؤلات منطقية جدًا، لكنها تساؤلات، البحث عن إجابة لها أمر ضروري.

ما أحب أن أثبته هنا أن محاولة ابن قرناس التى عرضت لها، كانت محاولة للدفاع عن الإسلام، وليست محاولة للخصم منه، كما فهم البعض على طريق الخطأ، إنه يبحث فى التاريخ، ولا يبحث فى العقيدة، وحتى الذين يمكن أن يعترضوا على ما قاله ابن قرناس عن على ابن أبى طالب سيقعون فى فخ، فهم يتعاملون مع البشر على أنهم آلهة لا تخطئ ولا يأيتها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، أما التاريخ فهو لا يرى ذلك مطلقًا.