
محمد جمال الدين
الخدمة الغائبة
تُعد «خدمة ما بعد البيع» أحد أهم العناصر التى تُساهم فى ترويج السلعة، وزيادة المبيعات، حيث يوصى خبراء التسويق والتجارة بالاهتمام بها وتطويرها بشكل مستمر، وهذا ما جعل كُبرى الشركات العالمية تحرص على تقديمها لعملائها، حرصًا منها على سمعة منتجات الشركة فى السوق، فهى خدمة تعد إضافة تصب فى المقام الأول فى مصلحة المستهلك وتحافظ أيضًا على اسم وسمعة الشركة فى السوق، كما أنها ترفع من مستوى رضا العميل للمنتج، بل تجعله يروج له بين المحيطين به، ولكن وللأسف ظهر مؤخرًا ما جعل المشترين يصدمون من غياب هذه الخدمة لدى البائعين، الذى تمثل فى سوء التعامل أو عدم استرداد أموالهم أو حتى إيجاد حل وسط يرضى البائع والمشترى، خصوصًا فى فترة ما بعد انتهاء الضمان، لدرجة وصل معها الأمر أن يصف البعض هذه الفترة بالدعاية الوهمية لتسويق المنتج فقط لا غير.
وهذا ما تأكد فى السوق المصرية حاليًا، رغم أن هناك القانون رقم 181 لسنة 2018 الخاص بحماية المستهلك الذى ينص على «التزام المورد عند علمه أن هناك منتجًا معيبًا لديه أن يعلن عن توقفه عن إنتاجه أو التعامل عليه، ويحذر المستهلكين بعدم استخدام هذا المنتج، مع التزامه بناء على طلب المستهلك بإبدال المنتج أو إصلاح العيب أو إرجاع السلعة مع رد قيمتها دون أى تكلفة إضافية»، وبدلاً من أن تكون هذه الخدمة فرصة كبيرة لخدمة الشركة المنتجة والعميل فى الوقت نفسه، أصبحت نقمة على المشترى وجعلته يفقد الثقة فى العديد من المنتجات التى يشتريها، خاصة بعد أن بدأت بعض الشركات فى وضع عراقيل أمام المستهلك تجعله يفقد الأمل فى استبدال المنتج المعيوب أو حتى يسترد قيمة ما دفعه.
المؤسف أن بعض هذه الشركات اعتمدت فى السابق على هذه الخدمة لكسب ثقة العميل بمنتجاتها، منها شركة شهد لها الجميع بجودة منتجاتها ثقة فى اسم صاحبها، ولكنها سرعان ما تراجعت الثقة بها وبمنتجاتها بعد تدهور خدمة ما بعد البيع، حيث تعتمد حاليًا على وكلاء يتولون هذه الخدمة، ولكنهم غير أكفاء للقيام بها، يقومون باستغلال المستهلكين بدرجة واضحة، بداية من فرض رسوم للزيارة، يعقبها تحديد العطل ثم تحديد ميعاد آخر لإصلاحه (وكله بثمنه)، وفى النهاية يظل العطل كما هو أو يتسببون فى استفحاله نتيجة لقلة الخبرة والكفاءة، وعندما يصرخ المستهلك شاكيًا، طالبًا مهندسى صيانة من الشركة الأم، يجد أن العيب لم يعد قابلاً للإصلاح ومطلوب استبداله بقطع غيار جديدة (ثمنها بالشىء الفلانى) فى بعض الأحيان ثمنها لم يعد فى مقدور العميل الوفاء به، فيطالبونه بتقديم شكوى ليتم بحثها فى الدعم الفنى، وقتها من الممكن استبدال قطعة الغيار مجانا أو غير ممكن.
المحزن فى الأمر أن المستهلك يصدم من ردود مهندسى وفنيى الشركة الأم عندما يصرحون له بأنهم شخصيًا تقدموا بأكثر من شكوى للإدارة من انخفاض المستوى المهنى من فنيى الصيانة (فى دكاكين) الوكلاء، التى تم التعاقد معها ويعرضهم شخصيًا ويعرض شركتهم لإساءات تنال منها ومن سمعتهم، وتزعزع الثقة فى منتجاتها، ما تفعله الشركة المشار إليها فى السطور السابقة تفعله العديد من الشركات الأخرى صاحبة الاسم والتاريخ فى السوق المصرية، حينها تذهب حقوق المشترين مع الريح نتيجة لانخفاض الوعى وعدم إدراكهم بما لهم وما عليهم عند شراء أى منتج.
انخفاض الوعى وعدم الإدراك هو ما تسبب فى انهيار خدمة ما بعد البيع فى الأسواق، وهذا ينطبق على الغالبية العظمى من المستهلكين، فى حين أن من يمتلكون هذا الوعى ويملكون فائضًا من المال والوقت هم فقط من يلجأون إلى القضاء أو إلى جهاز حماية المستهلك، لضمان حقوقهم سواء باسترداد أو استبدال ما دفعوا مقابله، ومن أجل هذا وذاك على الجهات المعنية بحماية المستهلك توعية المستهلكين بحقوقهم فى خدمات ما بعد البيع ودراسة احتياجاتهم ورغباتهم لحمايتهم من الغش والخداع وعدم الوفاء بعقود الضمان والصيانة، بخلاف مطالبتنا كمجتمع بسرعة البت واتخاذ القرار الرادع فى أى مشكلة من هذا النوع لضمان حقوق المستهلكين وأموالهم وجهدهم ووقتهم، الذى تعبث بهم شركات غيبت هذه الخدمة بفعل فاعل لضمان تضخم ثرواتها على حسابنا.