الجمعة 3 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أفكار منحرفة (4) اقتحام لأفكار كُتّاب خرجت عن التقليدى والمعتاد وقائع أكبر انقلاب فى كتابة تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم

أفكار منحرفة (4) اقتحام لأفكار كُتّاب خرجت عن التقليدى والمعتاد وقائع أكبر انقلاب فى كتابة تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم

أعرف أنه لن يكون سهلا عليك أن تتقبل ما ستقرأه هنا، فما فعله الباحث المجهول ابن قرناس فى تاريخ الرسول صلى الله عليه وسلم، شىء لم يسبقه أحد من قبله. 



كل ما حاولتَ أن أقف معه عند ما يعتبره هو أنه حقائق، يمتلك دليلا على ما يقول، سترى أنت ذلك بنفسك، لكننى لا أنحاز إلى رؤيته انحياز المصدّق الأعمَى؛ بل أقف إلى جواره من باب أنه من حقه أن يبحث ويجتهد ويصل إلى ما يرى أنه صحيح، وبعد ذلك لا مانع من أن يتقاطع معه من يعتقدون أنه لم يكن على حق.

 

1 - «اقرأ » ليست أول آية تنزل من القرآن... وجبريل لم يتجسّد للرسول أبدًا

يذهب «ابن قرناس» فى كتابه «أحسن القصص... تاريخ الإسلام كما ورد من المصدر مع ترتيب السور حسب النزول»  إلى أنه لا يمكن أن تكون سور القرآن نزلت بالترتيب الذى قال به المفسّرون، وحتى يدلل على ذلك فهو يأخذ من سورة العلق أول سورة فى ترتيب النزول كما يقول المفسرون- فأول آية نزلت فى القرآن هى «اقرأ»- مثالا لتأكيد وجهة نظره.

يقول المفسرون إن سورة العلق والآيات الخمس الأولى منها تحديدًا هى أول ما نزل على رسول الله، وتلاها فى النزول سورة القلم معتمدين فى ذلك على أمرين. 

الأول تصورهم الخاطئ عن كيفية تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم للوحى. 

والثانى ظنهم أن القرآن ينزل على شكل جزء من آية أو آيات، وليس على شكل سورة كاملة.

ويناقش «ابن قرناس» الأمرين فيقول عن كيفية نزول الوحى، إن المفسرين تخيلوا أن الوحى يتم عبر لقاء حسّى بين محمد صلى الله عليه وسلم والمَلك المكلف بتبليغ الوحى، يقوم المَلك أثناء اللقاء بتلقين الرسول الآيات المنزلة عليه، بنفس الطريقة التى يعرفها العرب للتعلم، وهو ما ظن المفسرون المحدثون أنه جرى بين جبريل والرسول، ثم اختلقوا أحاديث لدعم ظنهم هذا.

ومن تلك الأحاديث ما نُسب لأم المؤمنين السيدة خديجة رضى الله عنها، والذى يظهر فيه الرسول وهو لا يدرى ما حدث له، لولا ورقة بن نوفل الذى يقول عنه الحديث، وكان امرءًا تنصَّر فى الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبرانى، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عُمى، فقالت له خديجة: يا ابن عم اسمع من ابن أخيك. 

فقال له ورقة: يا ابن أخى ماذا ترى؟ 

فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى. 

فقال له ورقة: هذا الناموس الذى نزل على موسى، يا ليتنى أكون حيّا إذ يخرجك قومك. 

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أومخرجى هم؟

قال: نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عودى، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا، ثم لم يلبث ورقة أن توفى وفتر الوحى... والحديث جاء فى صحيح البخارى.

يقول ابن قرناس: هذه القصة مختلقة من الأساس؛ لأن ورقة بن نوفل لم يقل للرسول ما نُسب إليه أنه قاله، ولم يؤمن برسالة الإسلام، ولم ينصر الرسول ولم يؤازره مع أنه عاش لما بعد البعثة، هذا إذا كان له وجود أصلا، ولم يكن مجرد شخصية وهمية اختلقها المؤرخون لدعم تأويلاتهم... وهو ما أظن.

أمّا عن طريقة تلقى الرسول صلى الله عليه وسلم للوحى فيقول ابن قرناس: لقد تبنينا قصص الرواة عن الكيفية التى كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتلقى بواسطتها الوحى، وتقاعسنا عن تحكيم عقولنا والتمعّن فيما قاله سبحانه وتعالى الذى نَزَّل «الكتاب تبيانًا لكل شىء، وهدًى ورحمة وبشرَى للمسلمين».

إن القرآن يخبرنا بكل وضوح أن الوحى ينزل مباشرة على قلب الرسول، يعنى ذاكرته: «قُلْ مَن كَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ»، وهو ما تؤكده سورة الشعراء «وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ.عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ».

وعليه فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوحَى إليه، أى يُنسَخ الوحى فى ذاكرته، دون الحاجة للتلقين: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم». 

 وقد أكد القرآن ذلك مرّات عديدة، بصيغة «أوحينا إليك». 

 وبصيغة «أوحى إليك». 

وطمأن الله سبحانه نبيه بألا يحاول ترديد ما يجده قد نسخ فى ذاكرته ليحفظه: «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا»، فلن ينساه ما دام حيّا: «لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فاتبع قُرْآنَهُ».

ويصل ابن قرناس إلى أول ما نزل من القرآن، يقول: إن الأدلة التى اعتمدها المفسرون والمحدثون على أن الخمس الآيات الأولى من سورة العلق، هى أول ما نزل على الرسول، تقوم على ظنهم بأن الوحى يتم بتلقين المَلك لرسول الله الآيات وترديدها عليه حتى يحفظها، وهو ما ينفيه القرآن نفيًا قاطعًا.

ولو تمعنا فى سورة العلق بعيدًا عن ظنون المفسرين، فسنجد أنها تتحدث عن أحد كبراء قريش، وكيف أنه كان يزجر الرسول كلما رآه يصلى (بجوار الكعبة): «أأَرَأَيْتَ الَّذِي ينْهَى. عَبْداً إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى. أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى . كَلاَّ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعا بِالنَّاصِيَةِ. نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ. سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ . كَلاَّ لاَ تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب».

أمّا لماذا يقول ابن قرناس إن هذه ليست أول آيات القرآن الكريم نزولا؛ فلأنها كما يقول: هذه الآيات تؤكد أن هناك سورة نزلت قبل العلق تأمر بالصلاة، وهو ما يؤكد يقينًا أن العلق لم تكن أول سورة نزلت من القرآن.

2 - الرسول لم يولد فى عام الفيل... ولا يعرف أحد متى ولد

يؤكد ابن قرناس أن من كتبوا التاريخ الإسلامى قالوا إن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وُلد عام الفيل؛ لأنه الحدَث الوحيد الذى وقع فى مكة قبل الرسول، وسجّله القرآن، واختلقوا لميلاده وحياته فى صغره قصصًا خيالية لم تحدث.

والواقع أن محمدًا صلى الله عليه وسلم مثل غيره من رجال قريش، لا يعرف أحد متى وُلد؛ لأن قريشًا لا تؤرّخ أحداثها؛ بل يتحدثون بالحدث إذا وقع، وإذا مات الجيل الذى عايش الحدث مات الحدث معهم ونسيه الناس، لذا لا نعرف متى وُلد أبو بكر وعمر رضى الله عنهما، ولا نعرف أيضًا متى وُلد أبو جهل أو أبو طالب، أو غيرهما من رجالات قريش، ولو كانت قريش تعنى بتسجيل تاريخ الميلاد، لعرفت متى وُلد سادتها وكبراؤها الذين تفخر بهم.

ويجزم ابن قرناس أنه لم يصاحب ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم أى مَظاهر غير عادية منه كطفل، أو من الطبيعة حوله، ولم تشعر أمُّه بأى شعور غير طبيعى أثناء الولادة، والشىء المؤكد الوحيد أنه سرعان ما أصبح يتيمًا: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى».

ومع ذلك فهناك أسئلة كثيرة، منها: هل مات والده وهو فى سن الرضاعة؟ أمْ أن والدته بقيت لفترة بعد ذلك؟ أو أنها ماتت وبقى أبوه لفترة؟ لا يدرى أحدٌ عن ذلك شئيًا، لكن الثابت من القرآن فقط وما نعرفه منه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتيمًا ووجد من يؤويه ويعتنى به، كما تنص الآية الكريمة من سورة الضحى.

3 - الرسول لم يعرف أنه سيكون رسولا  من السماء قبل الوحى 

يدخل ابن قرناس ببحثه فى منطقة يَعتبرها الكثيرون من كُتّاب السيرة أنها كانت غامضة فى حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فلم يتحدثوا فيها إلا بإشارات قليلة، وهى حياته قبل أن يوحَى إليه ويصبح نبيّا مرسلا من عند الله سبحانه وتعالى.

يقول: لم يَعرف محمد صلى الله عليه وسلم فى أى فترة من فترات نموّه أنه سيصبح رسولا لله، لا بطريقة مباشرة ولا بتلميحات، كما أنه لم يحمل أى إشارة تدل على أنه سيكون له شأن دينى، أو سيكون نبيّا: «وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّك فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِّلْكَافِرِينَ»، ولم يعرف غيره أو يلاحظوا أى علامة أو إشارة لنبوّته على الإطلاق: «قُل لَّوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ».

وقد عاش الرسول صلى الله عليه وسلم بداية حياته مثل قومه، لا يعرف دين الحق: «وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى»، وبقى واحدًا منهم حتى بعث، فنزلت الآيات تخبره بما يجب عليه تركه من الموروث: «يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ.  وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»، لكنه كان يتمتع بأخلاق عالية، ولم يُعرَف عنه صلى الله عليه وسلم لا السّفاهة ولا الإسفاف: «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم».

ويشير ابن قرناس إلى أنه لو كان الرسول صلى الله عليه وسلم اقترف أى أفعال تتنافى مع ما دعا القرآن لاجتنابه فيما بعد، لذكرته قريش بأنه ينهاهم عن خلق كان يأتى مثله، وهذا لم يحدث، ولم يقل به أى قرشى، فالرسول صلى الله عليه وسلم فى صباه وشبابه لم يقرأ أو يبحث عن الأديان: «وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم»، ولم يطلع ولو عن طريق المصادفة على أى دين من الأديان السابقة، لا قراءة ولا كتابة : «وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِك إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ».

لقد كانت قريش تعرف الرسول صلى الله عليه وسلم حق المعرفة، ولم يكن غريبًا بينهم؛ بل رجل سوى من أواسطهم دون تمييز ودون عيوب مخلة: «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الْأَوَّلِينَ، أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ»، أمّا كل ما طرأ على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد البعثة فهو أنه أصبح أول المسلمين: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّه مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمينَ. قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظيمٍ. قُلِ اللّه أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ ديني‏».

لم يتحول الرسول صلى الله عليه وسلم بعد البعثة إلى رجل خارق، يشفى المرض بلمسة من يده، أو ساحر يحوّل الماء إلى لبن، ولم يخاطب الجن والجماد أو يخاطبوه، ولم يكن شاعرًا أو فيلسوفًا ولا حكيمًا ولا عالمًا بالغيب؛ ولكنه بقى مجرد إنسان عادى بالمواصفات البشرية: «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلَّا بَشَرًا رَّسُولًا».

وهو فى التقدير القرآنى كما يرى ابن قرناس رسول من الرُّسُل لا أكثر من أحدهم ولا أقل: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَبِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْـئًا وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ».

لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم من كبراء قريش أو ذا سُلطة فيهم ولا مال: «وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ»، وكان مكلفًا بكل أوامر الدين ونواهيه مثل أى إنسان آخر دون تمييز: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ»، وأنه سيموت ويحاسب كما يموت ويحاسبون: «إنَّكَ مَيِّتٌ وإنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ثُمَّ إنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ».

لقد اجتهد المفسرون فى إثبات أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم الجسدية والخلقية من خلال روايات بشرية عديدة، لكن ابن قرناس استند إلى القرآن للوصول إلى صفات الرسول.

فقد كان رقيق الإحساس يشعر بالحزن العميق والأسَى على قريش إشفاقًا عليهم لتماديهم فى الكفر: «وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ»، وكان يتحرج أحيانًا قبل قراءة بعض الآيات التى تهاجم قريش لكنه لا يستطيع أن يكتم ما أنزل إليه: «كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ».

ورُغْمَ أن قريشًا كانت تؤذيه نفسيّا ومعنويّا، وكانت الدعوة فى مكة عبارة عن معاناة مستمرة للرسول صلى الله عليه وسلم، نتيجة لما يواجهه من قريش من سخرية وتكذيب وكل أنواع الأذى النفسى، وكإنسان فى اللحظات الحالكة، ومع تدنى المعنويات، كان يشعر بالحزن العميق من موقفهم المعاند وما يتلقاه منهم من أذَى: «وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ».

وفى مواقف كثيرة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يتمنى لو أعطاه الله معجزة حتى تؤمن به قريش: «وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ. يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ. وَإِنْ مَا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ».

ويخلص ابن قرناس من كل ذلك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم بقى إنسانًا عاديًا، يعتريه ما يعترى غيره، بعدما أصبح رسولا لله.

4 - الرسول مات فى الخمسينيات من عمره.. وتم تكليفه بالرسالة وهو فى العشرينيات

وكما لا يَعرف أحدٌ تاريخًا لميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإن كتُب الأخبار والسير لم تتفق على يوم وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل إنها أعطت تواريخ متباينة، وإن كان أكثرها ترديدًا بين الناس، يوم الاثنين 12 من ربيع الأول للعام الحادى عشر للهجرة.

يقتحم ابن قرناس هذه المساحة أيضًا ويقول: هذا القول ليس يقينًا، ولم يعتمدوه من مصادر موثوقة أو مكتوبة أو حتى شفهية، ولكنهم قالوا به ليتوافق مع ما زعموه، من أنه وُلد يوم الاثنين وبُعث يوم الاثنين وهاجر يوم الاثنين ومات يوم الاثنين، وكأنهم أرادوا أن يجعلوا من يوم الاثنين يومًا مقدسًا.

المفاجأة أنه بحسبة تاريخية فإن يوم 12 من ربيع الأول للعام الهجرى الحادى عشر، كان يوم الأحد وليس الاثنين، وذلك بناءً على طريقة حساب التاريخ الهجرى، ويدعمه أيضًا أن كتُب الأخبار تقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حج حجة الوداع فى السنة العاشرة، وكان الوقوف بعرفة يوم الجمعة، ولو كان صحيحًا فسيكون يوم السبت هو الثانى عشر من ربيع الأول للعام الحادى عشر.

ويستكمل ابن قرناس رؤيته يقول: لقد قال الإخباريون إن الرسول صلى الله عليه وسلم وُلد عام الفيل، ليس لأنهم يملكون دليلا على ذلك، ولكن ليتوافق مع زعمهم أنه بعث عندما كان عمره أربعين عامًا، وأن حادثة الفيل كانت فى السنة التى وُلد فيها، وأن عمر الرسول 63 سنة، بناءً على افتراضهم أنه وُلد فى عام الفيل.

ويبدو أن من قالوا ذلك استوحوا زعمهم بأنه بعث وهو ابن أربعين عامًا، من قوله تعالى: «وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ».

ورُغم أنه لا علاقة للآية بعمر الرسول صلى الله عليه وسلم عندما بعث، فمن الصعب كما يقول ابن قرناس أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ الأربعين عندما بعث؛ لأن ابن الأربعين رجل فى منتصف العمر، بدأ يخبو فيه الحماس والإصرار المطلوب للقيام بعمل جبار، مثل مواصلة الدعوة فى جَوّ عدائى، يتطلب الصبر على الأذَى بدرجات تفوق تحمّل الإنسان العادى.

وهناك فى كتاب الله ما يدل على أن إبراهيم عليه السلام، وهو الجَد الأعلى للرسول صلى الله عليه وسلم، قد أصبح رسولا لله وحاج قومه فى وثنيتهم وهو فتى فى مقتبل العمر: «قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ».

كما أن عُمْرَ موسى عليه السلام كان فى أواسط العشرينيات عندما أرسل لفرعون، والمرجح أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد بُعث وهو فى العشرينيات وتوفى وهو فى الخمسينيات من عمره، كما أن بقاءه يدعو فى مكة لمدة 13 عامًا مشكوكًا فى صحتها.

6 - الرسول لم يتزوج إلا أربع نساء فقط فى حياته...واحدة فى مكة.. وثلاث فى المدينة

يحلو لمَن يريد أن يطعن فى سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه تزوج من تسع نساء، ولا يأتى هؤلاء بشىء من عندهم، فهو أمر ثابت فى كتب الرواة، لكن ابن قرناس فى كتابه «أحسن القصص» يذهب إلى حقائق أخرى تمامًا.

يقول: إذا أخذنا معنى كلمة أهلك فى القرآن الكريم بأنها زوجك؛ فإن الرسول حتى غزوة أحد كان متزوجًا بزوجة واحدة فقط: «وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَال وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ».

لكن الرسول تزوّج بغير هذه الزوجة بعد ذلك، ففى سورة الأحزاب أنه تزوج بمطلقة مولاه زيد الذى طلقها لاستحالة العِشرة بينهما، رُغم محاولة الرسول الصلح بينهما، ولم يكن الرسول ليتقدم لخطبتها لأن زيدًا هذا كان ابنًا بالتبنّى للرسول، فنزلت الآيات فى السورة تشرّع تحريم إلحاق الولد المتبنّى بنسَب الأب بالتبنّى، وتبيح زواج مطلقة ابن التبنّى، خلافًا لما كان يحدث قبل الإسلام؛ لأن الأب بالتبنّى ليس هو بالفعل الأب البيولوچى، وبالتالى فلا تحرم عليه مطلقة ابنه المتبنّى.

ومن الثابت قرآنيّا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان فى الفترة التى تلت غزوة الأحزاب، متزوجًا من المرأة التى تزوج بها قبل غزوة أحد، ومطلقة زيد ابنه بالتبنّى، ومعهما زوجة أخرى على الأقل؛ لأن القرآن يؤكد أنه كان لديه جمع من الأزواج: «االنَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلك فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا».

ويقول تعالى فى السورة نفسها: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا. وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا»، وتكرار الآيات بهذه الطريقة يؤكد أنه كان للرسول صلى الله عليه وسلم جمع من الزوجات دون تحديد العدد.

وسورة الأحزاب تذكر الرسول أنه قد أحل له فيما سبق الزواج بمن يشاء من اللاتى يحل له الزواج بهن: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِين قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا».

وبعد تذكيره بما أحل الله له فى السابق الزواج به، تفرض عليه السورة تشريعًا جديدًا، يحد من ذلك السماح: «لَّا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَّقِيبًا». 

فالآية تحرم على الرسول زيادة عدد نسائه، بالزواج من أخريات، ولا تجيز له طلاق زوجاته والتزوج ببديل لها.

فإذا كان للرسول جمع من الأزواج، وكانت كل زوجة تعيش فى بيت- غرفة- منفردة، وبالتالى فإن جمعًا من البيوت، كما نتبين من قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا».

أمّا عن أزواج الرسول فعند نزول سورة الأحزاب، فهن من توفى عنهن، وهن من جمعهن فى وقت واحد، وهن كل النساء اللاتى تزوج بهن بعد الهجرة، فكم كان عدد أزواجه عند نزول سورة الأحزاب؟ 

وقبل سورة الأحزاب مباشرة، فقد نزلت سورة التحريم، التى تبدأ بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ. عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ».

والآيات تخبرنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أسَرّ لإحدى زوجاته شئيًا فأخبرت به بقية الأزواج، فجئن يسألنه عن حقيقة ما وصل لأسماعهن، ويطالبن بتفسير، فاعترف ببعضه وأعرض عن بعضه الآخر، ثم ذهب إلى زوجته التى أسر إليها الخبر، وعاتبها على نشره، وعندما سألته عمن أخبره، قال لها إن الله هو من أنبأه بذلك، ليس ادعاءً بأن وحيًا أخبره، ولكنه استعارة تعنى أنه علم بتوفيق من الله، وهو أسلوب من المعتاد استخدامه، يقال: كيف اهتديت لهذا الييت؟ فتجيب: هدانى الله إليه.

وكان من نتيجة هذا أن حلف الرسول ألا يفعل شئيًا مباحًا له فعله فى العادة، فنزلت الآيات تقول له لا يجوز له يحرم ما أحل له لكسب رضا أزواجه، وأن عليه أن يتحلل من قسمه بكفارة اليمين: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

ويقول ابن قرناس فى دراسته: ولو أخذنا بعين الاعتبار أن الحدث الذى تتكلم عنه سورة التحريم، علمت به كل زوجات الرسول، فعددهن سيكون كما يلى: الزوجة التى أسَرَّ الرسول لها بالخبر،إضافة لبقية زوجاته.

وعدد الزوجات الباقيات هو اثنتين، كما هو مذكور فى قوله تعالى: «إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلكَ ظَهِيرٌ»، ويكون المجموع بذلك ثلاث زوجات فقط فى المدينة، واحدة نعرف أنه كان متزوجًا بها عندما وقعت غزوة أحد، وهى بالتأكيد أم المؤمنين السيدة عائشة، والثانية مطلقة زيد، أمّا الثالثة فلا نعلم متى تزوجها، ولم يذكر اسمها فى القرآن، ولا ما يعين على التعرف عليها.

وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بأربع نساء على أكثر تقدير طوال حياته، واحدة فى مكة، هى السيدة خديجة التى توفيت قبل الهجرة، وجمع ثلاث زوجات فى وقت واحد، وتوفى عنهن فى المدينة، وما يؤكد ذلك هو أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بنائه فى بداية الهجرة، كان ملحقًا به حجرة واحدة، كبيت له عليه، وكان ذلك قبل زواجه فى المدينة بأى امرأة، ثم زيد عدد الحجرات إلى أربع حجرات فى آخر حياته، مما يعنى أنه كان يتم بناء حجرة لكل زوجة يتزوجها الرسول؛ لتكون بيتًا لها، ولمّا توفى الرسول كانت هناك حجرة لكل زوجة من الزوجات الثلاث، وحجرة رابعة له عليه الصلاة والسلام.