الأربعاء 17 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و1/2..‎ سمير غانم إكسير السعادة محطم (كتالوج) الكوميديا!

كلمة و1/2..‎ سمير غانم إكسير السعادة محطم (كتالوج) الكوميديا!

‎كل ما كان يفعله «سمير غانم» كممثل هو ما كان يجب تحديدًا ألا يفعله كممثل، ورُغْمَ ذلك حقق نجاحًا غير مسبوق، لا يمكن أن يُطاوله فيه أحدٌ.



‎يومًا سألته: ماذا تفعل لو أن فنانًا يقف أمامك على خشبة المسرح ثم خرج فجأة عن النص؟

‎أجابنى: وكيف أعرف (يا طارق ) أنه خرج عن النص، وأنا أساسًا لم أقرأ النص؟!

‎كان «سمير» لا يشغله فى قليل أو كثير النص ولا أسلوب الإخراج، لديه رهانٌ آخر، وهو قدرة استثنائية على قراءة مفاتيح الجمهور، وما الذي من الممكن أن يُضحكه، وعلى الفور يمسك بهذا الخيط، وفى الوقت نفسه يتيح لمَن يقف بجواره إمكانية الإضافة للحوار، على شرط ألا يقدم ما يخرج عن الآداب، أو يزعج الجمهور، كانت له مقولة شهيرة عندما يستمر ممثل فى استخدام (إفّيه) مُنفر (ارحموا مَن فى الصالة، يرحمكم مَن فى السماء).

‎«سمير غانم» هو نَبتٌ فنّىٌّ عفوىٌ طبيعىٌ لم يدرس فنَّ الأداء الدرامى، ولم يُجهد نفسَه كثيرًا فى تعلم حرفة التمثيل، انطلق كما هو وأحبَّه الناسُ كما هو. 

‎وهكذا صنع اسمَه من خلال تلك الطاقة الإيجابية التي يبثها فى الناس فيرتبطون به ليصبح مجرد ذكر اسمه بمثابة ارتباط شرطى للضحك.

‎«سمير غانم» هو العنوانُ الأثير للارتجال الفنّى فى عالمنا العربى، قادرٌ فى لحظات على أن يضيف الكثير للشخصية التي يؤديها لتتحول إلى حالة نتعايش معها، ونصدّقها بكل تفاصيلها، استطاع أن يتجاوز دورَ الكاتب والمخرج، لتجد بين الحين والآخر إضافة خاصة به، ترشق مباشرة فى قلوب الناس لتنعشهم، وتظل بعد مرور كل هذه العُقود من الزمان قادرة على إنعاشهم.

‎عندما طرح اسم «سمير غانم» قبل أربع سنوات للتكريم بالجائزة التقديرية الكبرى، فى مهرجان القاهرة السينمائى العريق كان مسار دهشة الأغلبية؛ خصوصًا أن الجائزة كانت تحمل وقتها، اسم سيدة الشاشة فاتن حمامة.

‎أفلام «سمير» لا ترحّب بها المهرجانات السينمائية، وفى العادة تنال القسط الأكبر من الهجوم النقدى، ورُغم ذلك فلا يمكن أن نغفل المكانة الجماهيرية التي حققها.

‎أنا واحدٌ من هؤلاء الذين وجدوا فى نَيْل «سمير» لتلك الجائزة منطقًا يتجاوز المنطق، الذي دأبنا على استخدامه، نتوقف هنا، أمام فنان منحنا قرابة 60 عامًا من الضحكات الصافية، هذا الإشعاع وتلك البهجة التي أحدثها فى قلوبنا، تتجاوز الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والفوازير و(الاسكتشات) التي لعب بطولتها أو شارك فيها نجمنا الكوميدى الكبير، والتي تُعَد لو خُضعت للإحصاء الرقمى بالمئات.. «سمير» صار المصدر الطبيعى للضحك فى مصر والعالم العربى، فهو العنوان الأثير لإكسير السعادة، ولا تزال توابع تلك الضحكات تسكن قلوبَنا، فهى من فرط صدقها تتجدد كلما شاهدناها أو حتى تذكرناها.. «سمير» واحدٌ من قلائل جدًا ستظل ضحكاتهم تؤنس حياتنا كلما شعرنا بحاجتنا إلى ضحكة تغسل همومَنا فى هذا الزمن الضنين.

‎الإنسان ابن العصر الذي يعيشه و«سمير غانم» ابن زمن الصورة، أقصد الصورة العائلية التي واكبت دخول التليفزيون، الصورة المجانية طرحت مفردات مختلفة فى التلقى، قبل ذلك كنا نعيش من خلال السينما زمن الصورة مقابل أجر، أنت ترى الفنان على الشريط السينمائى بعد أن تدفع حق تذكرة دار العرض، بينما يكفى أن تضغط على زر التليفزيون لتشاهد فنانك المفضل وإذا لم يعجبك لديك زر للإطفاء أو ثالث للبحث عن عمل فنّى آخر، أتحدّث عن زمن التليفزيون قبل أن تدخل الفضائيات بقنواتها المتعددة والتي تتجاوز بضعة آلاف فضائية ناطقة بالعربية تستطيع بمصاحبة (الريموت كونترول) أن تتنقل فيما بينها بحُرية مطلقة.

‎«سمير» المولود فى مطلع العام 1937، أى أنه وعمره 23 عامًا كان التليفزيون العربى قد بدأ البث فى مصر، أدوات التواصل مثل الصحافة والمسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون والفضائيات والشريط المجسّم وسينما البُعد الرابع والكمبيوتر والمحمول وغيرها، أحدثت عند الناس تغييرًا فى أسلوب الحياة، وبالتالى فى طريقة التلقى ومفردات التعبير، وهكذا تتبدل أمزجة الشعوب مع دخول رافد حديث إلى الحياة؛ خصوصًا لو كان متعلقًا بالتواصل الاجتماعى، وهكذا كان ينبغى أن يتغير الفن وعلى رأسه الكوميديا، أول مَن يبدأ مرحلة التغيير وبأبجدية جديدة هى الكوميديا.. «سمير» قرأ منذ الستينيات، شفرة الناس وظل قادرًا على قراءتها، فكان هو مُضحكًا حتى أبناء (الكار)، لو سألت عادل والفخرانى وهنيدى وحلمى مَن يُضحكهم سيذكرون جميعًا «سمير غانم»، مُضحك حتى مُلوك الضحك!