الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
غناء القلم.. «هنا القاهرة» حلم مصرى نطقه أحمد سالم

غناء القلم.. «هنا القاهرة» حلم مصرى نطقه أحمد سالم

زرت بلادًا عديدة، شرقًا وغربًا، شرقًا وجنوبًا، من فنلندا، والسويد، وإيطاليا، والمجر، والمملكة المتحدة، وأمريكا، وكندا، وهولندا، وغيرها الكثير.



وكان من السهل جدًا، أن أستقر خارج مصر؛ حيث إن لغتى الإنجليزية تساعدنى، وعاداتى وتقاليدى وأفكارى ومزاجى وأخلاقى، تتناغم أكثر مع النمط الأوروبى،والأمريكى.

لكننى كنت أشعر به، أن تحقيق النجاح، والعيش برفاهية، واستمتاع، وسعادة، لن يكون بحلاوة المذاق نفسه، الذى سأشعر به، إذا حققت هذه الأشياء فى مصر. كنت أقول سأكون ناجحة، مثلا، وفى رفاهية اقتصادية، لا دوشة ميكرفونات، ولا قمامة متناثرة فوق الأرصفة، الدين منفصل عن المجتمع، لا تكفير دينى أو نبذ اجتماعى، ولا تشويه أو تجاهل إعلامى للكاتبات والشاعرات المتمردات، لا تطفل على حياة النساء، الكتابة تؤتى ثمارها ماديًا، وأدبيًا، نظام منضبط من الألف إلى الياء، فى كل الأشياء والمجالات أعيش بكامل حريتى، وطاقاتى الكامنة، لا تطفل على النساء، أمارس هواياتى، وأسمع وأشاهد الفنون الراقية، وإذا مرضت سأجد مستشفيات طبية  ترعانى فورًا دون أن أكون فاحشة الثراء، وإذا حدثت لى حادثة على الطريق أو فى المنزل، سوف تأتى سيارة الإسعاف، أو سيارة البوليس فى ثوانٍ معدودة. ثم ماذا بعد؟ . أهذا كل شىء، فى تحقيق السعادة، والرفاهية، والاستمتاع؟ شىء بداخلى يتمنى لو كنت فى مصر، أعيش فى أمان اقتصادى، وأمان صحى، وأمان ثقافى،  لكننى فى الوقت نفسه، لم تداعبنى مجرد الفكرة، فى بناء مستقبلى خارج مصر. 

وكنت أقول لنفسى، كل مجتمع له مشاكله، وكل شعب له ما له وعليه ما عليه، وكل حضارة لها عيوبها، وكل ثقافة لها سلبياتها، وكل بيئة لها أمراضها، وأيضا يقول العقل، أن التغيير أسهل فى بلد أعرفه، وأنا لا أستطيع العيش، إلا إذا كانت فكرة «التغيير»، من أهدافى الكبرى . وكنت أتساءل، لو فى مصر مشاكل، وأزمات، وأمراض وعيوب، وسلبيات، فمنْ سيحلها، لتكون وطنًا أفضل، إذا كان أهلها، يهجرونها، للاستمتاع بالحياة فى وطن آخر؟. لا أحد يستطيع تحمل عيوبنا، الا أنفسنا، أصحاب العيوب أنفسهم. 

لن أزعم أننى فى وطنى مرتاحة كل الراحة، التى من المفروض أن أشعر بها، ومن المفروض أننى أستحقها بالكامل، دون أن أطالب بها. لكننى إنسانة مخلوقة بشكل، أننى أجد «نصف الراحة»، أو «ربعها»، فى وطنى، أكثر متعة، من الراحة «الكاملة» على أرض أخرى . 

لكننى لم أرغب أبدًا فى مثل هذه الأحلام «المستوردة». كنت أريد دائمًا ومنذ نعومة أظافرى حلما من إنتاج مصر،  «صُنع فى مصر»، «ماركة مسجلة مصرية»، يتطلع إليه العالم، مثل « القطن المصرى».

وبذكر الأحلام المصرية الصنع، لا يمكن أن أنسى حلمًا مصريًا خالصًا، مائة فى المائة، تحقق يوم 31 مايو 1934، لحظة أن نطق الفنان متعدد المواهب «أحمد سالم» جملة «هنا القاهرة»، لأول مرة، ليفتتح بها بدء الإذاعة المصرية.

وكان هذا حدثًا عظيمًا، فى تاريخ الأحلام المصرية. كان يمكن لأحمد سالم، أن يبقى فى إنجلترا حيث درس الهندسة والطيران، وينعم بالتقدم هناك . لكنه جاء إلى مصر، حاملا أحلامه المصرية ودراسته وتفوقه، ومواهبه، لتكون فى خدمة مصر وطنه. وهل ننسى أنه مؤسس استديو مصر، شركة مصر للتمثيل والسينما، تلبية لطلب أبو الاقتصاد المصرى « طلعت باشا حرب» 25 نوفمبر 1867 – 13 أغسطس 1941؟. وفعلا، بنى أحمد سالم، استديو مصر، على أرقى مستوى، وكان فيلم «وداد» بطولة أم كلثوم، وأحمد علاًم، عام 1936، أول إنتاج لهذا الصرح الحضارى المصرى.

«الإذاعة المصرية»، و«استديو مصر»، من الأحلام المصرية التى تحولت إلى واحدتين من أجمل وأرقى الإنجازات الوطنية الثقافية.

ليتشبث كل مصرى، وكل مصرية، بالأحلام التى تبنى وتستعيد نهضة مصر، العلمية والفنية والثقافية. التشبث الذى نسيناه، أو أضعناه، أو قللنا من شأنه.