الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كلمة و 1/ 2  عبد الحليم حافظ والمعجزة الثالثة  أمسَك الهواء وتنفس تحت الماء وتحدى الفناء!!

كلمة و 1/ 2 عبد الحليم حافظ والمعجزة الثالثة أمسَك الهواء وتنفس تحت الماء وتحدى الفناء!!

هل صدّقتم تلك المعجزة التى ذكرها محمد شبانة، ابن شقيق عبدالحليم، أكثر من مرّة خلال الخمسة عشر عامًا الأخيرة؟ أولها كانت لزميلنا طارق مرسى على صفحات مجلة «روزاليوسف»، وأعادها فى الكواكب قبل عشرة أعوام، ثم مؤخرًا قالها مجددًا  لـ عمرو أديب فى «إم بى سى مصر»، هذه هى المعجزة الثالثة التى يحققها «عبدالحليم»؛ حيث إن جسده  طبقًا لكلام ابن شقيقه لم يتحلل مثل سائر البشر،  أمّا المعجزتان  الأولى والثانية؛ فإن مَن يملك براءة اختراعهما  الشيخ عبدالحميد كشك، دعونا  أولًا نتعرّف على هذا الشيخ الذى كان أحد نجوم السبعينيات فى الشارع المصرى، ولاتزال حتى الآن تسجيلاته الصوتية على«السوشيال  ميديا»  بعد رحيله بربع قرن، تحقق أرقامًا قياسية  مليونية.



 كان الشيخ كشك واحدًا ممن استخدموا  القنابل العنقودية القاتلة كسلاح للسخرية فى توجيه ضربات موجعة للفن والفنانين، ولم يَسلم من لسانه تحديدًا الكبار أمثال أم كلثوم وفريد وعبدالوهاب وغيرهم، فكان مثلًا يقول عن عادل إمام :«دَعونا الله أن يرسل لنا إمام عادل فوجدنا عادل إمام»،عاش كشك فى عصر الكاسيت؛ حيث كانت خطبة الجمعة التى يُلقيها تتم تعبئتها على أشرطة والناس تتبادلها عبر العالم العربى، متعجبين بأن هناك من يهاجم أم كلثوم  قائلًا على المَلأ  أنها قد صارت عجوزًا شمطاء ورغم ذلك تقول  «خُدنى لحنانك خُدنى / عن الوجود وابعدنى» أو «هات إيديك ترتاح للمستهم إيديّه»أو«أنام وأصحى على شفايفك بتقولى عيش»، ولم يَسلم من لسانه حتى  كلب السّت الذى كان يحرس فيلتها، ناله من لسانه  الكثير.

قال عن عبدالحليم أيضًا العجوز بعد غنائه «فاتت جنبنا» وتساءل كيف ترد فتاة فى نهاية الأغنية عن سؤاله عمّن كانت تضحك له:«وقالت لى أنا من الأول/ بضحك لك يا أسمرانى»  فاعتبرها دعوة لارتكاب الفاحشة، إلّا أنه بعد أن غنّى عبدالحليم قصيدة نزار قبانى «رسالة من تحت الماء» اشتط فى الغضب أكثر، وقال إن عبدالحليم حقق فى التاريخ معجزتين؛ الأولى أنه «ماسك الهوا بإيديه» يقصد  تحديدًا أغنية «زى الهوا» والتى يقول فيها «وأتارينى ماسك الهوا بإيديّه»، أمّا المعجزة الثانية فلقد تحققت فى هذا المَقطع من  قصيدة «رسالة من تحت الماء» لنزار قبانى أيضًا  «إنى أتنفس تحت الماء / إنى أغرق أغرق أغرق»، وبالطبع ما رواه محمد شبانة هو المعجزة الثالثة.

سألوا أستاذًا فى الطب الشرعى عن إمكانية حدوث ذلك واقعيّا، فقال إنه من الممكن ألا تتحلل الأجساد بحد أقصى  أربعين عامًا، لأسباب متعلقة بطبيعة التربة، بينما مَرّ على رحيل عبدالحليم قرابة 44، أى أنه تجاوَز حتى هذا الافتراض العلمى النادر، ثم وهذا هو الأهم من المؤكد لو كان الأمرُ كذلك فلماذا  تحللت أجساد أشقاء عبدالحليم وأقاربه وأغلبهم  وارَى  التراب بعده؟.

لا يحق لى أن أُكَذّب أىَّ إنسان، ولكن واجبى أن أُعمل أولًا العقل، فى الثقافة الشعبية هناك اعتقادٌ راسخ أن أولياء الله الصالحين لا تتحلل أجسادُهم مثل سائر  البشر، هذا هو الهدفُ الذى سيطر على محمد شبانة، وهو ما دفعه لتأكيد أن   حفّارى القَبر كانوا يُهللون قائلين «الله أكبر»  عندما شاهدوا وجه عبدالحليم  كما يشاهدوه فى التليفزيون، من الممكن أن أجد فى تلك الحالة ردّا على المتطرفين الذين يعتبرون أن  الفن خطيئة لا تُغتفر، وأن عبدالحليم  مصيره النار، وهكذا يأتى رد الفعل لا شعوريّا أنه لم يكن فقط مؤمنًا طاهرًا، بل وليّا  من أولياء الله  الصالحين.

نعيش فى عالم به الكثير من الخُزعبلات،  وعبدالحليم فنان استثنائى ولايزال حيّا يُرزَق فى الوجدان العربى، ومن الصعب أن نمحو من تاريخنا الغنائى تلك النقلة التى أحدثها بصوته الملهم، إلا أنه بشر عاش على هذه الأرض 47 عامًا ثم صار تحت الأرض 44 عامًا، والموتى حتى من نعتبرهم أساطير  تنطبق عليهم جميعًا  قوانين الطبيعة!!