الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
كل الملفات تقود إليه.. هل نشهد جولة جديدة للحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن؟

كل الملفات تقود إليه.. هل نشهد جولة جديدة للحوار الاستراتيجي بين القاهرة وواشنطن؟

إدارة بايدن تدرك محورية دور مصر في كل الملفات الإقليمية الحاسمة



سد النهضة وعملية السلام والنووي الإيراني والحرب علي الإرهاب .. ملفات تختبر البيت الأبيض

 

أنظر إلى الخريطة العربية على اتساعها والتحركات التى جرَت فى الإقليم منذ مطلع ديسمبر الفائت حتى منتصف يناير الجارى فأجد نسقًا لرسائل عربية محددة وواضحة فى ملفات حاسمة وتستدعى الحسمَ وتستدعى العمل عليها الآن وليس غدًا.. ملفات تمثل أولوية لمنظومة الأمن الإقليمى العربى وفى القلب منه الأمن القومى المصرى..

تحرّكات استبقت دخول «بايدن» إلى البيت الأبيض لتكون الأمورُ واضحةً والبنودُ مدرجةً فى قائمة أولويات العمل السياسى والدبلوماسى مع تركيبة واشنطن الجديدة.. وما بين تهديد الأمن المائى لدولتَين عربيتَين هما (مصر والسودان) ومكافحة الإرهاب وإعادة عملية السلام إلى مسارها وفْق مرجعياتها الدولية بين السُّلطة الفلسطينية وإسرائيل ومواجهة الطموح النووى الإيرانى وتحجيم تهديد طهران لجيرانها.. أرَى أن هذه الشواغل القومية هى مَربط الفَرَس لكل السيناريوهات المقبلة، وهى المتحكمة فى مصير الشرق الأوسط.

 

 

 

كان التدخل الأمريكى عنصرًا مُهمّا لكسر جمود الموقف التفاوضى بين إثيوبيا والسودان ومصر.. وبذلت إدارة ترامب جهدًا لتقريب وجهات النظر وتم التوصُّل إلى تفاهمات واشنطن، التى التفّت عليها أديس أبابا وتنصّلت منها، وهو ما استدعى من مصر تصعيدَ الموقف إلى مجلس الأمن لكى يتحمّل مسئوليته فى حفظ السّلم والأمن الدوليين، وأعلنت مصرُ أنها ستدافع عن حقّها فى البقاء.

فى المقابل استمرّت إثيوبيا فى التسويف والرَّهان على عنصر الوقت بأنه سيمضى فى صالحها ولم تُبدِ أى حُسن نيّة فى التفاوض فى تصوُّر شيطانى بأنها قادرة على فرض الأمر الواقع.

كان السودان الشقيق الذى يعيش مخاضًا سياسيّا ويحلم بغد جديد بعد سنوات عمر البشير العجاف، يقف بين بين إذا جاز التعبير.. بين تصوّرات تفاوضية قديمة لفرضيات حقبة البشير ووعود إثيوبيا له، وبين استكشاف واقع وحقيقة المخاطر الكارثية التى ستلحق به من السد الإثيوبى.

لم يتخذ الأشقاءُ فى السودان كثيرًا من الوقت لكى يكتشف أن إثيوبيا شريك غير مؤتمن.. وتطوَّر الموقف السودانى فى عملية التفاوض واقترب من الموقف المصرى، وأعلن السودان أنه لن يقبل بفرض سياسة الأمر الواقع فى ملف سد النهضة.. ولم يرتبك السودان من جرّاء المناوشات الحدودية التى افتعلتها أديس أبابا معه وحاولت تهديد سيادته.. فكان يبعث خلال الأيام الماضية برسائل متراتبة تجاه الملف الحدودى وملف مياه النيل.

الآن تأتى إدارة بايدن وقد وصل هذا الملف إلى هذا الحد من التأزُّم، وهو تأزُّم يضر بمصالح هذه الإدارة فى منطقتَى الشرق الأوسط والقرن الإفريقى.

واشنطن تهمّها علاقاتها مع القاهرة؛ بل إن علاقاتها مع القاهرة استراتيجية.. والآن واشنطن تفتح صفحة جديدة للعلاقات مع الخرطوم.. ومُهم أيضًا أن نعرف أن لواشنطن علاقات مميزة مع أديس أبابا.. وبالتالى تتشابك مصالحها مع أضلاع المثلث التفاوضى، ومن ثم فإن قوة الدفع التى تنتظرها المفاوضات لنزع فتيل الأزمة التى تؤجّجها إثيوبيا وإيجاد حل مقبول بين دولة المنبع ودولتَى المصَب يستدعى حضورًا أمريكيّا فَعّالًا.

الآن الرسالة واضحة فى هذا الملف لإدارة بايدن، ليس فقط ما تتسلمه من أوراق من قِبَل وزارة الخزانة الأمريكية فى الإدارة السابقة؛ ولكن بمواقف واضحة من مصر والسودان تتمثل فى عدم القبول بسياسة الأمر الواقع التى تحاول إثيوبيا فرضَها.

 

 

 

لاأزال عند قناعتى أن القضية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر من ما سُمى كذبًا بالربيع العربى.. تراجعتْ وتراجَع الاهتمامُ بها وسعتْ مفاهيم دخيلة على الفهم العربى إلى التهام ما تبقى منها فى الضمير الشعبى؛ بل إن الربع الأخير من العام 2020 استقبل مسارًا استراتيجيّا موازيًا وهو السلام من أجل السلام، وبناءً عليه جرَى التطبيع بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.

إسرائيل التى تمتّعت بأفضل أريحية استراتيجية خلال العقد المنقضى بفعل ماسُمى كذبًا- التكرار متعمّد للمصطلح- بالربيع العربى، وهى أريحية لم تتحقق لها منذ عام 1948.

وفى النهاية أصبح أمرًا واقعًا.. ولكن استوعبت القاهرة المتغيرات متمسّكة بثوابت القضية باعتبارها القضية المركزية للعالم العربى ومفتاح الأمن والاستقرار للشرق الأوسط، وأنه لا بديل عن حل الدولتين وفْق مقررات الشرعية الدولية ممثلة فى قرارات مجلس الأمن والجمعية العامّة للأمم المتحدة.. وخلال الأيام الماضية تحركت مصرُ بقوة لإعادة عملية السلام بنسقها التقليدى- الأرض مقابل السلام- استضافت الاجتماعَ الرباعى لوزراء خارجية مصر والأردن وفرنسا وألمانيا، وتبع ذلك زيارة بالغة الأهمية قام بها الوزير «عباس كامل» رئيس المخابرات العامّة المصرية، واللواء «أحمد حسنى» رئيس المخابرات الأردنية، إلى رام الله؛ حيث أجرَيَا مباحثات مع رئيس السُّلطة الفلسطينية محمود عباس.

هذه الزيارة يمكن أن تعتبرها أنها ترتيب صريح للبيت الفلسطينى من الداخل، إذ بحسب الأخبار المتداولة عنها أنها تركزت على ملف المصالحة الفلسطينية، التى بذلت فيه مصرُ جهودًا مُضنية على مدار سنوات، والملف الثانى هو إجراء الانتخابات الفلسطينية الرئاسية والتشريعية خلال العام الجارى 2021.

هذا الترتيب توّج فى المباحثات التى أجراها الرئيس «عبدالفتاح السيسى» مع العاهل الأردنى الملك عبدالله، خلال زيارة الرئيس السيسى إلى المملكة الأردنية الأسبوع الماضى.

وبالتالى؛ هذه هى الرسالة الثانية إلى إدارة بايدن بأن على الولايات المتحدة أن تتحمل مسئولياتها بصفتها الدولة الراعية لعملية السلام فى الشرق الأوسط منذ انطلاقها فى سبعينيات القرن الماضى، حتى وإن ظهر مسارٌ موازٍ للعلاقات «العربية- الإسرائيلية» يخضع للسياسات الخارجية لعَدد من الدول العربية.

 

 

 

منذ إعلان اسم «ويندى شيرمان» ضمن قائمة طاقم إدارة بايدن فى موقع نائب وزير الخارجية والضجيج لا ينتهى فى الصحف الإقليمية؛ لأن السيدة «شيرمان» تُعَد مهندسة الاتفاق النووى الإيرانى، وإعلان اسمها كان بمثابة إشارة إلى المنهج الذى تنوى إدارة بايدن اتباعه فى هذا الملف الذى يشكل تهديدًا مباشرًا على المنطقة العربية بشكل عام وعلى الأشقاء من دول الخليج العربى.. هذه الإشارة تعززت بحديث وزير الخارجية الأمريكى الجديد «أنتونى بلينكن» أمامَ مجلس الشيوخ يوم الثلاثاء الماضى، عندما أعرب عن اهتمامه بالاتفاق النووى الذى كانت توصلت إليه إدارة أوباما وتنصلت منه إدارة ترامب، وإنه كان يحول دون استمرار إيران فى تخصيب اليورانيوم. هذه الوجهة من النظر تختلف عن غالبية الرُّؤَى لدَى مجلس التعاون الخليجى، إذ إن وجهة النظر المقابلة تتمثل فى أن الاتفاق النووى الذى عَقدته إدارة أوباما مع إيران سمح لطهران بمزيد من العَربدَة الإقليمية ومحاصرة دول المنطقة بأذرع من الميليشيات والحركات المسلحة.

الموقف الخليجى الموحّد فى هذا الأمر، الذى لا ينفصل عن الموقف العربى، لاسيما أنه صدر بحضور ومشاركة مصر، جاءَ من خلال قمة (العلا) التى استضافتها المملكة العربية السعودية فى الأسبوع الأول من يناير الجارى، والتى كانت رسالتها الأوقع والأوضح فى الملف النووى الإيرانى وإن انسحب الضوء على بداية مسار المصالحة بين الرباعى العربى وقطر، وسبق أن ذكرنا حينها أن مشوار المصالحة من ألف ميل تشكل قمة العلا أول خطوة فيه، بينما كانت رسالة الحسم فيما يخص التهديد الإيرانى وهى الرسالة الموحدة التى تستقبلها إدارة بايدن فى هذا الشأن.

 

 

بفعل فاعل.. تغيرت ديموجرافيا الإرهاب فى المنطقة.. انتقل ثقل التهديد من المشرق إلى المغرب ومن سوريا إلى ليبيا التى جاء إليها الإرهاب من خلال عمليات دفع ممنهجة بالعناصر والميليشيات الإرهابية، ولولا قدرة مصر فى الدفاع عن أمنها المباشر وردع من تُصَوّر له نفسُه أنه قادرٌ على التلاعب بالعمق الاستراتيجى لمصر وتغيير طبيعته لكان الجحيم عنوانه ليبيا. الأسبوع الماضى، وهنا على صفحات مجلة «روزاليوسف»، قدّمنا ملفًا شاملًا حول إدارة بايدن تحت عنوان (حُكم بايدن)، وكان من ضمن ما تضمّنَه من معلومات هو عودة الدبلوماسى «بريت ماكجورك» ضمن العائدين من إدارة أوباما إلى إدارة بايدن-  تحقيق الزميلة آلاء شوقى- وكان «ماكجورك» مبعوثًا لإدارة أوباما للتحالف الدولى لمواجهة «داعش».. وأحيط اسمه بالكثير من الجدل والاتهامات أيضًا بأنه طرفٌ فى المعادلات التى تجرَى على الأرض بين الميليشيات والحركات والتنظيمات الإرهابية؛ خصوصًا فى سوريا والعراق. وعند إعلان ترامب انسحابه من سوريا تَقدّم «ماكجورك» باستقالته.. والآن يعود منسقًا للعلاقات للشرق الأوسط وإفريقيا. وبالتالى؛ علينا أن نرصد رؤية إدارة بايدن للحرب على الإرهاب، وتحديدًا تجاه الوضع فى ليبيا التى لن يكون الإرهابُ جزءًا من مستقبلها بأى حال من الأحوال. هل ينطلق الحوارُ الاستراتيجى بين القاهرة وواشنطن قريبا؟ هذه الصورة الإقليمية بكل تشابكها.. تجد أن مصرَ طرفٌ فاعل ومؤثرٌ ورئيسى فيها.. وكل تفصيلات المشهد تتصل أيضًا بمصالح استراتيجية للولايات المتحدة، ناهيك عن الأبعاد الثنائية فى العلاقة ومستجداتها المتصلة بأبعاد جديدة حول الثروة والطاقة فى منطقة شرق المتوسط.

وبالتالى؛ فإن المنطقَ يقود إلى أن الفترة القليلة المقبلة قد تشهد انطلاقَ جولة من الحوار الاستراتيجى بين القاهرة وواشنطن، وهى الآلية التى تشكل أحدَ عناوين التميز للعلاقات «المصرية- الأمريكية»، وكانت متوقفة منذ العام 2009 وعادت فى عهد الرئيس «عبدالفتاح السيسى»، وتحديدًا فى العام 2015، وانعقدت آنذاك على المستوى الوزارى.