الأحد 20 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الإعلام المعادى والهوية 1

مصيدة تغيير الوعى

أصبح الإعلامُ من الأدوات الرئيسية التى تعتمد عليها القُوَى البشرية لتفعيل سياستها ونشر مبادئها، وابتكرت الأدوات والطرُق والأساليب التى تؤمن انتشار رسالتها وتأثيرها للدرجة التى أصبح الإعلامُ معها يمثل أحدَ العناصر الرئيسية لقياس قوى الدولة الشاملة، فهو أداة للتنمية والأداة الأقوى لتحصين الهوية الوطنية، وهو الوسيلة السريعة على نشر توجُّهات الدولة والدعوة للالتفاف حولها وتفعيلها، وهو أيضًا ما يستخدمه الأعداءُ فى تكسير الهمم وقلب الحقائق وبث الشائعات ومحو هوية البلاد والتأثير من خلاله لكسر الأمن القومى.



القنوات الفضائية التى أصبحت جزءًا من حياة المواطن اليومية؛ حيث أصبحت ذات تأثير مباشرعلى إحداث تغيير فى سلوك الأفراد تجاه علاقتهم بالمجتمع الذى ينتمون  إليه، ومن أهم هذه التأثيرات التأثير على الهوية الوطنية والثقافية، ومن أبرز هذه القنوات المُعادية تجاه مصر شَبَكة قنوات الجزيرة الفضائية والتليفزيون العربى وقناة «مكلمين» و«الشرق» وبعض القنوات الأوروبية الناطقة باللغة العربية.

العقود الثلاثة الأخيرة شهدت سلسلة مستجدات ومتغيرات فى أنماط ووسائل الاتصال الجماهيرى، فبعدما بدأت تكنولوجيا الاتصال تدخل قطاع وسائل الإعلام، وكان للكمبيوتر دورٌ مميزٌ فى عصر المعلومات، وذلك فى عام 1986، وبعد سنوات قليلة دخل نطاق الاتصال البث الفضائى التليفزيونى،  الذى أتاح لكل شعوب الأرض متابعة الأخبار والمعلومات والأحداث التى تجرى فى مشارق الأرض ومغاربها، إلّا أن هذا التطور التكنولوجى لم يتوقف عند هذه الحدود، ففى منتصف التسعينيات من القرن الماضى حدثت نقلة نوعية كبيرة تمثلت فى الإعلام الجديد (New Media) الذى أعطى الإمكانية لكل مستخدمى الكمبيوتر خاصية التواصُل مع من يريد وفى الوقت الذى يريد ومن أى مكان أو بلد يتواجد فيه. التعامل مع الإعلام الجديد يعنى التعامل مع مصطلحات وافدة على اللغة العربية تشكلت فى  سياقات  معرفية  وثقافية مختلفة، كان لا بُدَّ من إثارة مسألة الاضطراب الاصطلاحى والثراء المفاهيمى الذى طال هذا اللون من الإعلام. من هنا نجد أن إذا كان Daniel Bell يفضّل مصطلح «مجتمع المعلومات» على مصطلحات أخرى مثل «مجتمع المعرفة» أو «المجتمع المعرفى la société cognitive»؛ نظرًا إلى أن المعلومات تلعب حسب رأيه دورًا رئيسيّا فى المجالات الاقتصادية؛ فإن Manuel Castells يتحدث عن «المجتمع الشبكى» الذى تؤدى فيه المعلومات دورًا مركزيّا وبنيويّا يجعل من العصر الراهن «عصر المعلومات» بامتياز، وهذا يعنى أن المعلومات وفق  هذا المنطق تشكل «براديغما Paradigme» يتميز بسمات مخصوصة، هكذا يتضح أن «مجتمع المعلومات» هو ذلك المجتمع الذى يقوم على فضاء جديد أو جغرافيا جديدة تؤسّسها الشبكات الإلكترونية التى تقيم فضاءً متشابكا يعيش فيه الإنسانُ علاقات وأواصر جديدة تربطه بالفضاء والزمن، وبهذا المعنى فإن مجتمع المعلومات هو إذن يشكل الكمبيوتر Frank Webster أيضًا مجتمع الشبكات بحسب تعبير فرنك ويبستروالاتصال بنيته الأساسية. هذا ما يعنى أن هيمنة نموذج «الإنسان التواصلى (Homo communicous)» هو المدخل الذى يمكن من خلاله فهم إعادة تشكّل الحداثة وقيمها ونظامها المعيارى حول الاتصال وقيمه.الإعلام المعادى Hostile Media هو استخدام نظرية الإدراك للاتصال الجماهيرى التى تشير إلى ميل الأفراد الذين لديهم موقف قوى سابق حول قضية ما إلى إدراك وسائل الإعلام بأنها متحيزة ضد جانبهم أو تؤيد وجهة نظرهم فسيميل المناصرون من الجوانب المتقابلة لقضية ما إلى إيجاد نفس التغطية منحازة ضدهم ويأتى التأثير الإعلامى العدائى (Hostile Media Effect) ميل الحزبيْن إلى النظر إلى العداء التحيز فى التغطية الإخبارية التى تبدو متساوية وموضوعية لجمهور محايد (Vallone, Ross، &Lepper، 1985). ووفقًا لفرضية التأثير الإعلامى العدائى، من المرجح أن يرى أولئك الذين لديهم موقف تجاه قضية مغطاة تغطية إعلامية لهذه القضية باعتبارها متحيزة ضد وجهة نظرهم الخاصة (Vallone، Ross، &Lepper، 1985؛ Gunther، 1992؛ Perloff، 1989؛ Giner - Sorolla & Chaiken، 1994). عادة ما تتم ملاحظة الأدلة القصصية عن التأثير الإعلامى العدائى. يلقى المحافظون باللائمة على الصحافة لكونها ليبرالية بينما يعتقد الليبراليون أن وسائل الإعلام تابعة لمصالح الشركات (D’Alessio&Allen، 2000). ومن الأمثلة الشائعة الأخرى لهذه الظاهرة خطابات إلى رئيس التحرير من قارئين حزبيين؛ حيث يتهم كل منهما بأن الأخبار متحيزة لصالح المعارضة (Vallone، Ross، &Lepper، 1985؛ Gunther، Christen، Liebhart، و شيا، 2001). وقد كان الدليل التجريبى على التأثير الإعلامى العدائى ونشأته مع ثلاث دراسات كلاسيكية التى توفر دعمًا قويّا لوجود هذا التأثير الإعلامى. نشأة الإعلام المعادى التى بدأت فى الثمانينيات كان لها هدف قوى ولكن آثاره تظهر على طول المدى، فاستخدام أهم مميزات الإعلام وهو التأثير الجمعى جعل مدى  وانتشار الإعلام المعادى طويل المدى بعد التعرض لكل هذه التعريفات التى تشكل جزءًا كبيرًا من توجُّه الإعلام ومقوماته وكيفية استقطابه لأسباب مختلفة، منها سياسية وإيديولوجية وتمويلية يتضح لنا أن دورَ الإعلام فى أى مجتمع بشرى دورٌ خطيرٌ، وهو فى المجتمعات المعاصرة أشد أهمية وأكبر خطرًا؛ حيث تتعدد الاهتمامات وتتناقض الميول وتختلف الاتجاهات، وحيث يقوم الإعلام بمهمة البناء ومهمة الحماية والوقاية والتصدّى للغزو الفكرى الخارجى فى آن واحد من خلال تكوين رأى عام قوى وداعم. وتتبلور خصائص الإعلام المعادى (فضائيات- إذاعة- شبكات تواصل اجتماعى- جميع الأجهزة المستخدمة للإنترنت) على الدولة لخمس خصائص، وهى الحد الحقيقى لأى مواطن ليعرف الفرق بين الإعلام المعادى والإعلام المعارض:

• عدم نقل الواقع من خلال ارتباط غير صحيح وغير صادق مع الوقائع والأحداث. • العمل على تنشئة المجتمع وتثقيفه بمعلومات غير صحيحة تجعل المجتمع لا يندمج أفرادُه مع المجتمع الذى يعيش فيه وغيرمرتبط بأهدافه الفكرية والثقافية ويفقده هويته. جـ - العمل على عدم إبراز القيم والمُثل فى المجالات الثقافية والاجتماعية والإنسانية والاقتصادية مما يؤدى إلى ضعف انتماء الفرد للمجتمع الذى يعيش فيه.

د-  يقوم على فرض بعض الأفكار والآراء السلبية والمواقف غير صحيحة ومغايرة للواقع من خلال استخدام قوة وفاعلية الوسائل بهدف التأثيرعلى السلوك الاجتماعى وزعزعة الهوية والانتماء الوطنى.

هـ - العمل على كسر فكرة القائد وتشويه صورة المسئول ومحاولة لاستقطاب أفراد المجتمع للفوضى وبث الفتنة بين شرائح المجتمع كى لا يكونوا نسيجًا واحدًا متماسكًا. منذ قيام ثورات ما يسمى بالربيع العربى تنبهت تيارات الإسلام السياسى (جماعة الإخوان الإرهابية) إلى أهمية الدور الذى يمكن أن يقوم به الإعلامُ فى الدعوة والترويج لأفكارها، وتكوين قاعدة شعبية مؤيدة وداعمة لها، والتعبيرعن قيمها ومطالبها، كما توجهت الدول الكبرى فى النظام العالمى بتمويل هذه الجماعات الإرهابية فى وسائل الإعلام من خلال الدول الموالية لها (قطر- تركيا- إيران- إسرائيل). المحور المعادى لمصر دائمًا تاريخيّا وحديثًا. كما إن الدول الاستعمارية فى الماضى قد رأت فى مساندة هذه الجماعات من خلال الإعلام وتمويلها أو استخدام نهجها قد يساعدها للتدخل فى شئون مصر الداخلية أوالسيطرة على تنميتها من خلال إحداث أى نوع من الخَلل الداخلى أو تهديد أمنها القومى. 

أنهى هذا السَّرد لمفهوم الإعلام المعادى أنه المصيدة الأساسية لأى مجتمع غير قائم على الثقافة، والإعلام هو أساس بناء الشخصية والهوية، والإعلاميون هم مَن يقودون قطارالتنمية وجميع وسائل الاتصال الحديثة الآن المستخدمة يجب أن تنشر الثقافة للشباب وتوعية بالتحديات التى تواجه المجتمع من خلال خطط موجهة، وكذلك للوقوف فى مواجهة الغزو الثقافى الخارجى أيّا كان توجهه للحفاظ على الانتماء الوطنى والهوية والقيم الاجتماعية وصياغة توجُّه سياسى يحتوى المجتمع أجمع.

وللحديث بقية..

 

باحثة فى الإعلام المعادى وتأثيره على الهوية