
محمد جمال الدين
المسئولية المجتمعية
هل أضحَى بيعُ الوهم هو واقع حال الإعلانات التى تروّج لمنتجات عبر الشاشات أو أى وسيلة إعلانية أخرى، رُغم أن باطنها يضر أكثر مما يفيد؟، أقول هذا بعد هذا الكم الهائل من الإعلانات المُضللة الذى وضح لى ولغيرى ونصطدم به صباح ومساء كل يوم، ناهيك عن إعلانات الجدل والشعوذة وجلب الحبيب أو الحبيبة ورد المطلقة وتقريب البعيد وإبعاد القريب وفك الأعمال التى تذاع فى قنوات غير أمينة على الوطن وعلى المواطن، وللأسف يحدث هذا رُغم أن عندنا جهازًا لحماية المستهلك ينص فى أحد قوانين إنشائه أن أى إعلان مضلل توقّع عليه غرامة تطال الشركة المعلنة، وكذلك الوكالة الإعلانية التى نفذت هذا الإعلان.. السطور السابقة سببها الحُكم الصادر من محكمة القاهرة الاقتصادية بتغريم الممثل القانونى المسئول لشركة أبليكس مبلغ 900 ألف جنيه وحبس سَنة، بعد أن وردت العديد من الشكاوَى لجهاز حماية المستهلك بشأن هذا المنتج، وأنه لم يؤدِ إلى أى نتيجة معهم، بل وتسبّب فى بعض الأضرار الصحية لديهم؛ ليقوم الجهاز بدوره بمخاطبة المعهد القومى للتغذية بوزارة الصحة لبيان عمّا إذا كان المنتجُ المُعلن عنه مرخص ومصرح بتداوله من عدمه؛ حيث تبيّن أن عبوة المستحضر المعلن عنها مخالفة ولم تتم الموافقة عليها فى المعهد من حيث شكل العبوة وبياناتها، كما أن المستحضر مسجل بالمعهد تحت غرض مستحضر غذائى غنى بالألياف بطعم التفاح بالمحلى الصناعى، وهذا الغرضُ لا يتضمن كونه يساعد على خفض الوزن كما أن مكونات المستحضر لا تجاوز كونه مستحضرًا للألياف (ملحوظة: رُغم الحُكم فلاتزال إعلانات هذا المنتَج تغزو الشاشات إياها حتى الآن)، مما أدى إلى حداث تشويش مجتمعى، وبَلبلة، وأرَق لدى المستهلك الذى يؤدى به حُسن نيته إلى شراء هذا المنتج أو غيره، منجذبًا وراء الإبهار الذى جاء عليه الإعلان، والذى يتفنن فيه المعلن بخياله الواسع، لترويج منتجه الذى قد لا ينطوى على أى ميزة مما تم الإعلان عنه، ودون الوضع فى الاعتبار خداع المستهلكين ونهب أموالهم وتأثير ذلك على السّلم والأمان الاجتماعى، وتناسَى هؤلاء المخادعون الطامحون إلى جمع المال فقط عن قصد وتعمّد، قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (مَن غش فليس منّا)، وقوله: (إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارًا إلّا من اتقى الله وبرَّ وصدق)، المؤسف أيضًا فى إعلان أبليكس أو غيره أن منتجيها يستعينون بالفنانين والشخصيات العامة للترويج لمثل هذه المنتجات، مستغلين فى ذلك شهرتهم وثقة الناس فيهم، فيساهمون بدورهم فى تضليل الرأى العام، وترويج مفاهيم وسلوكيات استهلاكية خاطئة من خلال اللعب على الأوتار العاطفية والعقلية لدى الجمهور دون أدنى اعتبار للمجتمع الذى ينتمون إليه ويعيشون فيه، فضلًا عن تشويه صورتهم الذهنية لدى محبيهم ومتابعيهم، ومن أجل ذلك ولفنانين مصر الذين نقدرهم ونقدر دورهم، وتحديدًا لمَن شارك فى مثل هذه الإعلانات الكاذبة أتوجّه لهم بسؤال لعلى أجد له إجابة عندهم: كيف طاوعكم ضميركم وأنتم تشاركون فى خداع مواطنين بسطاء يعتبرونكم مُثلًا عليا لهم ولأولادهم فى الترويج لمنتجات طبية غير معترف بها ولا تُباع فى الصيدليات أصلا، بعد أن أكدت الهيئات المسئولة عن الدواء أنها مغشوشة، وليس لها أى أثر طبى يذكر، ولماذا لم توضّحوا لمَن أحبّوكم أنكم تتبرؤون من مثل هذه الإعلانات؛ لتشاركوا ولو بفعل بسيط فى حماية المجتمع والبسطاء ممن شاركتم فى خداعهم (ولو بحُسن نية ودون قصد)، وأعتقد أن نقابة المهن التمثيلية عليها دور مهم فى هذا الشأن بمحاسبة أعضائها الذين يشاركون فى هذه الإعلانات، مثلما توفر لهم جميع سُبُل الرعاية والحماية عندما يسىء لهم أحدٌ، أمّا أطباءُ بير السلم الذين يروّجون لمثل هذه المنتجات فأعتقد جازمًا أن نقابتهم كفيلة بهم وبغيرهم؛ لأنهم خالفوا وبإرادتهم الحُرّة شرف المهنة الذى أقسموا على حمايته يومًا، هذا بخلاف شركات الاتصالات التى لا يهمها سوى تحقيق المزيد من الأرباح، وذلك عن طريق تخصيص أرقام تليفونية للقنوات التى تذيع مثل هذه الإعلانات، والتى عن طريقها يتواصل معها المشاهدون بهؤلاء المدعين، وكان الأولى بها العمل على حجب هذه الأرقام ومنع الاتصال بها بحُكم تواجدها فى المجتمع الذى تشاركه همومه وأفراحه.. يتبقى فى النهاية دور جُل الجهات المسئولة عن الإعلام التى يجب أن تتصدى لمثل هذه الظواهر السلبية التى انتشرت فى إعلامنا، بوقف مثل هذه القنوات التى تذيع هذه النوعية من الإعلانات ومنعها من الظهور نهائيّا؛ لنجفف مصادر تمويلها، أو من خلال إجبارها على تقديم محتوى يحترم المواطن ولا يجعل منه فريسة لمن ينشدون الربح على حساب الوطن والمواطن.