نجوم زمان.. بالألوان الطبيعية
آية رفعت
(أفلام الزمن الجميل).. هكذا أطلقنا على روائع الأفلام التى يذخر بها تاريخنا السينمائى، والتى يعد أهم ما يميزها تقنية التصوير المعتمدة على اللونين (الأبيض والأسود) ومع ذلك أطلق عدد من الشباب المهتمين بالسينما أو العاملين بها مبادرة لإعادة تلوين تلك الأفلام بالألوان الطبيعية ليتم عرض نسخ جديدة منها.
الحقيقة أن هذه المبادرة فتحت المجال أمام العقل ليسافر عبر الزمن، فمن منا لم يتطلع لرؤية لون عينين «عمر الشريف» ووسامة «رشدى أباظة» وأنوثة «هند رستم» وشقاوة «سعاد حسني» وغيرهم الكثير ولكن بالألوان الطبيعية.
الفكرة انتشرت بشدة خلال السنوات العشر الأخيرة، خاصة بعدما قام بعض النشطاء بتلوين صور لمشاهد مأخوذة من أفلام شهيرة، وقد لاقت هذه الصور استحسان الكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعى، ولا سيما الصور التى أظهرت ملامح نجوم لم نتمكن من رؤية ملامحهم بوضوح من قبل، بسبب اعتزالهم أو وفاتهم قبل تلوين الأفلام.
> محاولات فردية
فكرة إعادة تقديم الأفلام بعد تلوينها ليست بالجديدة فهناك نسخ من الأفلام التى تم تصويرها بتقنية الأبيض والأسود ثم أعيد تلوينها قبل عرضها مباشرة تماشيا مع التقنيات السينمائية الجديدة أوائل السبعينيات من القرن الماضى، ومع مرور السنوات أصبحت تقنية تلوين الأفلام أسهل تدريجيا، وأصبحت برامج التلوين متاحة على أجهزة الكمبيوتر الشخصية دون عناء مثل باقى برامج عملية المونتاج.
ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعى وإتاحة نشر المحتوى المرئى ما بين الصور والفيديوهات أصبح من السهل تلوين مقاطع من أفلام العصر الذهبى ورفعها، وقد نجح عدد كبير من القائمين على تلوين الأفلام جذب أنظار رواد مواقع التواصل الاجتماعى من خلال صفحاتهم الخاصة التى تعيد نشر مقاطع من هذه الأفلام أو المسرحيات، وأحيانا أفلام كاملة يتم رفعها على موقع اليوتيوب.
أشهر الصفحات المتبنية لتلك الفكرة «أبيض وأسود بالألوان» والقائم عليها مجموعة من الشباب الموهوبين، وتحدث «محمد الديب» أدمن الصفحة لروزاليوسف وقال إن فكرة الصفحة جاءت لهم بعدما لاحظوا إعجاب الجماهير ومتابعتهم لصور الفنانين القدامى الملونة، حيث تعتمد فكرة الصفحة على تلوين محتوى الأبيض والأسود من أفلام ومسرحيات ومقاطع غنائية ليشاهدها الجمهور وكأنهم يرونها لأول مرة.
وأضاف «الديب» قائلا: اهتممت بالسينما منذ البداية فأنا حفيد الفنانين «محمد الديب وجمالات زايد» وهما من أعضاء فرقة «نجيب الريحاني» رحمهم الله جميعا، وكنت أقوم أنا والمشاركون معى فى الصفحة بتطوير تكنولوجيا تلوين الأفلام ومحاولة تطبيقها تدريجيا على المقاطع الغنائية، وعندما وصلنا إلى مستوى معقول من التلوين بدأنا بتلوين الأفلام كاملة، ومع تفاعل الناس بشكل كبير معنا حولنا ما يقرب من 30 فيلما حتى الآن».
وقال «الديب» أنه حاول التواصل مع عدد من القنوات الفضائية لإعادة عرض المحتوى الملون، كنوع من التجديد فى عرض التراث ولكنه لم يستطع التواصل مع المسئولين عن القنوات، بينما يعانى هو ورفاقه من مشكلة حقوق الملكية الفكرية، فبعض الأعمال تم حذفها من قبل موقع اليوتيوب بسبب حقوق الملكية الفكرية، والبعض الآخر قاموا هم بحذفها لعدم استطاعتهم التوصل لحل مع أصحاب حقوق الملكية الفكرية، مؤكدا أنه يتمنى أن يصل صوتهم وأعمالهم للمسئولين وأن يتم تبنى الفكرة من قبل القنوات المهتمة بالأفلام.
أما «أنور اسماعيل» أدمن صفحة «أفلام زمان بالألوان» فقال إنه بدأ هذا المشروع بسبب حصوله على إجازة من عمله كمعلم بعد بداية جائحة الكورونا، ورغم صعوبة عملية التلوين إلا أنه كان يستمتع بها كثيرا إلى أن وجد أن أعماله لا تلقى نسبة المشاهدة المتوقعة منه، مؤكدا أن تقنية تلوين الأفلام تتم «بالثانية» ولا يتم الاهتمام بعرضها على القنوات رغم المجهود المبذول بها.. مما جعله يقرر التوقف مؤقتا عن نشاط التلوين لحين وجود تقدير لعمله.
> انقسام الجيل الذهبى
وعندما نتحدث عن الجيل الذهبى فيجب علينا اللجوء لصناع تلك الأفلام التى شكلت رؤيتنا ووجداننا السينمائى بتاريخ عريق من الأعمال التى تعد من علامات السينما العالمية وليست العربية فقط، قد تبدو فكرة تلوين الأفلام أمرا عاديا وطبيعيا للبعض ولكن هل هى كذلك بالنسبة لصناعها؟
فى البداية أبدت الفنانة القديرة «ليلى طاهر» اندهاشها من تلك الفكرة، والمبادرات التى أطلقها الشباب لتلوين الأفلام، حيث قالت: ولماذا كل هذا التعب؟ فكل مرحلة سينمائية لها مميزاتها وسماتها الخاصة، وسمة وقت أفلام الخمسينيات والستينيات وما قبلها هى الأبيض والأسود، وأنا كفنانة عملت فى كل من الأفلام الملونة وغير الملونة، فأرى أنه لا يوجد أى تأثير على كفنانة ولم أتمن أن يتم تلوين عمل ما لى. فالأمر لن يضر العمل مهما كان، ولكن الفكرة أنه لا يوجد منطق وراء هذا التحول، فهذه الأفلام حلوة بألوانها وتعبر عن زمانها وجمال فترتها الزمنية.
بينما يرى الفنان القدير «يوسف شعبان» أنه لا ضرر من التجديد وعرض شكل مختلف للأعمال الأبيض والأسود شرط ألا يتم المساس بالأصول الخاصة بالأعمال السينمائية، ثم أردف قائلا: عملت بسينما الأبيض والأسود والألوان على حد سواء، وكل مرحلة كان لها رونقها ونجاحها وأدواتها وجمهورها، فبعض من الجمهور يحب الألوان، بينما الكثير منهم يميل إلى نقاء الشاشة الرمادية، وأنا لا أجد أى ضرر من تلك الفكرة على العكس فهى جديدة وتستحق التجربة، بشرط ألا يتم محو النسخ الأبيض وأسود ويتم عرض كلتيهما للجمهور لكى نرضى جميع الأذواق.
> تشويه وعبث
رغم تباين آراء أبناء الجيل الذهبى فإن النقاد والخبراء رفضوا بشكل قطعى هذه الفكرة مؤكدين أنها قد تكون مجرد ألعاب يستخدم فيها الشباب بعض الأساليب التكنولوجية المتطورة، ولكن تطبيقها بشكل علمى لن يكون مجديا، حيث قال الناقد «كمال رمزي» أنه لا يمكن العبث بأصول الأفلام ومجرد تلوينها قد يضيع التكوين الخاص بصورة الفيلم، مشيرا إلى أن أفلام الأبيض والأسود ليست مجرد لونين ولكنها تتكون من درجات عديدة ما بين الأبيض والأسود والرمادى، تكون الظلال والإضاءة وغيرها من الأمور التقنية التى تكمل الفيلم، ومع وضع الألوان عليها تفقد الصورة أبعادها لأنه الأمر سيكون مركبا وبالتالى يفقد العمل قيمته، ومن الممكن أن يلعب الشباب ببرامج الكمبيوتر لتلوين مقاطع الأفلام أو تغيير الأصوات أو إعادة عملية المونتاج ولكن لا يتم مس التراث ولا يتم تبنى الفكرة فعليا لأن الفيلم القديم هو وثيقة رسمية لا يصح إجراء أى تغيير بها، ومن يرغب منهم إعادة تقديم الفيلم القديم بشكل حديث فعليه أن يقدم عملا جديدا مستوحى من القديم مثلما يفعل البعض حاليا.
وتوافقه الرأى الناقدة «خيرية البشلاوي» التى بدأت حديثها بأنه لا يوجد دافع أو مبرر لعملية التلوين من الأساس سوى أنها فكرة تقوم على محو الماضى وجمالياته، مؤكدة أن لكل زمن سماته وجماله والتلوين بحد ذاته يؤثر على صورة الفيلم وسياقه ومشاهده تقنيا، ناهيك عن أنه لن يضيف شيئا لجماليات الصورة.
وأضافت قائلة إن الفيلم القديم مرتبط بالماضى وبلونه وبتفاصيله ومراحل المونتاج الخاصة به وفكرة الأبيض والأسود من جماليات اللغة المرئية وتكوين الصورة بالفيلم، وهى ضد هذه الفكرة تماما خاصة إذا كان الأمر سيمس أصول الأعمال السينمائية القديمة.>