الجمعة 24 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
جميــــلات العمارنـــــــة

جميــــلات العمارنـــــــة

يُعتبر عصرُ العمارنة من أكثر العصور إثارة وجاذبية وغرابة فى تاريخ مصر القديمة، إذْ شهد قيام المَلك أخناتون، الذى كان يحمل اسم أمنحتب الرابع من قبل، بالثورة على كل النُّظم والعادات والتقاليد المصرية القديمة المستقرة، وكان الدِّينُ من بين أهم العناصر المميزة التى قامت عليها دولة أخناتون ودعوته الدِّينية الجديدة. وانصَبّ اهتمام المَلك على معبوده الجديد «آتون» الذى جسّده فنيّا على هيئة قرص شمس تخرج منه أيدٍ بشرية تمسك بعلامة «عنخ» كى تَهِبَ الحياة للبشرية جمعاء من خلال أخناتون وأفراد عائلته.  



واحتلت العائلة المَلكية مكانة متميزة ضمن دولة أخناتون ودعوته وقاموا بوظائف ومهام عديدة من أجل مساندته. وتظهر العائلة المَلكية فى عصر العمارنة فى الأعمال الفنية فى مَناظر جديدة تمثل ثورة فى الفن المصرى القديم؛ فنرى العائلة المَلكية فى مناظر تبكى وتحزن على وفاة إحدى بناتها، وكذلك نرى أخناتون ونفرتيتى فى مَشاهد حميمية جدّا بين زوج وزوجته، لم نشاهدها بالمستوى نفسه من قبل فى الفن المصرى القديم على الإطلاق، كما ظهرت نفرتيتى وبناتها فى تماثيل فنية تُعبر عن حسّية واضحة تظهر مَعالم ومَفاتن الجسد الأنثوى بشكل فنّى لم يسبق له مَثيل فى الفن المصرى القديم.

ولمّا كان لمَلكات عصر العمارنة دورٌ مهمٌّ فى تلك الفترة المثيرة من تاريخ مصر، فقد أردنا أن نسلط الضوء على بعض الجوانب من حياة هؤلاء المَلكات وهو ما نتعرف عليه فى السطور التالية:

المَلكة القوية «تى» زوجة «هارون الرشيد»

يُعتبر عهد الفرعون الشمس، المَلك الأشهَر أمنحتب الثالث، (ويعنى اسمه «آمون سعيد»)، واحدًا من أعظم عصور الثراء والرفاهية والجَمال والفن فى مصر القديمة قاطبة، إن لم يكن أعظمها على الإطلاق، وواحدًا من أعظم عصور الفن فى تاريخ العالم القديم كله، وأيضًا فى سجل تاريخ الفن العالمى. وأطلق عليه البعض لقب «هارون الرشيد مصر القديمة» كى يقربوا عهده البعيد زمنيّا عنّا إلى أذهاننا؛ وذلك نظرًا لما تمتعت به دولته وازدان به بلاطه من ثراء ورفاهية يعجز القلم واللسان عن وصفهما.

وورث الفرعون الشمس المَلك أمنحتب الثالث إمبراطورية كبيرة فى قمة المَجد والثراء والقوة عن أجداده الملوك الفاتحين العظام أمثال أحمس الأول وتحتمس الأول وتحتمس الثالث وأمنحتب الثانى وأبيه تحتمس الرابع، وحَكم المَلك أمنحتب الثالث الدولة المصرية العريقة نحو ثمانية وثلاثين عامًا. 

وتُعَد المَلكة الذكية وصاحبة الشخصية القوية المَلكة «تى» هى الزوجة الرئيسية للفرعون الشمس المَلك أمنحتب الثالث. وقد تزوج منها فى العام الثانى من حُكم جلالته. وكانت «تى» سليلة إحدى عائلات نُبلاء البلاط الأثرياء، النبيل «يويا» وزوجته «تويا»، وكانت تحديدًا من مدينة أخميم الواقعة حاليًا فى محافظة سوهاج فى صعيد مصر الجُوّانى. ولعبت «تى» دورًا كبيرًا فى حياة وفترة حُكم زوجها المَلك الشمس وأنجبت له وريثه وولى عهده الفرعون الموحد والمَلك الفيلسوف أمنحتب الرابع/أخناتون (بَعد ذلك) وعددًا من الأبناء والبنات.

وفى العقيدة الدِّينية والمَلكية لفترة حُكم الفرعون الشمس، اعتبرت المَلكة «تى» إلهة السماء الأم، بينما اعتبرت بَنات المَلك بَنات إله الشمس، ما يؤكد على رغبة الفرعون الشمس العارمة فى تأليه نفسه فى حياته واقتباس صورة إله الشمس فى شخص جلالة المَلك أمنحتب الثالث الذى كان من بين الملوك الفراعنة القليلين المؤلّهين فى حياتهم الدنيا. 

وتشير الآثارُ المَلكية وغيرُ المَلكية من عهد الفرعون الشمس المَلك أمنحتب الثالث إلى أهمية زوجته المَلكة «تى» طوال فترة حُكم زوجها؛ فقد عُثر على عدد كبير من التماثيل فى أحجام ومواد مختلفة تصوّر المَلكة «تى» مع زوجها، بينما تُظهرها النقوشُ تساعده فى كثير من طقوس العبادة، وتشاركه فى الاحتفالات؛ خصوصًا الاحتفال المعروف بعيد «سد» (عيد الاحتفال بجلوس المَلك على العرش الذى كان يتم الاحتفال به عند مرور ثلاثين عامًا على جلوس المَلك على عرش مصر). ووصف أحدُ النصوص المَلكة «تى» بأنها ترافق المَلك أمنحتب الثالث مثل الإلهة ماعت حين ترافق إله الشمس رع.

واستخدم المَلك أمنحتب الثالث نفوذه الكبير كى يحضر كثيرًا من الأميرات من تلك البلدان لمصر كى يتزوجهن؛ إذْ كان جلالته مولعًا بالنساء أقصى ما يكون الولع بهن؛ فنراه يتفاوض على زواج أميرات من بلاد الشرق الأدنى القديم مثل أرزاوا وسوريا وميتانى وخيتى وغيرها، تلك البلدان التى كانت خاضعة لسُلطان مصر العظيمة الممتد عبر الشرق الأدنى القديم أو من البلدان والدويلات التى كانت تربطنا بها علاقات صداقة ودبلوماسية وتبادُل تجارى وثقافى.

ومن الجدير بالذكر أن زوجته الرئيسية المَلكة الحكيمة «تى» كانت توافقه على ذلك ولا تعارض زواج المَلك من تلك الأميرات، بل كانت تشارك فى مراسم الاحتفال وتبارك تلك الزيجات الدبلوماسية كى ترضى زوجها العاشق للنساء، الذى لم يكن يسكن قلبه غير حُبِّه الكبير لزوجته الرئيسية المَلكة «تى» العظيمة، وكى توطد دعائم وعلاقات حُكم زوجها المَلك المحبوب فى الشرق الأدنى القديم مع أتباعه وجيرانه. 

تلك مَلكة فاقت شُهرتها شهرة الرجال، بل ناطحتهم فى قوتها وسُلطانها، وشاركت فى أمور الحُكم، وكانت ذات دور كبير فى تحريك السياسة الخارجية وتوجيه دفة الحُكم فى عهد زوجها وابنها فى فترة العمارنة، ذلك العصر الذى كانت مصر فيه على أعتاب مَرحلة كبرى من التغيير على كل المستويات والمجالات.

جميلة الجميلات المَلكة نفرتيتى

تستحق جميلة الجميلات، المَلكة، «نفرتيتى» أن يَرد ذكرُها بين المَلكات الأكثر شهرة فى مصر القديمة فى العالم. ويعنى اسمها «الجميلة أتت»، واسمها الكامل هو «نفرو آتون نفرتيتى»، ويعنى «جمال آتون الجميلة أتت». واعتقد أحد العلماء أن نفرتيتى كانت من أصل أجنبى، ابنة المَلك ميتانى، غير أن معظم العلماء يؤكدون أنها مصرية.

والمَلكة نفرتيتى هى الزوجة الكبرى للمَلك أمنحتب الرابع، أو المَلك أخناتون بَعد ذلك، وهى سيدة عصر العمارنة بلا منازع. ولقيت الدعوة الدِّينية الجديدة استحسان زوجته الجميلة «نفرتيتى»  التى صارت من أقوى المناصرين لأخناتون ودعوته، وصارت عنصرًا مكمّلًا للدعوة الآتونية، ودون «نفرتيتى»  ينقص المَشهد شىءٌ مهمٌّ إن لم تكن به.

وجسّد الفنانون المَلك أخناتون وأفرادَ عائلته وكبارَ رجال دولته بمعالم فنية مُبالغ فيها؛ فصوروا الوجه مستطيلًا، والشفاة غليظة، والعيون كبيرة، والبطن مترهلًا، والأفخاذ ضخمة بملامح تخلط بين الصفات الذكورية والأنثوية، وفقًا للمعتقدات الدِّينية الجديدة. وفى هذه المناظر الجديدة، كان المَلك وأفرادُ نظامه يُعبرون عن رؤية المَلك الدِّينية الجديدة التى اعتبر معبوده آتون، فى أناشيده الموجهة إليه، أبًا وأمًّا لكل البَشر ولكل الكائنات. 

وعندما تزور متحف برلين، فأنت فى حضرة «نفرتيتى»  وتمثالها النصفى الأشهَر الذى يُعد من أبرز الأعمال الفنية من العصر. وتم تخصيص قاعة واحدة له؛ حيث يعرض تمثالها الأجمل. وهذا التمثال النصفى مصنوع من الحَجَر الجيرى الملون بالحجم الطبيعى. وترتدى المَلكة تاجَها الأزرق المميز المقطوع من القمة الذى تعلوه حيّة الكوبرا. ووُجد مع عدد من القطع الفنية الأخرى فى أتيليه الفنان تحتمس فى تل العمارنة.

ويكفى أن نلقى نظرة على تمثال الجميلة «نفرتيتى» كى ندرك روعة الفن وصدق الإيمان بالدعوة من قِبَل قِلة من بعض مؤيدى أخناتون وتوظيف الفن فى خدمة الديانة الآتونية وأخناتون وعائلته ودعوته الدِّينية وفلسفته فى الحُكم ونظرته للدِّين والحياة. إنه عصرُ العمارنة الفريد بكل ما له وعليه.

واعتقد البعضُ أن المَلكة «نفرتيتى»  قد تكون شاركت أخناتون فى الحُكم؛ لذا فإنها قد تكون اختفت فى نحو العام الثانى عشر من حُكم أخناتون بسبب اشتراكها فى الحُكم، وأنها قد تكون قد غيرت اسمَها إلى نفر نفرو آتون. واعتقد البعضُ الآخر أن سبب اختفائها هو وصول المَلكة «تى»، أمّ المَلك أخناتون، إلى عاصمة أخناتون فى تل العمارنة. غير أن الاكتشافات الحديثة أثبتت أن «نفرتيتى»  ذُكرت على بعض آثار زوجها المَلك أخناتون بَعد العام الثانى عشر من حُكمه، وتحديدًا فى العام السادس عشر على جرافيتى عُثر عليه منذ فترة فى منطقة «دير أبو حنس» بالمنيا فى مصر الوسطى، وذلك يشير إلى استمرار ووجود المَلكة «نفرتيتى»  إلى جوار زوجها المَلك أخناتون قرب نهاية فترة حُكم زوجها. وبناءً على ذلك، يَعتقد البعضُ أن مريت - آتون، الابنة الكبرى للمَلك أخناتون، ربما هى التى شاركت أباها المَلك أخناتون فى حُكم البلاد.

غيّرت «نفرتيتى»  اسمَها عدة مرّات، وكتبت اسمَها مثل الملوك داخل خرطوشيْن موازييْن بعضهما البعض. واُقترح أيضًا أن تكون «نفرتيتى»  أو زوجة أخناتون الأميرة الشمال سورية ميتانية الأصل، كيا، هى «داخامانزو»، وهى غالبًا الترجمة الحَرفية للقب المصرى زوجة المَلك «تا حمت-نسو»، المَلكة المصرية التى جاء ذكرُها فى أحد النصوص الحيثية حين أرسلت رسالة لمَلك الحيثيين تطلب فيها أن يرسل لها أحدَ أبنائه كى تتزوجه بعد وفاة زوجها المَلك. واعتقد بعضُ العلماء أن «نفرتيتى»  قد تكون هى مَن أرسلت هذه الرسالة، ولكن البعض الآخر اعتقد أنها كيا، غير أن ذلك غير صحيح؛ لأنه تم اغتصاب آثار كيا فى عهد زوجها المَلك أخناتون، وتم تعديل تابوتها لدفنة الفرعون، وتم تعديل آثارها لابنة أخناتون الأميرة ميريت آتون، وأحيانًا لابنته الأميرة عنخ إس إن با آتون. 

واختفت «نفرتيتى» من المَشهد. وهناك أسئلة كثيرة حولها لاتزال دون إجابة مثل تاريخ وفاتها ومكان موميائها. وهناك اختلاف فى تحديد أى مومياء تخص نفرتيتى من المومياوَيْن النسائيتيْن اللتين تم اكتشافهما فى مَقبرة المَلك أمنحتب الثانى، مَقبرة 35 فى وادى الملوك.

ولايزال المشروع المقبل للفريق المصرى لدراسة المومياوات المَلكية يبحث عن عظام المَلكة موت نجمت، زوجة المَلك حور محب، كى يعقد مقارنات بينها وبين مومياء المَقبرة 21 بوادى الملوك لمعرفة هل هذه المومياء تخص المَلكة نفرتيتى أمْ لا.

وقام الفريق المصرى بقيادة الدكتور زاهى حواس أيضًا بعمل دراسات بالأشعة المقطعية والحامض النووى على المومياوات الموجودة داخل المَقبرة رقم 35 بوادى الملوك، التى يوجد بها مومياء لسيدة تُعرَف باسم السيدة الكبيرة، وأخرى تُعرف باسم السيدة الصغيرة.

واتضح للفريق المصرى أن مومياء السيدة الصغيرة هى لأمّ المَلك توت عنخ آمون، وأنها ابنة المَلك أمنحتب الثالث والمَلكة تى، دون تحديد اسمها بعد. وكانت للمَلكة «تى» وأمنحتب الثالث خمس بنات، وقد تكون أمّ توت عنخ آمون واحدة منهن، وعليه فإن أخناتون قد تزوج من أخته، وقد يكون هذا هو السبب فى المشاكل الصحية التى عانى منها الفرعون الصغير. وهناك من يعتقد أن «نفرتيتى»  كانت أمّ المَلك توت عنخ آمون، وهذه نظرية تم طرحها دون توضيح أو تأكيد أسباب هذا الزعم. وإلى الآن لم يتم العثور على مومياء المَلكة «نفرتيتى» ، ويبدو أن «نفرتيتى»  سوف تظل تثير الدهشة والاهتمام والأسئلة والغموض من حولها رُغْمَ مرور السّنين.

 

المَلكة عنخ إس إن آمون

تُعتبر المَلكة الجميلة «عنخ إس إن آمون» (أو «عنخ إس إن با آتون» سابقًا) من المَلكات الجميلات فى عصر العمارنة المشهورات والمؤثرات فى تاريخ الأسرة والفترة بقوة. ويعنى اسمها «التى تحيا لآمون». وكان اسمُها قبل التحوُّل عن ديانة أبيها المَلك أخناتون، الديانة الآتونية، «عنخ إس إن با آتون» بمعنى «التى تحيا للآتون». وهى الابنة الثالثة من البنات الست لأخناتون و«نفرتيتى»  والزوجة والأخت غير الشقيقة للفرعون الذهبى المَلك توت عنخ آمون.

وظهرت الأميرة فى طفولتها وصباها فى مناظر عدة مع والديها. واتخذت عددًا من الألقاب المَلكية مثل «ابنة المَلك من جسده»، و«الزوجة المَلكية الكبرى»، و«سيدة الأرضين». ولا شك أن أهمية وشهرة هذه المَلكة ترجع إلى زواجها من الفرعون الذهبى والظاهرة العالمية المَلك توت عنخ آمون.

وتعددت المحاولات لاكتشاف مَقبرة توت عنخ آمون فى وادى الملوك. وقد اكتشف الأمريكى تيودور ديفيز، بين عامَى 1905-1908م، إناءً صغيرًا من القيشانى منقوشًا عليه اسم توت عنخ آمون فى المَقبرة رقم «54» فى وادى الملوك، فاعتقد أنها مقبرته. ثم اكتشف حجرة وحيدة صغيرة فى المَقبرة «58» فى وادى الملوك، ووجد فيها خبيئة صغيرة من كسرات ذهبية منقوشة باسمَى المَلكين توت عنخ آمون وآى، فاعتقد أيضًا أنها تخص توت عنخ آمون. وظل البحث عن مَقبرة توت عنخ آمون مستمرًا إلى أن جاء الإنجليزى هوارد كارتر، الذى يعتبر من أشهَر من عملوا فى حقل الآثار المصرية؛ نظرًا للنجاح الهائل الذى حققه بالعثور على مَقبرة توت عنخ آمون فى صبيحة الرابع من نوفمبر عام 1922م.

بَعد طول عناء وسنوات عدة من الحفر المستمر، وفى يوم 4نوفمبر 1922م، اكتشف كارتر الدَّرَجَ الحجرى أسفل مدخل مَقبرة المَلك رمسيس السادس (المَقبرة رقم 9 فى وادى الملوك). وكان هذا الدَّرَجُ أولى حلقات السلسلة التى قادت إلى مدخل المَقبرة التى حملت رقم «62» بين مقابر وادى الملوك.

ومنذ ذلك الحين، اندلعت فى العالم كله حُمَّى الولع بالمَلك توت عنخ آمون الذى صار حلم كل إنسان فى العالم أن يزور مقبرته فى وادى الملوك، وأن يغوص فى بحار السحر والجمال بين آثاره التى تزين قاعات الدور الثانى بالمتحف المصرى بميدان التحرير قبل أن يتم نقلها كلها بشكل نهائى إلى بيت توت عنخ آمون: المتحف المصرى الكبير بهضبة الجيزة بالقرب من أهرامات الجيزة الخالدة؛ خصوصًا هرم الجيزة الأكبر الخاص بالمَلك خوفو الذى يُعتبر العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع فى العالم القديم.

ويؤكد الدكتور زاهى حواس من خلال دراسته لمومياء الفرعون الذهبى، أن أشعة المسح الضوئى والاختبارات الحديثة كشفت أن العمود الفقرى لتوت عنخ آمون كان منحنيًا قليلًا، وأن قدَمَه اليُمنى كانت مقوسة قليلًا، وكانت قدمه اليسرى مشوهة تمامًا، ولم يُقتل المَلك. ومن خلال فحص المومياء، لا توجد أى علامة عن أى إصابة تلقاها المَلك خلال حياته فى الرأس أو الصدر. وكان لدى المَلك العديد من الاضطرابات فى قدمه، وربما يكون الحادث هو سقوطه من عربته الحربية قبل ساعات من وفاته، ما أدى إلى كسر فى رِجْله. وكان أيضًا مصابًا بمرض الملاريا. ومن الممكن أن الالتهابات المستمرة تكون قد أضعفت من جهازه المناعى، ما جعله يصاب بعدوَى الملاريا القاتلة.

وبَعد وفاة ملك مصر،أرسلت أرملته رسالة من مَلكة مصر إلى مَلك الحيثيين تطلب منه أن يرسل إليها ابنه كى تتزوجه! ويشكك البعضُ فى إرسال هذا الخطاب لمَلك الحيثيين، غير أن أمْرَ وجود الخطاب مؤكد، لكن هوية المَلكة التى قامت بإرساله هى التى كان العلماء يختلفون بشأنها. وتم قتل الأمير الحيثى، ابن مَلك الحيثيين، على حدود مصر، على أيدى القائد حور محب والأب الإلهى أى أغلب الظن، ففشل أمرُ زواجه من مَلكة مصر، التى كانت غالبًا المَلكة عنخ إس إن با آتون («عنخ إس إن آمون» لاحقًا)، أرملة الفرعون الذهبى المَلك توت عنخ آمون!.

وعُثر فى مَقبرة الفرعون الذهبى المَلك توت عنخ آمون على مومياويْن محنطيْن لطفلتيْن، إحداهما جَنين غير مكتمل يبلغ خمسة أشهُر، والأخرى لطفلة ماتت وقت الميلاد أو بَعده مباشرة. وثبت أنهما بنتا توت عنخ آمون، وربما من عنخ إس إن آمون، باعتبارها زوجته الوحيدة. وكانت المومياوان محفوظتيْن فى قسْم التشريح بطب قصر العينى، وتم نقلهما للعرض، مع آثار أبيهما المَلك توت عنخ آمون، فى المتحف المصرى الكبير حين افتتاحه فى المستقبل القريب.

وماتت المَلكة، ولم يتم العثور على مَقبرة لها، ومن المحتمل أنها قد تكون دُفنت فى مَقبرة 63 فى وادى الملوك المجاورة لمَقبرة زوجها المَلك توت عنخ آمون. وأُجريت دراسات الـ«دى إن إيه» (الحامض النووى) لتحديد مومياء عنخ إس إن آمون، التى قد تكون إحدى المومياويْن المَلكيتيْن من الأسرة الثامنة عشرة المكتشفتيْن فى المَقبرة رقم 21 من مقابر وادى الملوك، وربما تكون المومياء رقم كى فى 21 إيه، هذا إذا تم غضُّ النظر عن تلك المومياء المكتشفة فى مَقبرة رقم 55 فى وادى الملوك التى تخص والدها المَلك أخناتون أغلب الظن، ولايزال الأمْرُ قيدَ البحث والدراسة.

«عنخ إس إن آمون» مَلكة مهمة عاصرت فترة مثيرة من تاريخ مصر. وكانت ابنة لأخناتون ونفرتيتى وزوجة لتوت عنخ آمون. ومات عنها زوجُها. وشهدت نهاية الأسرة فى هذه الفترة الثرية والمثيرة من تاريخ مصر العظيمة، وشهدت كذلك أفول نجم عصر العمارنة المثير، تلك الفترة المهمة والغامضة والمدهشة من تاريخ مصر القديمة قاطبة.