عاشت للحب.. وماتت تحت شجرة اللبلاب
صفاء الليثى
على ملصق الفيلم وبخط كبير، كُتب «عن قصة (شجرة اللبلاب)»، قرأت العمل الأدبى الذى طبع عام 1949 أى قبل عشر سنوات من إنتاج الفيلم، وحتى الصفحة الخمسين ما يعنى ثلث الرواية، يحكى السارد عن طفولته وعن تكون عقدة لديه تجاه النساء بسبب خيانة زوجة أبيه لوالده. وستبدأ أحداث الفيلم بعدما وصلنا إلى صفحة 77 عند منتصف الرواية عندما سكن فى حجرة فوق السطوح، وتحته صاحبة البيت وابنتها وفرع شجرة اللبلاب، الذى تهزه فيظهر من النافذة ويتبادلان الحديث.
حسنًا فعل صناع الفيلم بالكتابة عن قصة، فقد تم أخذ بعض خطوطها وأضيفت شخصيات وحذفت أخرى ليصبح السيناريو مثله مثل العديد من أفلامنا المصرية، عن علاقة شاب وفتاة وما يحدث بينهما من حب، ثم غدر من قبل الشاب المعقد ووفاء من قبل الفتاة المقدامة التى بدأت الاعتراف بالحب وبادرت إلى اقتراح أماكن وسبل لكى يتقربا ويتحابا. «زبيدة ثروت» بعينيها الجميلتين الجريئتين وبراءة بسمتها اختيار موفق جدًا لشخصية «زينب» التى كتبها الأديب «محمد عبد الحليم عبد الله» كفتاة عصرية مثقفة تبحث عن الحب ولا تصطاد عريسًا، قوية، وفية، مخلصة حتى لو عاملها الحبيب بقسوة. أما «حسنى» الشاب القادم من الريف بما يحمله من عقدة تجاه النساء، فهو مشوش بين حبها وشكه بها، رغم نصح صديقه «عبد المنعم ابراهيم» بأن «مش كل الستات خاينين».
أسوأ ما قام به كاتب السيناريو، إضافة شخصية الأخت ومثلتها «ليلى طاهر»، وهو حل شاهدناه كثيرًا عن رفيقة البطلة التى تخبرنا بالمعلومة واضحة وفجة رغم أنها فى العمل الأصلى مفهومة من وصف الكاتب. وهنا ينحرف الفيلم ليكرر الخطاب الاجتماعى الذى جاء من قبل فى مئات الأفلام، فحين تبكى «زينب» وتقول لأختها «أنا ضعت»، تصعد الأخت وتدفع باب حجرة «حسنى»، وتعنفه، «ما تحاولش تنكر اللى حصل، لسه هتفكر، علشان تصلح غلطتك لازم تطلبها من ماما، زينب أمانة فى رقبتك ومستقبلها فى إيدك، أنا عندى أمل كبير انك هتكون شهم وتصلح غلطتك». نوع الخطاب الوعظى هذا وجدنا مثيله فى فيلم (أنا وبناتي) ويمكن لنا أن نسمعه فى مئات الأفلام، وهو خطاب شائع، لكنه مختلف عن قصة الأديب الذى رسم الفتاة محبة متحملة لما فعلته حتى أنها ستنتحر بعد أن كتبت خطابات للحبيب فحواها أنها تتحمل مسئولية أفعالها دون أن تجبره على الزواج منها. ولولا شجرة اللبلاب التى حرص المخرج على استخدامها من شرفة حجرة الفتاة إلى شباك الشاب لما وجدنا أى رابط بين القصة والفيلم.
«زبيدة» برداء النوم، تقرأ وتلتقى معه فى المكتبة، حين يغيب عنها ولا يجيب على اهتزازات الشجرة تصعد إليه، يقول لها «أنا اللى غلطان اللى ما أقدرتش أحافظ عليك». وينفعل بعد زيارة الأخت، «يا سلام على البراءة، فهمت الخطة كويس، أمك وأختك يسافروا اسكندرية علشان يخلى لنا الجو ونغلط. وبعدين أنا مستحيل أتجوز بالطريقة دى». ترد هى بصوتها الباكى ورقتها، «أنا عمرى ما كلمتك عن الجواز». ينهى الحوار بكلمته الصادمة، «مفيش حاجة اسمها حب».
لم يكن «كمال الشناوى» من أبطالى المفضلين فى الطفولة والصبا وغالبًا السبب دور كهذا يصوره قاسيًا معقدًا، فى مقابل رومانسية «عماد حمدى» أو «شكرى سرحان». هذا المنطق الذكورى الذى يردد فى الفيلم مستمر وبدرجة أكبر فى مجتمعنا، عدم التعاطف مع الفتاة المبادرة بالحب والحكم عليها وانعدام الثقة بها.
وعن القصة لم أقتنع بما شرحه المؤلف عن سبب عقدة بطله بخيانة زوجة الأب الشابة، فالوضع يختلف، «زينب» ليست زوجة لأحد، أحبت شابًا مناسبًا لها تربطهما محبة القراءة والاستمتاع بجمال الطبيعة. هى ليست من تزوجت رجلًا يكبرها بثلاثين عامًا، وخانته مع قريب شاب لها. «زينب» ند لـ«حسنى» شابة ومثقفة وتثق فى الحب.
تغيير آخر جرى على مهنة «حسنى» ليصبح طبيبًا بدلًا من مهندس، كمهنة تعد الأرفع، هذا التنميط إحدى آفات السينما المصرية، وإن كان التحويل سيفيد عندما يفسحون له الطريق ليكشف عن سبب سقوطها ليلة زفافها على عريس لم تستطع أن ترفضه وهى مبيتة النية على الانتحار ويتأكد لنا أنها فقط عاشت للحب. >