السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إنقاذ «ذاكرة مصر» فى النوبة

إنقاذ «ذاكرة مصر» فى النوبة

مثَّلت حملة إنقاذ آثار النوبة - خصوصًا معبدى «أبوسمبل» الكبير والصغير - والتى تبنتها منظمة اليونسكو العالمية علامة فارقة فى مسار الحفاظ على التراث الإنسانى من ناحية، وعلى تكاتف المجتمع الدولى فى لحظة فارقة من عمر وتاريخ وحضارات الأمم من ناحية أخرى، وتمكَّنت من خلالها مصر من إنقاذ آثار النوبة العظيمة من الغرق فى مياه بحيرة ناصر التى خلقها السد العالى. 



المشروع الذى بدأ التفكير فيه، بعد أن قررت مصر الشروع فى بناء السد العالى مكَّن مصر الدولة العظمى حضاريًا والرائدة ثقافيًا وساعدها فى ذلك دول العالم المتحضر- آنذاك- من الحفاظ على تراث مصر الحضارى فى أرض النوبة العريقة من الغرق والضياع. وسارعت الحكومة المصرية بتقديم طلب رسمى لمنظمة اليونسكو لإنقاذ آثار النوبة من الضياع الوشيك. ثم خاطبت المنظمة بدورها الدول الأعضاء لبدء الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة. وبالفعل قامت بعثات العديد من الدول بحفائر علمية منظمة واسعة النطاق، وتم تسجيل وترميم العديد من المواقع الأثرية، وتم إنقاذ وترميم آلاف من القطع الأثرية، وكذلك تكفيك ونقل العديد من المعابد الأثرية المهمة، وإعادة تجميعها فى عدد من المواقع الجديدة، وكان من بين أكثر المعابد شُهرةً فى هذا السياق معابد «أبوسمبل» الكبير والصغير وفيلة وغيرها من معابد النوبة العزيزة.

فى وقت وجيز، نجحت اليونسكو فى تكوين حملة عالميّة للحصول على المعونات المالية اللازمة والخدمات والخبراء. وفى تلك المناسبة، أُقيم حفل كبير فى المقر العام لمنظمة اليونسكو العالمية بباريس للإعلان عن النداء العالمى للإسهام فى حملة إنقاذ آثار بلاد النوبة. ومعابد النوبة السفلى المصرية الستة عشر التى تم إنقاذها هي:

معبد فيلة

ويُطلق على الجزيرة الصغيرة التى تتوسط النيل على مسافة أربعة كيلومترات إلى الجنوب من خزان أسوان، وهى عبارة عن جزيرة صخرية من الجرانيت الوردى كُسيت على ارتفاعات مختلفة بطمى النيل؛ وكذلك يُطلق على هذه الجزيرة اسم «أنس الوجود»؛ وتضم الجزيرة كثيرًا من المعابد تمثل مختلف العصور؛ أقدمها مقصورة شيَّدها الملك «طاهرقا» سنة 700 ق.م. أما المعبد الرئيس، فيرجع بناؤه لعصر البطالمة، ثم الرومان، وزادوا فى عمارة المعبد. واستمرت عبادة الإلهة «إيزيس» حتى أغلق الامبراطور «جستينيان الأول» المعبد عام 550 م، ونقل تماثيله إلى القسطنطينية، وسجن كهنته.

معبد ديبود

ويقع معبد «ديبود» على مسافة 20 كم من جنوب خزان أسوان، فى العام الثانى قبل الميلاد قام إدخاليمانى ملك الكوشيين من مروى ببناء غرفة تعبد صغيرة وأهداها للإله آمون، وتم بناؤها وتزيينها على نفس النمط المتأخر للمعابد فى مروى والتى منها معبد الدكة وزاد فيه بعد ذلك الملوك البطالمة وبعض أباطرة الرومان من بعده. ويتكون المعبد من بوابات ثلاث يتلوها فناء مفتوح ثم ردهتان وينتهى المعبد بقدس الأقداس الذى يحوى «ناووسًا» من الجرانيت. وفى أغسطس عام 1960 م، قامت مصلحة الآثار بتفكيك المعبد ونقله وإعادة بنائه فى جزيرة أسوان.

معبد قرطاسي

ويقع هذا المعبد الصغير على مسافة 45 كم إلى الجنوب من خزان أسوان. ويُعتبر من أجمل معابد النوبة السفلى. ويرجع تاريخه إلى العصر الرومانى. وقد تهدَّمت معظم أجزائه فى القرن العشرين. وقد قامت مصلحة الآثار بنقل أحجاره إلى جزيرة أسوان فى شهر سبتمبر سنة 1960م. وإلى الجنوب من هذا المعبد، يوجد محجر كبير قد أُخذت منه الأحجار التى استُعملت فى تشييد معابد «فيلة» . ويمتاز بوجود كثير من التماثيل المنحوتة فى بعض أجزائه. كما يوجد على مقربة منه حصن رومانى لاتزال الجدران المحيطة به قائمة ويتوسطها مدخل كبير شُيِّدت بوابته من الحجر.

معبد طافة

يقع هذا المعبد بالقرب من «قرطاسى» وحتى عام 1880 م كان هناك معبدان، اختفى أحدهما تمامًا، واستعمل الأهالى أحجاره فى بناء منازلهم فى أوائل القرن العشرين! وظل الثانى قائمًا حتى قامت مصلحة الآثار بفك أحجاره ونقله وإعادة بنائه فى جزيرة «فيلة» بأسوان. وقد كان عبارة عن معبد صغير بُنى على أساس مرتفع.

معبد كلابشة

وهو أكبر المعابد المُشيَّدة فى بلاد النوبة السفلى. ويبعد عن خزان أسوان نحو 75 كم. وبُنى فى عهد الملك «أمنحتب الثانى». وقد اتخذ المعبد شكله الحالى عندما جدَّده أحد البطالمة. وأعاد بناءه فيما بعد الإمبراطور «أغسطس». ويتكون من بوابة هائلة، وفناء مكشوف، وبهو للأعمدة، وغرفة داخلية. ويحيط بمبنى المعبد من الخارج سور جانبه الأيمن هو جزء خارجى منحوت فى الصخر يؤدى إلى النيل. وفى الركن الجنوبى الشرقى من السور يوجد «بيت الولادة». كما يوجد سُلم يؤدى إلى السطح، ومنه إلى مقصورة للإله أوزيريس. وتوجد معظم الصور الزخرفية فى هذا الفناء على الجدران الداخلية للمعبد، وعلى واجهة المدخل والجدار الخلفي، وعلى الغرف الخارجية لبهو الأعمدة المكشوف. ويظهر الملوك يقدمون القرابين إلى الآلهة المصرية مثل «إيزيس»، و«أوزيريس»، و«حورس». وقد تم نقل معبد «كلابشة» من مكانه الأصلى الذى يرتفع 110 م فوق مستوى سطح البحر إلى موقع جديد على الشاطئ الغربى للنيل قريب من موقع السد العالى. 

معبد بيت الوالي

ويقع هذا المعبد على مقربة من معبد «كلابشة» وإلى الشمال الغربى منه. وهو أحد المعابد الستة التى نحتها رمسيس الثانى فى الصخر ببلاد النوبة. ويتكون هذا المعبد من فناء أمامى مُشيَّد من الأحجار، ثم صالة أعمدة، وقدس أقداس، وكليهما منحوت فى الصخر. وحُول هذا المعبد إلى كنيسة فى العصر المسيحى.

معبد دندور

يقع هذا المعبد على الشاطئ الغربى للنيل وعلى بعد 78 كم إلى الجنوب من أسوان، والمعبد عبارة عن بوابة رئيسة يليها المعبد شيَّده الإمبراطور «أغسطس» سنة 30 ق.م. ومن أهم النصوص التى سُجلت فوق جدرانه ذلك النص المكتوب باللغة القبطية، والذى يروى تحويل هذا المعبد إلى كنيسة مسيحية، وذلك حوالى عام 577م.

معبد جرف حسين

ويقع على بعد 90 كم إلى الجنوب من أسوان وهو ثانى معابد رمسيس الثانى المنحوتة فى الصخر. ويشابه هذا المعبد بقية معابد رمسيس الثاني، ولو أن فن نحت التماثيل فيه لم يصل إلى مستوى الفن المصرى، ما قد يدعو إلى الاعتقاد بأن الملك قد استعان ببعض الفنانين المحليين فى تشييده.

معبد الدكة

ويعتبر من المعابد الكبرى ببلاد النوبة، ويقع على مسافة 107 كم إلى الجنوب من أسوان. فى صيف عام 1963 عندما أخذت مصلحة الآثار تفكك وتنقل طريق الكباش المقدس الخاص بمعبد الدكة، إذا بالمعبد المفقود يبرز كله فجأة تحت الرمال بعد أن ظل مطمورًا تحت أحجار معبد الدكة ذاته أكثر من ألفى عام. وكان تحتمس الثالث قد كرَّسه للإله حورس ليحرس الطريق المؤدى إلى مناجم الذهب الموجودة بهذه البقعة. ولقد تحول هذا المعبد إلى كنيسة فى العصر المسيحى.

معبد كوبان

تقع هذه القلعة التاريخية على مسافة 110 كيلومترات جنوب الخزان، وقد أقيمت فى عصر الدولة الوسطى لحراسة الطرق المؤدية إلى مناجم الذهب بوادى العلاقى وهى مناجم يحتاج الأمر إلى حماية الطريق الموصل إليها. وقد طغت مياه خزان أسوان على هذه القلعة فتهدمت جدرانها، ولم يبق منها إلا أجزاء قليلة من الحجر.

معبد وادى السبوع

ويقع هذا المعبد على مسافة 150 كم إلى الجنوب من سد أسوان وهو المعبد الثالث من المعابد التى نحتها «رمسيس الثانى» ببلاد النوبة. وحُوِل هذا المعبد إلى كنيسة مسيحية وطُليت جدرانه بطبقة سميكة من الجص وهو مزيَّن بكثير من الرسوم التى بقيت محتفظة بكثير من تفاصيلها وألوانها الزاهية، ومن بينها صور للقديس بطرس. وتم تحويل هذا المعبد العظيم إلى كنيسة مسيحية، وتم العثور عليه سليمًا مدفونًا أمام المذبح المسيحى. وفى عام 1964م، شرع فى نقل هذا المعبد، وقُطع وفُكك بفضل المعونة التى قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وأكملتها الحكومة المصرية بعد ذلك.

معبد عمدا

ويقع هذا المعبد على مسافة 185 كم جنوب خزان أسوان، وهو أقدم المعابد القائمة فى بلاد النوبة؛ إذ شيَّده تحتمس الثالث، وزاد عليه ابنه أمنحتب الثاني، ومن بعده تحتمس الرابع. وقد أمر سيتى الأول بترميمه وإصلاحه بعد أن قد خربه إخناتون عندما خرب كل المعابد التى خضعت لعبادة آمون. وقد تحول هذا المعبد إلى كنيسة مسيحية، وطُليت جدرانه بالجير الأبيض لإخفاء الصور والنقوش المصرية. وقد ساهمت الحكومة المصرية والحكومة الفرنسية فى تمويل إنقاذ هذا المعبد. وقد رؤى أنه يستحيل تفكيك المعبد واتبع فى نقله طريقة نقل المبانى على القضبان كتلة واحدة بعد قيام الحكومة المصرية بتفكيك واجهة المعبد وتم نقله لمسافة 2600 م إلى بارتفاع 65 م.

معبد الدر

ويقع على مسافة 200 كم إلى الجنوب من سد أسوان. وهو المعبد الرابع الذى نحته رمسيس الثانى فى الصخر.

قلعة قصر إبريم

وتقع قلعة قصر إبريم الضخمة على ارتفاع 200 قدم من سطح البحر، وعلى بعد خمسة وثلاثين ميلا شمال «أبو سمبل» وهى منذ 3500 سنة. وتشرف على نهر النيل من فوق صخرة شامخة وهى قلعة ومدفن ومسرح لأحداث خمسة وثلاثين قرنًا. ولعبت القلعة دورًا كبيرًا فى العصر الرومانى. كما احتلها السلطان سليم الأول فى القرن السادس عشر الميلادى. ولاتزال بها آثار مسجد تهدمت أجزاؤه. وفى سفح الربوة، توجد خمسة هياكل صغيرة منحوتة فى الصخر بواسطة حكام النوبة فى عصر الدولة الحديثة. وفى أكبر الكشوف أهمية وأعظمها أثرًا اكتشاف بقايا الكنيسة المسيحية الذى تم بإشراف الأستاذ ج. م. بلملى أستاذ الآثار المصرية القديمة بجامعة كامبريج عام 1963-1964م. وهى أجمل بناء كنسى فى بلاد النوبة كلها وكذلك مقبرة لأسقف مسيحى ومعه وثيقة تنصيبه أسقفًا على «فرس» و«إبريم» فى بلاد النوبة بالقاهرة القديمة عام 1372 م.

 

معبدا «أبوسمبل»

لاكتشاف معبد «أبوسمبل» قصة طريفة لعب القدر فيها دورًا كبيرًا، تبدأ فى عام 1812م حينما جاء إلى مصر مكتشف سويسرى اسمه يوهان لودفيك بركهارت أو الشيخ إبراهيم، وقرر أن يذهب إلى النوبة لزيارة المعابد الموجودة هناك. وفى يوم 22 مارس عام 1813 وصل «أبوسمبل» لزيارة معبد الملكة نفرتارى زوجة رمسيس الثانى. وبعد أن انتهى من الزيارة، أخذ يبحث عن ابنه الذى كان معه فى هذه الرحلة، فلم يجده، وبدأ يصعد فوق الرمال المتراكمة على الجبل، وفجأة، وجد نفسه أمام رؤوس أربعة تماثيل ضخمة مدفونة فى الرمال منحوتة فى الجبل نفسه. وغادر «بركهارت» «أبوسمبل» ليذيع خبر هذا الاكتشاف فى جميع أنحاء العالم. وفى عام 1816 م، وصل إلى «أبو سمبل» عالم الآثار الإيطالى «جيوفانى بلزونى» على رأس بعثة وتوصلوا فى يوليو سنة 1817 إلى اكتشاف المعبد.

إن معبدى «أبوسمبل» منحوتان فى الصخر فى عهد الملك رمسيس الثانى. ويعتبران (المعبدين) الخامس والسادس فى بلاد النوبة لهذا الفرعون، والكبير للملك رمسيس والصغير لزوجته الملكة نفرتارى. وهما متقابلان ولا يفصلهما إلا وادٍ صغير. ولمعبد رمسيس الثانى واجهة ضخمة، وعرضه 40 م وارتفاعه 30 م. وبالواجهة 4 تماثيل ضخمة لرمسيس الثانى جالسًا على عرشه، ويبلغ ارتفاع التمثال 20 م. ويجعل تصميم المعبد الشمس فى ساعة الشروق تضيء  المعبد من الداخل إلى عمق 60 م تقريبًا. ويعتبر المعبد تحفة رائعة فى الفن المعمارى المصرى القديم من حيث التناسق الفنى والانسجام الرائع بين عناصره. أما معبد الملكة نفرتارى الذى يقع إلى الشمال من معبد زوجها، فهو أصغر غير أن رسومه ونقوشه تدل على جمال صاحبته وأنوثتها. وقد عملت الحكومة المصرية على إنقاذ المعبد الذى اقتضى تقطيع المعبدين إلى كتل. وهو المشروع الذى وضعته شركة سويدية، وعهد بتنفيذه إلى هيئة دولية مشتركة. 

معبد أبو عودة

يقع هذا المعبد الصغير أمام معبد «أبوسمبل»، ونحته فى الصخر الملك «حور محب» أول ملوك الأسرة التاسعة عشر. وهو بحق أجمل المعابد من الناحية الفنية، ويحتوى على صالة ذات أعمدة تقع على جانبيها حجرتان، وفى نهايتها حجرة ثالثة هى قدس الأقداس. وقد حُُول هذا المعبد إلى كنيسة مسيحية، وكُسيت جدرانه بالجص، ورُسم فوقها صور لبعض القديسين.

وكانت حالة المعابد جيدة إلى أن بدأ ارتفاع منسوب نهر النيل الذى بدأ ينتج عن بناء السد العالى وبحيرة ناصر من خلفهما وكان سببًا قد يهدد بغرقهما، ما جعل من الضرورى نقلها للحفاظ عليهما من الغرق. وكانت عملية نقل المعابد من أصعب عمليات نقل المبانى على مر التاريخ؛ حيث كان التحدى كبيرًا أمام المهندسين المعماريين والآثاريين على حد سواء كى ينجحوا فى تنفيذ ذلك المشروع العملاق. وتم القيام بعملية إنقاذ المعابد من الغرق عقب بناء السد العالى فى ستينيات القرن العشرين واستمرت تلك العملية عدة سنوات. 