السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«حعبى».. الإله الذى يحفظ «ماء النيل»!

«حعبى».. الإله الذى يحفظ «ماء النيل»!

لقد صَوّر الفكرُ الدينى المصرى القديم أن روحًا تكمن وراء هذا نهر النِّيل العظيم، تدفع مياه الفيضان حاملة الخصب، وهى روح الإله «حعبى»، كما جاء فى هذا النص من أنشودة النيل:



 

«تحية لك يا حعبى،اخرج من هذه الأرض واحضر لتهِب مصرَ الحياةَ، إنك تخفى مَجيئك فى الظلمات، وتغطى أمواهك البساتين، أنت واهبُ الحياة لكل ظمآن، عندئذٍ ارتفعت أصواتُ الأرض مُهللة، البطون فرحة وسعيدة، والزهور تهتز من الضحك والأسنان تمضغ».  

 

تعددت المظاهر المُعبرة عن الحياة فى الحضارة المصرية. وكان يمثل هذه المَظاهر عددٌ من الآلهة المصرية القديمة، التى مَثلت الحياة المصرية بكل ما بها من حيوية وتفاعُل وتناغُم. لقد أدرك المصريون القدماء أهمية النِّيل منذ أقدم العصور، فاجتهدوا فى ابتكار طرُق للإفادة من مياه النهر وتنظيم الرى وحفر الترع لزراعة أكبر مساحة ممكنة من أرض الوادى؛ وذلك؛ لأن النِّيل كان الأساس الذى اعتمدت عليه الحياة فى مصر القديمة. وكان الإله «حعبى» هو إله النِّيل عند المصريين القدماء. واعتبروه جالبَ السعادة. وأطلق المصريون القدماء على نهر النِّيل فى اللغة المصرية القديمة صفة «إيترو عا» بمعنى «النهر العظيم». وتشير الأصول اللغوية لكلمة النِّيل، «نيلوس»، إلى أنها من أصل يونانى.  ولاحظ المصريون فيضانَ النِّيل وانحسارَه فى أوقات مناسبة على نحو يمكن إفادة أرض مصر منها؛ إذ كان يفيض فى الصيف والأرض فى أشد الحاجة إلى الماء، يغمرها ويُجدد حياتها، وكان ينحسر فى وقت يناسب الزراعة، فتُبذر الحبوب، فكانت بداية اهتداء المصريين لفكرة التقويم. وارتبطت حياة المصريين القدماء وأقدارهم بنهر النِّيل منذ القِدَم. وقاموا بتمجيد النيل؛ لأنه كان إله الخصب والنماء الذى كان يمنع عنهم القحط والجدب. وكانوا يذهبون إلى المَعابد كى يقدموا القرابين إن تأخر الفيضانُ عن موعده السنوى. وكان قدماء المصريين يحترمون النِّيل احترامًا كبيرًا. وذكروا أن النِّيل مولودٌ من الإله رع؛ أى أنه ابن أعظم الآلهة المصرية القديمة، ويقترب هذا المعنى مما وجدناه فى إحدى البرديات التى تقول: «إنك أيها الراحل فى مقام الخلود، سيفيض عليك النِّيل فى مضجعك الأخير أثرًا من بركاته؛ لأن ماءَه آتٍ من أسوان». وكانوا يسمون النهر «إيتِ نترو» أى «أبو الآلهة». وقال هيرودوت: «إن النِّيل تُعرف بدايته بعد سفر أربعة أشهُر، سواء كان ذلك برًّا أو بحرًا، وهى المدة التى كان يستغرقها المسافر فى وصوله إلى أسوان».

 



 

كان قدماء المصريين يعتقدون أن النِّيل الذى تروى منه أقاليم الصعيد نيلًا خاصًّا. وأطلقوا عليه «حعبى رسيت»، أى «حعبى الجنوبى»، والنِّيل الخاص بالدلتا دعوه «حعبى محيت»، أى «حعبى الشمالى». وكانوا يصورون النِّيل الدلتاوى على شكل رجل فى قمة الشباب، ضخم الجسم، ثقيل الكتفين، كبير الثديين، يرتدى رداءً عليه ثمار النِّيل فى الصعيد ولونها أزرق، وكانوا يرسمون تمثال النِّيل الصعيدى على شكل رجل يرتدى رداءً فوقه ثمار النِّيل الممثلة الدلتا، ولونها أحمر.  

 

وكان قدماء المصريين يتغنون بهذه الأنشودة على أوضاع الآلات الموسيقية. وكانوا يلقبون الإله المقدس «حعبى» بإله الخصب والأب المُربّى. وتم تصوير «حعبى» فى صورة إنسان يحمل فوق رأسه نباتات مائية، ويظهر جسده معالم الجنس الذكرى والأنثوى فى الوقت نفسه، فتظهر ملامح الذكورة فى عضلات أرجله وذراعيه، وتظهر ملامح الأنوثة فى الصدر والبطن، وهى ترمز إلى الأرض التى كان يتم تخصيبها بمياه الفيضان؛ فقد كان هو سيد النهر، الذى يجلب النماء، وسيد أسماك وطيور المستنقعات مما يرمز إلى أنه منح المصريين هذه المخلوقات مع النِّيل نفسه، ولذلك فقد صُوّر فى المعابد وهو يحمل القرابين كتقدمات للأرباب، كأحد أهم أرباب الخصوبة الآخرين التى كانت تحمل التقدمات للمعابد كهبة وإمدادات لأصحاب المعابد. وكانت تماثيل «حعبى» تُظهره وهو يحمل المائدة التى كان عليها مختلف أنواع القرابين. وكان من تماثيل النِّيل ما هو مختلف اللون؛ فبعضها أحمر، وبعضها أزرق يحمل على رأسه البردى واللوتس، رمزَى الدلتا والصعيد. وبعض هذه المناظر مصور على جدارن معبد سيتى الأول بأبيدوس ومعبدى أدفو ودندرة.

 



 

ظهر «حعبى» على كرسى العرش وهو يقوم بربط زهرة اللوتس ونبات البردى كرمز لوحدة البلاد، ويرمز هذا إلى دوره فى توحيد الجزء الشمالى والجنوبى للبلاد. وكان «حعبى» يعيش فى الكهف الذى كان يخرج منه فيضان النيل، وكانوا يصورونه على هيئة شخص بدين منبعج البطن ذى ثديين متدليين ولونوه بلون أخضر وأزرق، أى بلون مياه الفيضان وكان عارى الجسم طويل الشعر. وكان «حعبى» يُعبَد عادةً فى الأماكن التى يكون فيها النِّيل عنيفًا، مثل منطقة جبل السلسلة، وقرب منبع النهر؛ حيث كان يفترض أن هذا المعبود يسكن فى كهف بالقرب من أسوان، وبخلاف ذلك قُدّس «حعبى» فى العديد من المعابد الكبرى خارج أماكن عبادته الرئيسية. ووردت الإشارة إليه فى العديد من الترانيم الدينية فى الاحتفالات المختلفة على مدى العام. ومن الغريب أن قدماء المصريين شيدوا المعابد الكثيرة لآلهتهم، ولم يقيموا أى معبد للنّيل.

 

وكانت تُقام سنويّا أنواع عديدة من الاحتفالات والطقوس الدينية للإله «حعبى» عند موقعين: الأول «كهف حعبى» فى مضيق قرب أسوان، والآخر فى «بيت حعبى» على مقربة من القاهرة؛ حيث كانوا يقذفون فى النِّيل الكعك وحيوانات الضحية والفاكهة والتمائم لتثير قوة الفيضان وتحافظ عليه، وكذلك تماثيل الإناث لتثير إخصاب النِّيل العظيم فيفيض فى أمواج عاتية معطيًا الحياة للأرض.

 

وذُكر عن «حعبى» فى التراتيل المصرية القديمة ما يلى: «حعبى، أبو الآلهة، الذى يُغذى ويُطعم ويجلب المئونة للبلاد كلها، الذى يهب كل فرد الحياة فى اسم قرينه ويأتى الخير فى طريقه والغذاء عن أصابعه ويجلب مجيئه البهجة لكل إنسان، إنك فريد، أنت الذى خَلقت نفسَك من نفسك، دون أن يعرف أى فرد جوهرك». 

 

وجاء فى أنشودة النِّيل ما نصه: «أيها الفيضان المبارك، قُدّمتْ لك القرابين والذبائح، وأُقيمت لك الأعياد العظيمة، وذُبحتْ لك الطيور، واقتُنصت لتحيتك الغزلان من الجبال، وأُعدت لك النار الطاهرة، وقُدّم لك البخور والنعم السماوية والعُجول والثيران، فتقبّلها هدية شكر واعتراف بفضلك». 

 

وكان يُلقى فى النِّيل بعجل أبيض وثلاث إوزات وهدايا ثمينة (لا بنت عذراء كما زعم البعض)، ثم الكتاب الشامل لتفصيلات المهرجان، وأنواع الهدايا للإله. ويظهر أن سبب هذه الخرافة قصة رواها المؤرخ اليونانى بلوتارك، وتناقلها عنه غيره؛ إذ قال: «اعتمادًا على وحى أجيبتوس ملك مصر قدّم ابنته قربانًا للنّيل ليخفف غضب الآلهة، وأنه بعد فقد ابنته ألقى بنفسه فى النيل». وهذا القول هو أصل الاعتقاد بتقديم فتاة عذراء قربانًا للنّيل كل سَنة. أمّا ذكر عروس النِّيل بلفظة «ربيت» المشار إليها فى بردية «هريس»، فهو خرافة وخطأ؛ لأن لفظة «ربيت» هى علم على أحد أشكال النِّيل المؤنثة، وليس علمًا على عروس كانت تُلقى فى النّيل، كما زعم البعض. وكان قد جاء ذكر أسطورة «عروس النيل» فى كتاب «فتوح مصر والمغرب» لعبدالرحمن بن عبدالحكم، ونقلها عنه كثيرون وترسّخت الأسطورة فى الأذهان، رُغم عدم ذكر النصوص المصرية القديمة لها.

 



 

لقد كان النِّيل هبة الآلهة. وكان موسم فيضانه يبدأ مع ظهور النجم الساطع، وعندما يفيض يجلب الرخاء والخصوبة، والآلهة تسيطر على النهر، وكان الإله «خنوم» هو رب الماء يجلب الرخاء ويَخلق البشر من طمى النّيل. وكان الإله «حعبى» يسيطر على فيضان النّيل. وساووا بين النِّيل والحياة نفسها. ونظموا حياتهم اليومية بالاعتماد على ارتفاع وانخفاض منسوب مياهه، فأصبح النِّيل يحدد التقويم المصرى بمواسمه الثلاث: الفيضان، والزراعة، والحصاد. وكان الإلهان الرئيسان فى هذا الأمر «خنوم» و«حعبى». وكان خنوم هو رب الماء. وكان الإله حعبى المسيطر على فيضان النيل.

 

ومن بين الأناشيد التى كان يوجهها المصريون للإله «حعبى» ما يلى:

 

«فليحيا الإله الكامل، الذى فى الأمواه، إنه غذاء مصر وطعامها ومؤونتها، إنه يسمح لكل امرئ أن يحيا، الوفرة على طريقه، والغذاء على أصابعه، وعندما يعود يفرح البشر، كل البشر». 

 

ووضع المصريون ما يُعرف اصطلاحًا بـ «التقويم النيلى»، الذى يبدأ ببداية الفيضان، عندما تصل المياه إلى منطقة محددة. كما لاحظ المصريون القدماء اقتران الفيضان بحدوث ظاهرة سماوية وهى ظهور نجم الشعرى اليمانية فى السماء. وكانت هذه هى نقطة الانطلاق لتحديد بداية العام الجديد، وهى قياس ارتفاع منسوب مياه الفيضان، وما يُسجل عند مستوى مدينة منف، ويتفق تمامًا مع ظهور نجم الشعرى اليمانية. وكانت تحدث هذه الظاهرة فى يوم 19 من شهر يوليو. وأحصى رجال الفلك المصريون القدماء عدد الأيام بين كل ظهور للنجم فوجدوها 365 يومًا، وقسّموها إلى 12 شهرًا، كما قسّموا السَّنة إلى ثلاثة فصول، تحددت بناءً على أحوال النِّيل وهى فصل «آخت»، وهو فصل الفيضان وبذر البذور، من منتصف يوليو إلى منتصف نوفمبر، وفصل «برت»، وهو فصل النمو، ويوازى فصل الشتاء، ويبدأ من منتصف نوفمبر إلى منتصف مارس، وفصل «شمو»، وهو فصل حصاد الزرع، من منتصف مارس إلى منتصف يوليو.

 

ونظر المصريون إلى النِّيل بعين القداسة، واستخدموا مياه النهر للتطهر ولأداء الطقوس الدينية وغسل المتوفَّى. وكان الاغتسال بماء النِّيل ضرورة حياتية مصرية كنوع من النظافة والتطهر البدنى والروحى، وهى عملية تحمل مَعنيين، فعلى ورمزى، فى وجدان المصرى القديم، أمّا الفعلى فهو يشمل نظافة الجسد والمَلبس والمأكل والمسكن فضلًا عن التطهر كضرورة لتأدية الطقوس الدينية، أمّا الرمزى فيشمل طهارة النفس روحيّا من كل شائبة. وبرز تقديس النِّيل من خلال حرص المصرى على طهارة ماء النهر من كل دنس، كواجب مقدس، ومن يلوث هذا الماء كان يتعرض لعقوبة انتهاكه غضب الآلهة فى العالم الآخر. ويشير نص قديم إلى أن «مَن يلوث ماء النيل، سوف يصيبه غضب الآلهة».

 

وأكد المصرى القديم فى اعترافاته الإنكارية فى العالم الآخر ما يفيد عدم منعه جريان الماء درءًا للخير، كما ورد فى الفصل 125 من نص كتاب الموتى: «لم أمنع الماء فى موسمه، لم أقم عائقًا أمام الماء المتدفق». وفى نص مشابه على جدران أحد النبلاء عدّد صفاته أمام الإله من بينها: «أنا لم ألوث ماء النهر...لم أمنع الفيضان فى موسمه...لم أقم سدّا للماء الجارى...أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى». وكان الماء فى الفكر الدينى المصرى القديم يمثل عنصرًا أساسيّا منه تخرج الحياة الجديدة، وإلى المحيط الأزلى تؤول الشمس وقت الشفق؛ لتبث فيه قوة نشطة جديدة.

 



 

خصص المصريون القدماء عددًا من الأرباب ارتبطوا بنهر النيل، كان أشهُرها الإله «حعبى»،الذى كان يمثل فيضان النِّيل سنويّا. وكان مصدر الحياة الأولى عمومًا وبداية الخَلق ومصدر الحياة الأولى للمصرى القديم. ووُصف «حعبى» بـ «سيد القرابين». وكان أهم دور له كمعبود هو تجسيد فيضان النّيل. وورد ذكره كثيرًا فى «أناشيد النّيل». وضمن فقرات فى «متون التوابيت»، كما أُطلق عليه أيضًا «سيد الفيضان» و«رب أزلى» و«خالق» و«رب الأرباب» و«أقدم الأرباب»، كما وُصف بـ «سيد الكل»، الذى يُحدث التوازن فى الكون.

 

ودأب الكهنة والمصريون على ترديد أناشيد النِّيل عرفانًا بقدره ونعمه على الناس. ومن بين هذه الأناشيد الدينية نص يعود إلى عصر الدولة الوسطى يقول: «المديح لك يا حعبى،الذى يخرج من الأرض، ويأتى ليعيد الحياة للبلاد».

 

واختص قدماء المصريين النِّيل بالكثير من مَظاهر الأفراح عند فيضانه ومواسم أعياده. وخصّوه بأناشيد رائعة تُعبر عن شعورهم. ومن بينها الأنشودة التالية:

 

«النِّيل رب السمك المحبوب،

 

يأتى به من عالم الغيوب، 

 

ويخصب النبات فى الغيطان،

 

والزهر والريحان فى البستان، 

 

ينبت قمحًا وشعيرًا جيدًا».

 

وفى نص آخر يمدح المصرى القديم النِّيل ويدعوه إلى الفيضان قائلًا:

 

«يا مُسبِّب الخضرة، ليتك تأتى. يا حعبى ليتك تأتى إلى مصر يا خالق القرابين، يا مُسبِّب خضرة الضفتين لتعطى الحياة للناس والحيوانات من منتجاتك من الحقول، يا مُسبِّب الخضرة ليتك تأتى».

 

كما جاء فى نص من الأسرة التاسعة عشرة ما يلى:

 

«إنه هو الذى يروى المراعى، هو المخلوق من إله الشمس رع ليغذى الماشية، وهو الذى يسقى الأرض الصحراوية البعيدة عن الماء. ماؤه هو الذى يسقط من السماء، إنه هو الذى يأتى بالقوت، وهو الذى يكِّثر الطعام، وهو الذى يخلق كل شىء طيب، ويمدحه الناس».

 

  ويواصل النص: «هو الذى يملأ المخازن ويزيد حجم شُوَن الغلال، هو الذى يعطى الفقراء، هو الذى يجعل الثمار تنمو كما يشتهى الجميع. فلا ينقص الناس أى شىء، ومن كان حزينًا يصبح مسرورًا، الفيضان ينساب على الأرض الخضراء، كى يعطى الحياة إلى جميع العطشى، وعندما يرتفع تشدو الأرض فرحة».

 

وظهَر النِّيل بكثافة فى تعبيرات ومَناظر أدبية كثيرة فى الأدب المصرى بكل أنواعه؛ خصوصًا فى أغانى الحب فى عصر الدولة الحديثة. وتوضح أبيات شعرية الحضور الكبير للنّيل بقوة فى مَشهد عاطفى بين حبيبين كما يلى:

 

«حبيبى، كم يحلو لى أن أرحل، أن أنزل إلى النهر واستحم أمامك، إنى أتركك تشاهد جمالى، وأنا فى ردائى المنسوج من الكتان المَلكى، من أرقّه، أنا معطرة بالطيب الزكى، أغوص فى الماء بجوارك، من أجل حُبّك، أخرج ممسكة بسمكة حمراء بين أصابعى، يا صديقى، يا محبوبى، تعال وشاهدنى».

 

وتواصل أغانى الحب تصويرها الأدبى الجميل لتنتقل إلى المحبوب فى فقرات تصويرية جديدة مدهشة: 

 

«عشق حبيبتى على الشاطئ الآخر، النهر يفصل بيننا، المياه تندفع بشدة فى زمن الفيضان، والتمساح واقف رابض فوق شط رملى، لكننى أنزل إلى الماء وأغوص وسط الأمواج، إن قلبى قوى فوق النهر، والتمساح يبدو لى كالفأر، الماء تحت قدمى أشبه باليابسة، إن حُبى لها هو الذى يمنحنى القوة، كأن (وجودها) قد سحَر الماء، أنا لا أدرى سوى رغبة قلبى وهى تقف أمامى».

 

وساعد النِّيل خيال المصرى على أن يخلق علاقة تربط بين المرأة والطبيعة وتمتزج امتزاجًا مدهشًا كى تشكل عنصرَى الخصوبة فى الكون. فالمرأة والزهور والثمار لا تختلف من حيث الجوهر، فى إنها جميعًا النموذج والشاهد على الحياة المتجددة، البشرية والنباتية، على حد سواء. لقد آمن المصريون القدماء بالنّيل، الضامن لحياتهم من مَهالك القحط والضيق، واعتبروه الفيض السماوى الذى يهطل على أرضهم بالخير، وتغنّوا بأناشيده على آلاتهم الموسيقية، ورسموا به صورة جميلة شكلت معنى الحياة وجوهر الوجود فى مصر القديمة. 