الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثوابت الفضيلة.. والازدراء المنحط

ثوابت الفضيلة.. والازدراء المنحط

«التنمر» مصطلح مستحدث، بمجرد أن لاكته الألسنة صار شيوعه مثل شيوع مصطلحات أخرى كـ«التحرش» فى زمن يعج بفوضى «البطاقات» واللافتات والأكلشيهات والتصنيفات والتعريفات.. التى تصبغ حياتنا بمعانٍ تتناقض تناقضاً لافتاً مع حقائق وبواطن أمور مجتمعية ومتباينة.. فيصبح – بموجب المصطلح – ما هو عام شخصيا.. وما يمثل «ظاهرة» يدخل فى إطار «السلوك الفردى» وما هو «شائع» يفسر باعتباره أمرًا «استثنائيًا».. وما هو «متجذر» وراسخ وثابت ليس سوى شىء سطحى وعابر ومؤقت.. وما يمس السلوك الإنسانى لمجتمع برمته.. يلخص فى تصرفات فئة أو شريحة معينة شاذة ينبغى تحجيمها واقتصار هذا السلوك عليها.. فإذا فهمنا مصطلح «التنمر» باعتباره «الاعتداء اللفظى» القبيح أو الانقضاض البذىء أو السخرية والازدراء المنحط أو الاستنكار والتجريس الحقير.. حيث حفلت صفحات التواصل الاجتماعى.. بتعليقات وضيعة فى احتشاد ضخم يعبر عن غضب عارم لنشر صور ابنتى الفنان «شريف منير» – من وجهة نظر الغاضبين – فاضحة أو غير لائقة – فما كان من الفنان المصدوم إلا أن أصدر بيانًا صوتيًا.. صب فيه جامّ غضبه على تلك الفئة المارقة والضالة التى صنفها أو وضعها فى بطاقة أو لافتة أو أكلاشيه انعدام الأخلاق وأعلن فى صيحته الهادرة التى كررها عدة مرات «لا لانعدام الأخلاق» وطالب مؤيديه بإرسال بلاغات متتالية – أسوة به – للنائب العام تدعو إلى التحقيق والاقتصاص من تلك الشرذمة الباغية وعقابهم جزاء ما ارتكبوه من جرائم «خلقية»، والغريب والمضحك فى الأمر أن لافتة الأخلاق الحميدة هى نفسها التى تحدث باسمها المارقون ووصموا بمقتضاها «شريف» وبناته بخرقهم بفجورهم وإباحيتهم وفحشهم تلك الأخلاق العتيدة.



 

إن لافتة التنمر التى على ضوئها شخّص «شريف منير» الداء.. وضعته فى دائرة كل ما هو محدود وشخصى و«فردى» و«عارض».. والحقيقة أن الواقعة فى صداها العام.. تكشف عن أمراضنا المتوطنة وآفاتنا الراسخة التى تعرى عوراتنا المتراكمة.. عورات مجتمع تختلط فيه الأمور فى مزيج غريب ومتنافر يحتشد فى فوضى مجتمعية هائلة.. بتكفير وتجريم وأحكام «خلقية» قاطعة حاسمة تدين وتصم وتتهم بقسوة وتفضح فى تشفى وسادية ما تراه مخالفاً للفضيلة التى تبكى وتنتحب من فرط الاعتداء على الأعراف والتقاليد والأصول المرعية، رافعين راية الاحتشام لاعنين المتبرجات والسافرات اللاتى يخالفن ثوابت الإيمان ويعبرون عن ذلك فى تناقض غريب ومزرٍ – بمفردات لغة شبابية سائدة الآن فى الشارع المصرى إباحية وبذيئة يتبادلها شباب الغد الطالع فيصمون «شريف» بأحقر تلك الألفاظ.. فى مقابل تزمت قمىء وتحجر عقلى وخرافات وغيبيات مستشرية.. حرية تعبير وتوق للتنوير ورغبة حقيقية فى تجاوز واقع مختلف ينادى به المفكرون والمثقفون ودعاة التحضر فى رغبة عارمة للانتصار للعلم وإعمال العقل يواجه بمسلمات عتيقة وكتب صفراء بليدة.. وتقاليد بائدة وثوابت غبية.. وهم أنفسهم الذين ينشرون مقاطع الفيديو الفاضحة.. وتقول الإحصائيات إن «التحرش» يمثل أعلى النسب فى العالم وزنى المحارم ينتشر فى عشوائيات جائعة.. ودعاة مباركون وداعيات فضليات يبيحون وطء البهيمة ونكاح المتوفاة وزواج القاصرات.. بل الأجنة فى الأرحام.

 

فأى مجتمع ذلك الذى يخفى عوراته وتناقضاته ويسقطها على الآخر.. على طريقة حرام «عزيزة» فى رائعة «يوسف إدريس» الذى أخفت فيه قرية بأكملها فواحشهم وحرامهم وأسقطوه عليهم.

 

لقد اجتاح الشارع المصرى منذ الهجمة الوهابية سلوك المطوعين على الناس فى شيوع مؤسف أحدث انقلاباً فى السلم القيمى.

 

إن ما يدعو للرثاء حقاً ذلك التيار الجارف الذى جذرته التيارات الظلامية وأصبح لرواده أبناء وأحفاد يمثلون ظاهرة تمس تغيرات شائهة شملت الشخصية المصرية التى تطرفت فى فرض ثقافة الحلال والحرام والتكفير والتحريم والتجريم.. متسلحين بالفتاوى الشاذة والكراهية المقيتة للمرأة والفنون فى الاعتداء السافر على حرية وحقوق الإنسان بدعوى المحافظة على مكارم الأخلاق وثوابت الفضيلة.. ويكشف ذلك عن مجتمع مضطرب يعانى من اختلال التوازن ومن التناقض والازدواجية.

 

المسألة أخطر من أن تكون مجرد تنمر.