الجمعة 4 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
الذين حطموا أصنامهم وأبقوا على «تمثال الحرية»

الذين حطموا أصنامهم وأبقوا على «تمثال الحرية»

من كان يتنبأ  أو حتى يُخَمّن  أن فيضان روح جورج فلويد التى خرجت من جسده الأسود وضربت أربعة أنحاء أمريكا فى 25 أبريل الماضى قد رجّت صفحة مياه المحيط الأطلسى الهادئة حول تمثال الحرية.. وأنّ تلك المياه  تخفى أسفل  وجهها البراق والرقراق كل هذا الروث والعفن، البركة أسفل النهر: والتى  لم تكن منذ بدء التكوين والتقويم الأمريكى سوى دماء ودموع السود من أهالى الوطن.



 

الانتفاضة التى ضربت الولايات المتحدة ولم تهدأ للآن عقب قتل البوليس الأبيض للمواطن الأسود هى (انتفاضة شعبية) بامتياز حتى ولو أطلق عليها اليمين الشعبوى الأبيض لقب (انتفاضة الحرامية) - فعلتها بلاد شقيقة قبلهم -  فحجم التخريب والنهب والسلب للممتلكات  العامة والخاصة كان كبيرًا ومفاجئاً.. وفى ذات الوقت تم رفع النقاب عن مجتمع ليس كله من المليارديرات والأثرياء، بل جزء كبير من تعداد سكانه  فقيرًا لا يزال.. ولا يزال يصبو للحلم الأمريكى.. الحلم المخاتل الذى صوروه وصدّروه لنا مليارديرات المال الذين يعملون فى العقارات واحتلال البلاد وزعزعة استقرارها وفى  الميديا والسلاح والسياسة والجنس  والمخدرات وتجارة الرقيق / العبيد.

 

 هامش : 

 

(حتى نفهم حقيقة ما يجرى هناك يجب علينا ألا نقارن أبداً ما بين  انتفاضة  أمريكا وبين الانتفاضات والثورات  التى حدثت فى وطننا عامى 2010 و2011.

 

فأمريكا لا يحكمها الرئيس.. بل تحكمها مؤسسات عدة ولا يستثنى منها الشعب.

 

ثانيًا: لم يَثُرْ الأمريكان من أجل إسقاط الرئيس - الرئيس يأتى ويغادر بانتخابات - بل من أجل إصلاح وهيكلة جهاز الشرطة ومن أجل مساواة السود والملونين بالبيض.. من أجل الحلم الأمريكى القديم).

 

لذا كانت ثورة الأمريكان صوب اثنين:

 

1 - هيكلة الشرطة.. رمز القسوة والفساد والظلم.

 

2 - تحطيم الأصنام: وهى كل تماثيل الرجالات الذين صنعوا تاريخ البلاد الزائف.. ميراث قديم من الرق والعبودية والسخرة والبغاء.

 

فى الحقيقة سنجد أن هذا القبح الذى كشف عنه موت «فلويد» قد أبرز وجهاً أمريكياً مشرقاً.. وجه البلاد التى تداوى جراحها بيديها وتحدد أنسجتها الميتة .. البلاد التى لا تريد أن تسقط فى المحيط تمثال حريتها مع التماثيل التى سقطت بالفعل - فى أمريكا ثمة تماثيل مشابهة قد سقطت فى بريطانيا وبعض بلاد أوروبا - كـ«كريستوفر كولومبوس» وتمثال الملك «ليوبولد الثانى»، فلم ينس له المتظاهرون أيام حكمه الوحشية فى مستعمرات بلجيكا الإفريقية السابقة، حيث قتل هناك  10 ملايين من أهالى الكونغو خلال 23 عاماً من عام 1885 وحتى 1908.. وهكذا تم إسقاط تمثال إدوارد كوليستون تاجر العبيد الأشهر الذى جلب الأفارقة من رقابهم مسلسلين فى سفن حتى أرض الأحلام الأمريكية.. وثمة مطالبات بتحطيم تمثال تشرشل أو نقله من حديقة تماثيل الطغاة رجالات الحروب.

 

نجد أن جلسة عاصفة بالكونجرس ناقشت وغيرت من قوانينها البوليسية بالفعل وألغت كثيرًا من موادها الظالمة وحجّمت وكبحت لجام  أفراد الشرطة.

 

ستجدهم هناك قد ألغوا مسلسلا اسمه Cops يتم بثه تليفزيونيًا منذ ثلاثين عاما عن - جمال وحلاوة وطيابة وأمارة وحنان-  رجال الشرطة.. لذا ستجد أنهم يكسرون أصنامهم الفنية.. ولذا قد عرض «مايكل مور» أن يقوم بإخراج مسلسل بديل عن حقيقة بعضهم فى قتل السود ونهب ممتلكاتهم واغتصاب نسائهم.. ستجد أنهم قد منعوا نهائيًا عرض فيلم «ذهب مع الريح» لفيفيان لى وكلارك جيبل.. الفيلم المعروض 1939 والحائز على 8 جوائز أوسكار ويؤرخ للحرب الأهلية والمأخوذ عن رواية بنفس العنوان لمارجريت ميتشيل.

 

أمريكا الآن بصدد عودة بعض صفحات من تاريخها القديم القذر والذى قد تم محوه من كتب المدارس ومن الوثائق عما عُرِف وقتها باسم (مذبحة عرق تولسا)التى حدثت فى أوكلاهوما  وهى واحدة من أكبر وأسوأ حلقات العنف العنصرى فى الولايات  الأمريكية.

 

عمّ الذى حققه موت جورج فلويد للعالم.. ستجد الكثير:

 

فثورة  جورج فلويد التى خرجت من خارطة أمريكا الشمالية واجتاحت بلدانًا أوروبية قد وصلت حتى نيجيريا فثمة مظاهرات نسوية عارمة هناك تطالب بالمساواة وإنهاء الوحشية والاغتصاب ضدهن.. حتى فى دولة الكيان الصهيونى المحتل لإسرائيل ثمة انتفاضات ضد رجال الشرطة.. ليس ذلك فقط بل ستجد مطالبات الآن فى الكونجرس من السيدة السوداء /المدعى العام «فاتو بينسودا» تطالب المحكمة الجنائية الدولية ICC بالشروع فى تحقيقات مع إسرائيل بشأن سياساتها العنصرية مع الفلسطينيين رغم تطبيق اتفاقيات أوسلو 1993.

 

وستجد أن هناك استطلاع رأى وجد أن فرصة «كامالا هاريس» عضو مجلس الشيوخ السوداء عن كاليفورنيا وجد أن 60 بالمائة من الديمقراطيين يرى أن فرصتها كىّ تصبح نائب رئيس جو بايدن - لو فاز  - كبيرة جداً.

 

كما أن تصويت المجلس لاختيار الجنرال الأمريكى الإفريقى الأسود رئيساً للقوات الجوية لهو حدث جلل لم يحدث من قبل فى بلاد الكاوبوى الأبيض.

 

ثمة آخر اسمه جورج فلويد حفيد عبيدها الأفارقة السود يُغيّر الآن وجه أمريكا ويلون تمثالها بالأسود.