طارق مرسي
روعة الاختيار
من لحظة نزول التيتر بموسيقاه ولقطاته ومنذ الحلقة الأولى نجح مسلسل «الاختيار» فى الاستحواذ على مشاعر وانفعالات المشاهد الذي أدرك قبل بدء الأحداث أنه أمام عمل عظيم يشبه إلى حد كبير الملاحم الوطنية الكبرى، حيث يتخذ من الواقع الحقيقى تفاصيله بمجرد أن ذكر اسم بطله الشهيد «أحمد صابر المنسى» الذي تفاعل أبناء الوطن مع تاريخه العسكرى القصير والعظيم فى بطولاته وتضحياته بعدما تناقلت وسائل الإعلام سيرته ومسيرته خلال العامين الماضيين كنموذج فذ للنضال والفداء وتناقل الجميع اسمه حتى وقت قريب بعدما ألقت أجهزة الدولة القبض على الإرهابى «هشام عشماوى» زميله السابق فى سلاح الصاعقة وإعادة الخائن حيًا ثم إصدار الحكم التاريخى بإعدامه، ومن هذا التناقض جاء «الاختيار».
تاريخ «المنسى» قائد الكتيبة 103 صاعقة الذي استشهد فى كمين مربع البرث بمدينة رفح 2017 و«عشماوى» الإرهابى المتهم بالخيانة العظمى الذي تناقلته وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى لم يغلق ملفه طويلا حيث التقطه المنتج تامر مرسى بعد ترحيب الجهات المسؤولة بتحويله لعمل درامى يخلد ذكراه ويرسم صفحة فاخرة وجديدة لخير أجناد الأرض.. وبرعاية جهاز الشؤون المعنوية بدأ مشروع خروجه لنور الشاشة مع فريق عمل متحفز ومؤهل له بداية من السيناريست باهر دويدار والمخرج بيتر ميمى وبطلى المسلسل أمير كرارة وأحمد العوضى. مسلسل «الاختيار» كسر عقدة الانطباع الأول الذي يزول من أول حلقة محققًا أعلى مشاهدة بين أعمال رمضان ليعكس وعى المصريين وحرصهم وإيمانهم بمن يفدون وطنهم بدمائهم، من خلال الربط الخلاق والذكى بين قصة الوفاء الكبير والخيانة العظمى فى مسلسل درامى يعتمد على الثنائيات المتعارضة، كتبها باقتدار المولف باهر دويدار لبناء أحداث عظيمة فى مقدمتها ثنائية الوفاء والخيانة وتوابعهما على أرض الواقع بدءًا من الخلفية الأسرية التي أفرزت المنسى ووالده الطبيب، وفى المقابل أسرة «العشماوى» التي تتاجر بالأفكار المشوشة وعقائده المغلوطة.. وبين شخصية سعد «محمود حافظ» الفلاح المصري البسيط المتمسك بأرضه ونماذج تتاجر بأرضها وعرضها بأفكار مريضة. قصة الارتباط بالأرض والتضحية من أجلها من أبرز التيمات التي يرتكز عليها المؤلف والمخرج فى الحلقات السبع الأولى وبامتياز.
فى مسلسل مثل «الاختيار» لا تستطيع التوقف عند نجم أو نجمة الأبرز فى أحداثه رغم نبوغ وتمكن بطله «أمير كرارة» لأن الكل نجوم من منتج ومخرج وممثلين.. كل عناصر العمل الفني «رائعون» حتى ضيوف الشرف فهم ليسوا ككل الضيوف فمحمد رجب يبدو فى أحسن حالاته ومعه نجوم لهم بصمتهم على الشاشة أيضًا من آسر ياسين وإياد نصار إلى كريم محمود عبد العزيز وماجد المصري وصلاح عبدالله ومن محمد إمام إلى أحمد وفيق، وما خفى لن يكون أعظم بل مساو فى المقدار وفى التأثير بمعزوفة «الاختيار» الجميلة التي يقودها باقتدار المخرج بيتر ميمى على خلفية موسيقى تصويرية عالمية لتامر كروان وتألق كرارة.
المسلسل وثيقة تاريخية لكل الأجيال عن تضحيات القوات المسلحة عبر التاريخ المصري الملىء بالعزة والفخر يضاف إلى الأعمال الخالدة التي تقدمها القوى الناعمة بصدق وإيمان عن نضال هذا الوطن الغالى ضد كل مستعمر وخائن. نجح المخرج فى تقديم «الاختيار» بأمانة وإتقان وشجن ومزج الواقع وكأن فيلم حرب كرموز الذي قدمه مع نفس البطل بروفة ناجحة لعزف هذه الملحمة البطولية.
«الاختيار» قيمته الكبيرة ليست فقط فى الفداء العظيم بل هو درس فى التربية الوطنية وحب الوطن الذي هو فوق الجميع..
رحًمً الله أحمد صابر المنسى وشُهدٍاء الَوطِنِ مًنِ الَقوات الَمًسِلَحة الَذِيَنِ تعرضوا لَعمًلَيَة إرهابًيَة غاشمًة جنِوبً مًدٍيَنِة بًئر الَعبًدٍ.
