الإثنين 21 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
عن الموتى الذين فقدوا الوَنَس والّلَمّة

عن الموتى الذين فقدوا الوَنَس والّلَمّة

لا تصدق نفسك لو توهمت بأنك إزاء هذا العبث الكونى الحادث منذ خمسة أشهر، تجلس فى قاعة سينما مظلمة وسط حضور كثيف، وتنتظرون معاً  كلمة النهاية لفيلم شديد الرعب والسماجة اسمه «الفيروس الفتاك»، أو «كورونا» الذى لم يُنتَج مثله  فى البلاد  فيلمٌ من قبل، وتأكد أنه لا سينما بعد كورونا فمن أين سيأتى المؤلفون بخيال أعرض وأعمق من هذا؟،  ولستَ متأكداً بالمرة - كعادة أفلام الكوارث الكونية بعد الحرب العالمية الثانية  - أنه مجرد فيلم رعب أو خيال علمى من إنتاج مؤسسة السينما الأمريكية.. فأمريكا نفسها  وبكل هوليوودها  ومخابراتها  يمثلون داخل الفيلم دور الضحية، وفى كل المشاهد نحن نرى على الهواء  أمريكا تحصى جرحاها وموتاها وخسائرها البشرية والمادية الباهظة، هذه المرة لم تحصل الإدارة الأمريكية على دور البطل الشرير  أو الكاوبوى كما كانت من قبل حتى ولو كان أحد أبطال الفيلم  تاجراً  واسمه دونالد ترامب.. على الأقل وحتى الآن كل الأشرار القدامى فى العالم صاروا فى الفيلم ضحايا بامتياز: بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيران وإسرائيل.. وعلى عينك يا تاجر!



 

افرك عينيك واعلم أنك مستيقظ لا تحلم فالعالم  بالفعل قد - اتشقلب كيانه - وصار الهم واحدًا والخوف واحدًا والموت واحدًا والكل ضحايا.

 

•• ما الذى يخيف الناس هكذا فى هذهِ القصة البائسة؟

 

الموت ؟ لا، فالموت قديم جداً وملازم للميلاد.. لكنها الغربة: غربة الموت ووحشته.. أن نموت وحيدين  بلا رفيق ولا نحفظ الطريق لقبورنا.. بعضنا يملك قبوراً سبع نجوم لن يُدْفَن فيها أبداً ولن تُصَوّرُ جنازته كاميرات الصحف والتليفزيونات، سيدفنونه سراً  فى مكان غير معلوم كما فعلوها مع القذافى، وغيره، مثلاً يعنى.

 

الذى يخيف الناس هكذا هو أنه  حتى الموت  بلا ونس ولا لمة موجع ومخيف وشديد الوطأة ولم تحكِ لنا عنه سينما هوليوود وبوليوود من قبل.. فهو ليس موت الحروب القديمة حيث يموت الجنود بقذيفة وتبلعهم الصحارى والمصارف معاً.

 

ما يخيفنا جميعاً هكذا أننا توقفنا عن تعداد أىّ شىء حتى الأيام والليالى وصرنا نحصى المرضى والموتى فقط فى إيطاليا وإيران والصين وأمريكا وبريطانيا وفرنسا، حتى الذين كانوا يحصون نقودهم ونساءهم لم يعودوا يفعلون.. لكنهم ينتظرون أن يصبحوا رقماً صفرياً فى  جبانة بلا عنوان.

 

ثمة كيان ما ، بطل جديد مع رائحة الجثث ومطهرات المشافى راح يرتب العالم من جديد .. فبينما انشغلت الإدارة الأمريكية فى ٩٠٠ ألف مصاب و٢٠٠ ألف قتيل  حتى اللحظة.. وحتى اللحظة صار هناك ١٠٠٠ قتيل يومياً فى أمريكا منذ هذا الأسبوع.. أمريكا المنكفئة الآن على ما جنته إداراتها من سوء إدارة العالم وسوء إدارة نفسها.. فهى مثل كل البلاد الفقيرة لم تجهز نفسها لمثل هذا اليوم: فلا مستشفيات مجهزة ولا علاجات ولا أبسط أنواع الوقاية ضدّ كوفيد ١٩.. المستشفيات الأمريكية كانت مجهزة لضحايا الحروب.. حروبها الوهمية الكونية، أقصد: مشافيها  مجهزة فقط  لأبطالها العائدين  من غزو بلاد العالم ونهب ثرواته وقتل وتشريد الشعوب الآمنة، المصانع الأمريكية التى برعت وتفوقت فى تكنولوجيا الأسلحة  فشلت فى صنع سلاح لمواجهة العدو كوفيد الجديد.

 

ملحوظة: بينما (احتاست) أمريكا فى لملمة نفسها ها هى الصين - ومعها عدد من الحلفاء -  تعيد ترتيب وتصنيف قوتها ومكانتها على ما سوف يتبقى حياً من البشرية  وموجوداً من البلاد على الأرض لا يزال.   •• ما مصير دول الكومبارس فى هذا الفيلم الكارثى الرهيب؟

 

الدول التى لم تكن تلعب سوى دور الضحية المغلوبة على أمرها المسلوبة سيادتها وحريتها وكينونتها  وأرضها ولقمة عيشها .. الدول الخادمة عند السيد الأمريكى الأبيض وحلفائه.

 

الإجابة، هذه الدول هى من سيحدد دوره فى الفيلم والحلم، هى من ستختار انحيازاتها وقد تحررت  إلى حد كبير معاصمها ورقابها من الطوق الحديدى والسلسلة التى ظلت عقوداً فى يد الكاوبوى وحصانه.. من يدرى؟! ربما تلك الدول تحب أن تمنح رقبتها للسيد الجديد.