فى كل أسبوع يوم جمعة دراما التفاصيل الممتعة

هبة محمد على
لم يكن يعلم الروائى الكبير «إبراهيم عبدالمجيد» وهو يكتب روايته (فى كل أسبوع يوم جمعة) منذ أحد عشر عامًا جاعلًا من العالم الافتراضى مسرحًا لأحداثها، أنها ستتحول إلى مسلسل، هو أول الإنتاجات الأصلية لمنصة (شاهد) التـابعة لمجــمـوعــة mbc .
التى قررت مؤخرًا أن يكون لها إنتاجها الخاص الذى لا يُعرض على سواها، لكنها خططت له أن يَفرض نفسه على ساحة الترفيه العربية، فاختارت له مواصفات خاصة جدّا، تضمن له الريادة؛ لتحجز من خلاله مساحة من اهتمام فئة عريضة لا يُستهان بها من الجمهور،لا يشبهون فى مواصفاتهم جمهور الفضائيات المستعد لمتابعة أبطال مسلسله وهم يثرثرون، ويتحركون، بل ويتثاءبون بلا فائدة سوى أن يتمكن صُناع العمل من إدراك غايتهم فى استكمال الحلقات الستين مَهما كلفهم الوصول إلى هذه الغاية من عمليات مَط وتطويل، تسمح للمَلل أن يتسرب إلى النفوس لا محالة، بل تقضى على أى ارتباط بين المسلسل وجمهوره الذى يمكنه أن يغيب عن متابعته لأيام، ثم يعود مجددًا دون أن تفوته أى أحداث مهمة! وهو ما يفسر تقديم أحداث مسلسل (فى كل أسبوع يوم جمعة) فى عشر حلقات فقط، بكل تركيز، ودون إهمال لأى تفاصيل، أو تسرُّع فى التأسيس للشخصيات التى نعيش معها على مدار الحلقات العشرة حياة كاملة، فتتعرى نفوسنا، ونرى سوءاتنا فى أفعالهم.
ولعل فكرة عرض حلقة واحدة من المسلسل نهاية كل أسبوع هو تحدٍّ كبير خاضته المنصة بذكاء ضد جمهور لا يجيد الانتظار، فانهزم سريعًا أمام المحتوى الجاذب الذى أحكم السيطرة على عقول متابعيه، فحمل المسلسل من اسمه نصيبًا، وأصبح كل يوم جمعة؛ حيث تُعرَض الحلقة، وعلى مدى شهرين ونصف الشهر موعدًا منتظرًا.
قدّم المعالجة الدرامية لهذا المسلسل «إياد إبراهيم»، فاختار خطّا محددًا فى الرواية وبنَى عليه أحداثًا درامية، وانتخب شخصيات بعينها من شخصيات الرواية ليجعل منها محورًا للأحداث، جعلت عالم المسلسل مختلفًا تمامًا عن العالم الذى اختارته الرواية، بالإضافة إلى أنه شارك كلّا من «سمر عبدالناصر، ومحمد هشام عبية» فى كتابة السيناريو والحوار، وكلاهما له تجارب ناجحة جدّا، ومعروفة، فى مجال الكتابة للدراما، فعلى سبيل المثال شاركت «سمر عبدالناصر» فى ورشة كتابة مسلسل (هذا المساء) كما شاركت فى كتابة حوار مسلسلات مثل (زى الشمس) و(كأنه إمبارح)، أمّا «محمد هشام عبية» فقد شارك فى كتابة مسلسلات مثل (طلعت روحى) و(شبر ميه)، وشارك فى كتابة الحوار لـ (سقوط حر) و(زى الشمس)، كما شارك فى تأليف مسلسل (رحيم) وسيناريو مسلسل (زودياك).. والحق يقال إن الجهد المبذول من قِبَل الأسماء الثلاثة فى كتابة سيناريو المسلسل يُحتم علينا إعادة النظر فى مسألة الاقتباس عن عمل أدبى الذى يراه البعض استسهالًا، فيجعل بهذه النظرة حق كاتب السيناريو مهضومًا.
يلعب بطولة المسلسل كل من «منة شلبى»، فى دور «نور رياض» أو «ليلى عبدالبارى» و«آسر ياسين»، فى دور «عماد» ويشاركهما البطولة «سوسن بدر، وعبدالعزيز مخيون، وأحمد خالد صالح، وعارفة عبدالرسول، ورشدى الشامى، ومى الغيطى، وخالد أنور»، وآخرون.
وتدور القصة حول شخصية «نور»، التى يتم تسريب فيديو جنسى لها يدفع أهلها أن يقبلوا بعرض «مدام سوسن» التى لعبت دورها «سوسن بدر»، بادعاء أنها انتحرت أمام أهل حى بولاق؛ حيث يعيشون، وإتمام عملية الدفن الوهمية، فى مقابل رحيلهم، وتوفير سكن لهم، وسط جيران لا يعرفونهم، ولا يعرفون ما ارتكبته ابنتهم، وفى المقابل تعيش «نور» حياتها الجديدة تحت اسم «ليلى» كزوجة لـ «عماد» ابن «سوسن»، ذلك الشخص المصاب بدرجة شديدة من المرض النفسى، جعلت منه إنسانًا صعب العشرة، وشديد الخطورة، ما جعله يعيش وحده فى فيللا فى منطقة نائية بعيدًا عن عائلته، تلك الفيللا التى كانت مسرحًا لعمليات قتل، بدأت بالصدفة، عندما تعرّف أحد جيران «نور» القدامَى على هويتها، وجاء إليها مهددًا، فانهال عليه «عماد» بالضرب المبرح، ليرديه قتيلًا، ثم تحولت هذه العملية بعد ذلك إلى وسيلة انتقام من كل الذين تسببوا فى أذى لها، أو لأحد أفراد أسرتها، فكان أستاذ الجامعة المتحرش «سمير شاهين» الذى قضى على مستقبل أختها فى الجامعة هو الضحية الثانية، بينما كان الشخص الذى نشر فيديوهاتها الجنسية على أوسع نطاق هو ضحيتها الثالثة، ثم وكيل النيابة «ياسر» الذى قرر تجميع خيوط القضية، واختلق دافعًا لزيارتها، وأخيرًا، حبيبها، وسبب كل هذه التحولات التى طرأت على شخصيتها، وحياتها، الروائى «نديم شكرى» الذى أدى دوره ببراعة «شريف سلامة» ليجسد من خلاله شخصيات نلقاها يوميّا، تدّعى النُّبل، والتحضُّر، لكنها لا تمارس سوى الجبن، والخسة؛ حيث تنكّر لها، وتركها تواجه مصيرها بمفردها، فحوّلها من إنسانة مسالمة، قبلت العلاقة فى السر، وتنازلت عن كل حقوقها فى مقابل قضاء وقت برفقته، إلى قاتلة محترفة، وإذا كانت ارتعدت خوفًا من منظر الدم فى عملية القتل الأولى؛ فإنها أصبحت فى العمليات التالية تتلذذ حينما يَجهز «عماد» على ضحاياها، فتطرب أذنيها رائعة «محمد فوزى»، (تملّى فى قلبى يا حبيبى)، بينما يؤدى «عماد» مهمته فى القتل تارة، وتدعوه إلى إنهاء تقطيع الجثة فى حمّام الفيللا سريعًا، حتى يحتسى كوب الكاكو تارة أخرى، بينما تحتسى هى مشروبها على وقع صوت الساطور القادم من الحمّام، استعدادًا للمرحلة الأخيرة من العملية، التى تتمثل فى إلقاء أجزاء الجثة فى قاع النيل؛ حيث تختفى المعالم، ويصبح أمر اكتشاف مرتكب الجريمة صعبًا.. كل هذا يتم وفى الخلفية منه موسيقى المبدع «هشام نزيه» التى تزيد من تفاصيل العمل وتمتلك قدرة متفردة على إظهار مشاعر أبطاله، بينما تمنح الكادرات المتناسقة للمونتير «أحمد حافظ» والإضاءة القاتمة لمدير التصوير «بيشوى روزفلت» سخونة للأحداث تتناغم مع كل دوائر الغموض التى يقدمها المسلسل.
كل شىء فى المسلسل تم التأسيس له بشكل جيد، فى الفلاش باك، وبالتالى تعزف كل التفاصيل سيمفونية رائعة دون أن يكون بينها نغمة نشاز واحدة، فجار «نور» الذى شكّل الضحية الأولى هو سباك المنطقة، وبالتالى كان من الطبيعى أن تقوده قدماه للفيللا التى تسكن فيها مع «عماد» ليقوم بإصلاح السباكة فيلقاها، ويلقى حتفه أيضًا، أما «نور» ذاتها فهى مهندسة اتصالات نابغة، أنجزت العديد من المهام الصعبة حينما كانت تعمل فى شركة زوجة «نديم شكرى» وبالتالى سهّل عليها ذلك مهمة الإيقاع بضحاياها، عن طريق استخدام التكنولوجيا بشكل محكم فى التجسُّس على هواتفهم المحمولة لمعرفة تحركاتهم، وسماع أحاديثهم، أو تعطيل خدمة تحديد المواقع بها؛ للإفلات من تحريات الشرطة.
وإذا كان انتماء العمل إلى عالم الغموض، والجريمة، والتشويق، سببًا فى انجذاب الجمهور له؛ فإن الأداء التمثيلى لأبطاله بلا استثناء هو السر الحقيقى لهذا الانجذاب، ولا سيما لأبطاله، «منة شلبى» التى أدت دورها بأداء هوليوودى، يضع اسمها فى مصاف الكبار، و«آسر ياسين» الذى يجيد التحضير جيدًا للشخصيات التى يلعبها، فجاءت حركات يديه، واهتزازات جسده، وطريقته فى الحديث دليلًا على أنه التقى أشخاصًا حقيقيين يعانون من نوعية المرض النفسى ذاته الذى عانى منها البطل، و«أحمد خالد صالح» فى دور رئيس النيابة الذى يعانى من مشكلات جسيمة فى حياته الشخصية جعلته صيدًا سهلا لـ«نور»، أما «عارفة عبدالرسول» و«رشدى الشامى» فكان أداؤهما تجسيدًا حيًّا لما يشعر الأبوان من حسرة حينما يشاهدان ضياع أحد أبنائهما، كل هذا بقيادة مايسترو العمل، المخرج «محمد شاكر خضير»، الذى عاد بعد غياب عن الدراما كما بدأها أول مرة فى مسلسلى (طريقى) و(جراند أوتيل)؛ حيث القدرة على خَلق حالة مثالية من التشويق فى الأحداث، وامتلاك الأدوات الحقيقية لفن إدارة الممثل، وإذا كانت مَواطن قوة هذا العمل بالنسبة للإخراج كثيرة، ومتعددة؛ فإن الدقائق التى تُعرض قبل بداية التتر؛ ليكتمل بها جزءًا من الماضى المجهول بالنسبة للمشاهد هى أحدها؛ خصوصًا أنها توضح الصورة تدريجيّا، كما توضح قطع (البازل) الصغيرة شكل اللوحة، والأهم أنها أخرجتنا من معضلة (الفلاش باك) الذى يتسبب أحيانًا وضعه فى منتصف الأحداث إلى حدوث نوع من الإرباك للمشاهد؛ لتأتى النهاية المفتوحة، ويبقى السؤال فى أذهان كل من تابع المسلسل: هل قررت «نور» أن تنهى حياتها وحياة «عماد» بعد أن أنهيا مهمتهما الانتقامية من هذا العالم الزائف الذى يجور على كل ضعيف، أمْ أن للقصة فصولًا أخرى، ستظل تتكرر، طالما يعيش بيننا أناس يقضون على ما بداخلنا من خير بخبيث أفعالهم، وأنانيتهم المفرطة مثلما يفعل مَن هم على شاكلة «نديم شكرى» فى كل «نور».