شبكة سرية لبيع أدوية الإجهاض!

هند خليفة
رغم حظر تداول أدوية الإجهاض خارج المستشفيات؛ فإن بعض الأطباء والصيادلة وحتى مندوبى شركات الأدوية ضربوا بالقانون عرض الحائط، ليصبح ما يمكن تسميته بالسوق السوداء لأدوية الإجهاض، سواء ببيعها على طريقة «الدليفرى» أو توزيعها بشكل سرى فى الصيدليات أو تهريبها من المستشفيات.
«روزاليوسف» خاضت تجربة شراء أدوية الإجهاض من أسواقها السرية، إضافة للتواصل مع عدد من السيدات لهن تجارب فى تلك الأدوية المهربة.. ومعرفة دوافعهن وراء ذلك.
بعد أن قررت «منى. أ» التخلص من جنينها بعد محاولات لإقناع زوجها بأنها ليس لديها رغبة بالإنجاب فى السنوات الأولى من الزواج؛ بدأت البحث عن طريقة آمنة للإجهاض من دون طرق أبواب عيادات الأطباء أو التعرض لجراحة.
محركات البحث ومشاهدة فيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعى حول طرق الإجهاض المنزلى الآمن قادت «منى» إلى قرار تناول الدواء المؤدى للإجهاض، فأثناء بحثها وجدت مواقع إلكترونية عديدة تعرض بيع الدواء «دليفرى» بإرساله إلى المنزل.
«تواصلت مع أحد المواقع المعلنة وزاد اقتناعى بتلك الطريقة بعد أن وجدت أن المسؤول عنه طبيب ولكنه من خارج مصر، وأكد أنه سيوفر لى دواء السايتوتك من خلال أحد المندوبين» هكذا روت منى تجربتها، قائلة إن هذا الطبيب جاوبها عن كل الأسئلة التى تحيرها وطمأنها.
لم يكن الأمر بهذه السهولة «وصلنى الدواء بعد أيام وتناولت الجرعة بحسب ما وصفها لى الطبيب، 4 حبات بالفم وعدد مماثل وضعته بالمهبل لأجد نفسى بعدها أصيبت بنزيف وإعياء شديدين، لأحاول أن أتواصل مع الطبيب لاستشارته كما قال لى فأجد رده مقتصر على أن الدواء فعال ويقوم بإجهاض الجنين بشكل طبيعى».
استمرت تلك الحالة لأيام بحسب ما أوضحت، لتجد نفسها مضطرة للذهاب إلى طبيبة ليفتضح أمرها أمامها بأنها أجهضت نفسها من خلال الحبوب التى وضعتها بالمهبل.. واضطرت لإجراء عملية لاستكمال إجهاض الجنين «الطبيبة عنفتنى وحذرتنى من أنه فى حال حملت مرة أخرى سيكون الجنين معرض للتشوه أو العقم».
لم تكن تفكر «منة.أ» صاحبة الـ20 عامًا، سوى فى التخلص من جنينها الذى حملت فيه نتيجة علاقة غير شرعية، بعد مرور أكثر من شهرين على هذا الحمل الذى حول حياتها إلى جحيم.. كان تناول دواء «السايتوتك» هو نصيحة أحد الأصدقاء لها خاصة لضمان السرية وعدم إجراء عملية جراحية، إضافة إلى أن سعره فى متناول يدها.
بدأت رحلة البحث عن الدواء والتى كانت صعبة فى بدايته «دورت كتير بس كان فى رفض إن يتباع لبنت فى سني.. الحبوب مش بتتباع غير بروشته».. واضطرت «منة» أن تلجأ إلى صديق صيدلى وتكشف له سرها فوفر لها الدواء من خلال أحد الموزعين، لتقول «نصحنى بأن لابد أن لا يكون مر على فترة الحمل ثلاثة أشهر، فإذا كانت أقل من ذلك يحدث نزيف خلال 48 ساعة.. وكان فاضل على اتمام الثلاث شهور أسبوع قررت أجازف وأتناول الدواء».
وعن تجربتها فيما مرت به من مخاوف وآلام شديدة تقول «حاسة إن ربنا هيمنع عنى الانجاب بسبب اللى عملته ده ومنصحش حد يعمل كده أبدًا.. لأنى عانيت من آلام كتيرة».
التجارب السابقة قادتنا إلى الخيوط الأولى فى سوق بيع أدوية الإجهاض.. أو مافيا تلك التجارة السرية المكونة من أطباء وصيادلة وشركات الأدوية، البداية كان مع «أحمد.ز»، موزع أدوية شاب، تدل طريقته فى الحديث ولغة جسده على أنه شخص غير متعلم ولكنه ممارس قديم ذو خبرة فى سوق توزيع أدوية الاجهاض المهربة، فحديثه معى بدأ بمراوغة منه حيث لم يمنحنى أى معلومات أو إجابات كاملة إلا بعد أن اطمئن أننى بالفعل أحتاج لهذا الدواء ولست تاجرة.
أوضح أنه سيأخذ بياناتى على أن يرسلها إلى الكول سنتر الخاص بالشركة التى يعمل بها ويقوموا بتسجيلها ضمن قائمة الحجز ليطلبوا الكمية المطلوبة من أمريكا، كاشفًا أن هناك اقبال على شراء هذا الدواء فمن الممكن أن يطلب كمية تصل إلى 30 شريطا ويتم توزيعها فى نفس المرة، حيث يبيع شريط واحد لكل عميل من دواء «سايتوتك» بسعر 700 جنيه.
ويستطرد: «السايتوتك الأصلى المستورد يصرف بروشته فى الصيدليات بسعر 450، ويصل سعره بالسوق السوداء إلى 900 جنيه، لكنه مضمون مائة فى المائة أن يتسبب فى الإجهاض بشكل آمن فى المنزل دون الاحتياج للذهاب إلى المستشفى أو إجراء عمليات جراحية».
وحول الجرعة التى يتم صرفها قال: «هو شريط بيجيب من الآخر شرط أن يكون الحمل لا يتخطى الشهر الثالث»، موضحًا أن تناول هذا الدواء لم يقتصر على سن معين فقد تأتيه طلبات من فتيات ذات سن 15 عاما وسيدات تخطى عمرهن الخامسة والثلاثين.. والكبار بحكم السن يتحملون الألم واعتادوا عليه، «فيه ناس عايشة على السايتوتك ممكن نفس العميلة تطلبه كل 8 شهور للتخلص من خطيئتها».
وبسؤاله عن ما إذا كان طبيب أو صيدلى، رد: «أنا فاهم كل حاجة وشغال فى الدوا ده من سنين».
لم تقتصر عملية التوزيع على مندوبى المبيعات وموزعى الأدوية.. إذ تروج «شيرين. أ» طبيبة نساء لدى مستشفى خاص شهير بالقاهرة، لدواء السايتوتك عبر صفحات موقع التواصل «فيسبوك» وموقع إلكترونى خاص، وتنشر من خلالهم بعض الدعاية والنصائح والتوجيهات لمن تحتاج إلى الاجهاض بشكل آمن، تواصلت معها وأخبرتها أنى أحتاج لهذا الدواء لكن غير متاح معى روشته من الطبيب.. أرسلت لى رقم هاتف مندوب الشركة حتى أتواصل معه وأطلب الجرعة منه.
تواصلت مع «عمر» موزع إحدى شركات الأدوية العالمية بحسب ما عرف نفسه، وهى الشركة المنتجة لدواء السايتوتك، واتفق معى على أن يكون موعد تسليم شريط الدواء بعد ثلاث أيام، فى مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر، بسعر 500 جنيه.
يتضح من كلام لموزع أنه يقتطع من دفعة الدواء التى تقوم الشركة بتوزيعها للمستشفيات، حيث أكد أن الطلبية تأتى له كل يوم سبت ويتم توزيعها وانتهائها فى نفس اليوم، مشيرًا إلى أن الدفعة القادمة من الشركة ستكون مخصصة هذه المرة لمستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر، ويتم توزيع الطلبيات قبل تسليم تلك الدفعة إلى المستشفى، حيث يأتى له عملاء من جميع المحافظات.. وفى نهاية المكالمة قال «لازم تيجى قبل ما أسلمها للمستشفى لأن لو استلمتها مش هقدر أوفرهولك».
وفى أحد المستشفيات الحكومية توزع «منى»، إحدى الممرضات، أدوية سايتوتك أو ميزوتاك، سواء داخل مصر أو حتى شحنها إلى الخارج بمشاركة طبيب يدعى «ماجد.أ» والذى يستغل علاقاته بالشركات لتوفير كميات من الدواء، بينما تتولى الممرضة تقديم الاستشارات للحالات.
عند التواصل معها حاولت أن تطمئنى قائلة: «لو حتى حامل فى الشهر الثالث سيتم التخلص من الجنين وبدون روشتة طبيب، سأعلمك طريقة الاستخدام»، مؤكدة أن الدواء أصلى تعاملت مع الكثير من الزبائن.
وبحسب دكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، فإن أدوية السايتوتك أوالميزوتاك تأتى من خلال مصدرين أحدهما مهربة من الخارج، والجهة المسؤولة عنها هى الجمارك، والمصدر الآخر عبر تصنيعها داخليًا فى مصانع بير السلم بتزوير العلامات التجارية الخاصة بالشركات المنتجة ويكون أغلبها «مغشوش»، والمسئول عنها الإدارة المركزية لشئون الصيادلة.
وأرجع سبب انتشار الأدوية المهربة إلى وجود فوضى فى سوق الدواء وعدم وجود قوانين منظمة، لافتًا إلى أن العقوبة قد تكون الغرامة فقط مشيرًا إلى أن 10 % من مبيعات الدواء فى مصر خلال عام 2019 أدوية مغشوشة، من بينها دواء الميزوتاك المسبب للإجهاض.
من جانبها، وصفت الدكتورة آمنة نصير، أستاذة العقيدة بجامعة الأزهر، وعضو مجلس النواب، القائمين على تجارة أدوية الاجهاض بـ«المجرمين»، حيث إن الإجهاض محرم باعتباره قتل نفس حتى وإن كان فى إطار الزواج.
وأوضحت أن هناك حالة واحدة يباح من خلالها التخلص من الجنين وهى أن يكون الحمل به خطورة على صحة الحامل، وذلك قبل أن تخلق الروح بداخله أى قبل مرور مائة وعشرين يومًا.