الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أنت حر

أنت حر

بعد رحلة معاناة وصراع طويل مع المرض، رحل الكاتب الكبير (لينين الرملى)، الذى عرفته عن قرب أسريًا قبل أن أعرفه عمليًا، والذى يعد من أهم فرسان مسرح الضحك (إن لم يكن أميزهم) النابع من العقل والتفكير، والبعيد جل البعد عن ضحك دغدغة المشاعر، الذى يستسهله البعض ممن يكتبون للمسرح، ضحك يعطى نفس التأثير التراجيدى الساخر من واقع أمتنا العربية المرير المنقسم على نفسه، الساعى دائمًا للبحث عن حريته وحرية شعوبه، حتى ولو كان عن طريق القوة أو العلم أو العمل أو المال أو الحب أو حتى السياسة، وهذا تحديدًا ما جسده كاتبنا الراحل فى مسرحيته (أنت حر) التى كانت ممنوعة من العرض تليفزيونيًا فى عهد الرئيس الأسبق مبارك، حيث تضمنت بعض المشاهد الساخرة من حال المواطن، الذى يعانى الأمرين فى ظل أنظمة ديكتاتورية.



وهى المسرحية التى قال عنها لينين الرملى فى مقدمتها: إنه لم يكتبها بعد، فكلما نظرت فيها أو شاهدت عرضها أحسست أنها مجرد فكرة أو مشروع لمسرحية، لأمسك بالقلم محاولًا كتابتها من جديد، (أهدى هذه المسرحية إلى جيل آخر)، بالمناسبة كثيرون منا لا يعلمون عن هذه المسرحية شيئًا، رغم أن هدفها السامى كان ينحصر فى تعليم قيم الحرية، هذه المسرحية تحديدًا أراها من وجهة نظرى من أهم أعماله، وهى تناقش رحلة الإنسان من الميلاد إلى الوفاة، أحداثها عكس اتجاه عنوانها، فهى تجسد حياة شاب يدعى عبده عبد العال ويغير والده اسمه (لعبد المأمور) لإرضاء أحد كبار البلدة، لينشأ عبده متمردًا على حياة الظلم والقهر الذى عانى منه منذ طفولته، بفعل والده الذى غرس بداخله كافة الآراء السلبية والتعنت، وسلبه حرية التعبير.

وصورت المسرحية أيضًا جانبًا من جوانب الاضطهاد بوسائل التعليم التى يمارسها بعض المعلمين على طلابهم، كما ألقت الضوء عن فساد بعض الأنظمة السياسية والقمع من ذوى النفوذ بعد وشاية زملائه عنه، مثلما تعرض لقمع من نوع آخر ولكن من رئيسه بالعمل وزملائه، لينتهى به المطاف بمستشفى الأمراض العقلية والنفسية، وهناك ظلم أيضًا حتى يقنعوه بأنه غير عاقل ليقضى بها فترة طويلة، وعندما خرج ليستكمل حياته، تزوج من فتاه ليذوق أعباء الزواج التى يفرضها أولياء الأمور على الشباب، ثم ينهى قصة الحب التى عاشها مع زوجته، بخلافات ثقل الحياة التى تزيد من همومه، وتنتهى المسرحية بتذكره لكل سبل الظلم والقمع وسلب الحرية، التى عاشها فى حياته، والتى تأكدت فى اللوحة الأخيرة من خلال الحوار الذى يدور بين (عبد المأمور) ونجله (حكيم) حيث يرغب فى أن يدفن فى ترب الإمام، ومع إصرار نجله يدفن فى ترب الغفير (دون إرادته) لأنه منذ ولادته لم يختر حياته بحرية، وبالتالى لن يكون حرًا فى اختيار المكان الذى سيدفن فيه.

 بالطبع قضية الحرية هنا طويلة ومتعبة لمن يبحث عنها، وهذا ما كان يسعى إليه (لينين) فى مسرحيته، بل إنه يطالبنا من خلال عمله الفنى بألا نطلب الحرية لأنفسنا فقط، بل لا بد وأن نطلبها أيضًا لمن حولنا، خصوصًا مع من يختلفون معنا فى الرأى، لهذا سعى فى أغلب أعماله باحثًا عن حرية مجتمعاتنا العربية، مطالبًا بالنظر إلى المستقبل بعيدًا عن تحكم بعض رجال الدين، الذين يرون أن الديمقراطية والبحث والعلم لاستشراف المستقبل من أعمال الشيطان، لذلك قدم للمسرح (أهلًا يا بكوات وأضحك لما تموت وعفريت لكل مواطن ووداعا يا بكوات ووجهة نظر وسعدون المجنون)، وقدم للسينما فيلم الإرهابى والبداية الذى رسخ فيه سعيه الدائم لتطبيق الديمقراطية.. ومع هذا ظل المسرح والكتابة له هو عشقه الأول، وهذا ما أكده الناقد الراحل الدكتور على الراعى عندما قال: (إن مسرح لينين الرملى فى ناحية، والمسرح كله فى ناحية أخرى) وقال عنه أيضًا الدكتور (لويس عوض): (مسرح لينين يستحق التحية).

 رحم الله كاتبنا الراحل الذى كانت أعماله سواء مسرحية أو سينمائية، صاحبة موقف واضح مما يدور فى مجتمعنا، متصدية للتطرف والإرهاب الذى ابتلينا به، والتى من خلالها رفض الاستسلام أو المهادنة.