الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أن تكتب إيزابيل الليندى روايةً بعنوان «تُوَيّجَة البحر الطويلة»

أن تكتب إيزابيل الليندى روايةً بعنوان «تُوَيّجَة البحر الطويلة»

أن تحتفى الكاتبة التشيلية الكبيرة كعادتها فى روايتها الجديدة ببابلو نيرودا الشاعر الكبير والمرشح الرئاسى لـ«تشيلى» والذى مات عام 1973، عام مقتل الرئيس الليندى.. وأن تقتفى أثر الساحر «جارثيا ماركيز» كعادتها أيضًا، فهذا ليس كل شيء عن الرواية وعن المؤلفة:



رغم أن الليندى تعيش فى كاليفورنيا - أمريكا - منذ عشرات السنين، فإنها تبدو معزولةً عن أحداث العالم الآنى.. الأحداث التى صارت خارج مخيلتها القديمة.. فروايتها الأخيرة والتى لم تصدر بعد وعنونتها بـ(تويجة البحر الطويلة) تتحدث عن هجرة نصف مليون لاجئ تركوا إسبانيا هروبًا عبر البحر عام 1930 إبان حكم الجنرال السفاح «بينوشيه» إثر الحرب الأهلية الإسبانية ليتم سجن من نجوا من الغرق فى فرنسا: يموت الكثيرون فى البحار وتُغتَصب النساء.. ويعيش الباقون فى معسكرات بلا مياه ولا طعام حتى الموت.

وسوف نتساءل كثيرًا عن الرواية التى لم تأتِ بأىّ ذكر للاجئى منطقتنا والذين عاشوا ذات الظروف من تسعة أعوام ويزيد.. ألم تنتمى الكاتبة لبلاد بيننا وبينها تاريخ واحد من القهر وعوامل مشتركة كثيرة؟

ولسوف نتساءل طويلًا عن الكاتبة التى تحمل الجنسية الشمال أمريكية منذ العام 2003.. الكاتبة والناشطة والإعلامية إيزابيل الليندى التى تركت بلادها بمآسيها وفرت لتعيش فى أمريكا الشمالية، بلاد جلاديها.. البلاد التى صممت كل الانقلابات فى آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية.. البلاد التى قتلت مخابراتها الرئيس سلفادور الليندى - رئيس بلادها المُنْتخب - منذ عام 1970 وحتى عام 1973 فى انقلاب مُعْتَرَفٌ به حسب المذكرات المفرج عنها مؤخرًا من السى آى إيه.. السى آى إيه التى ندمت على اغتيال الليندى وآخرين.

فى حوار أجرته معها محررة النيويورك تايمز Elisabeth Egan الأسبوع الماضى تحدثت إيزابيل بكل الأسى عن موت ابنتها باولا وعن روايتها الأخيرة المزمع صدورها خلال أيام وقد تسلمت أخيرًا من الناشر الهارد كافار للرواية التى كتبتها بالإسبانية وبالإنجليزية فى آنٍ معًا.. لماذا؟ ردت إيزابيل على المحاورة الأمريكية بأنها تكتب الواقعية السحرية بالإسبانية بينما يبدو الأمر مختلفًا كليًا فى النسخة الإنجليزية منزوعة الحلم والسحر اللاتينى.. وبررت ذلك بأن الكتابة بلغتها الأم - الإسبانية - تبدو كالصلاة، كالحب، كالحلم.. وهذا لا يحدث حين تكتب بالإنجليزية.. لأن الخيال يكمن فى العقل الباطن.. وهى تكتب بالغريزة.

إيزابيل الكاتبة المولودة فى بيرو وصاحبة الـ78عامًا و23 كتابًا ما بين الرواية والمذكرات وقصص الأطفال.. لا تتذكر أسماء ولا أعداد كتبها.. لكنها مثلنا لا تنسى رواياتها العظيمة: بيت الأرواح وإيفالونا والحب والظلال وابنة الحظ  وصور عتيقة ومدينة الوحوش والجزيرة تحت البحر ولعبة نازع الأحشاء - روايتها الأخيرة الصادرة 2016 قبل رواية تويجة البحر الطويلة - وغيرها، إيزابيل التى فرت من حكم الجنرال بيونشيه تعيش آمنةً فى بلادٍ تحمل على يدى إداراتها ورؤسائها دماء شعوبها اللاتينية.. وحتى الآن تبدو أيادى أمريكا أكثر تلطيخًا بدماء شعوب العالم أجمع.. حتى الآن لا تزال أمريكا بإدارتيها وكل رؤسائها تحمل أياديهم دماءنا جميعًا.. أمريكا التى ترفض حرية الشعوب وتوظف رؤساءً لحكم البلاد فى شتى أنحاء العالم وتقتل بعضهم وتعزل آخرين.. ويظل يحب العالم أمريكا ويحب الرحيل واللجوء إليها والتشدق بعدلها وشفافيتها كإيزابيل الليندى مثلًا يعنى.

فهل يستحق العالم عن جدارة وعن سبق الإصرار مصيره القاسى والبائس هذا ؟