الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

الكراسي الموسيقية والثورة المصرية

الكراسي الموسيقية والثورة المصرية
الكراسي الموسيقية والثورة المصرية


أي مراقب للمشهد السياسي في مصر الآن لا يملك سوي أن يندهش جدا، بدون الحاجة لتذوق فريسكا أو رؤية الشمبانزي الأصهب يرقص علي أنغام حمدي باتشان، فالتشابه المدهش بين البورتريه السياسي للوطن حاليا مع ثالوث (الحرية والعدالة - مرسي - جبهة الإنقاذ) متشابه بشكل مربك مع بورتريه أقدم قليلا (الحزب الوطني - مبارك - الجمعية الوطنية للتغيير) حتي إنك تشك أن الأمر كله مجرد خدعة تركيب أسماء مختلفة لنفس البضاعة، مثل أحذية أديداس وأديدوس!
ما حدث في العامين الماضيين هو لعبة كراسي موسيقية تبادل فيها بعض الأطراف أدوارهم، والباحث عن التغيير بمناسبة عيد الثورة الثاني سيتعب جدا لأنه «لا جديد تحت الشمس»، مثلما قال حكيم الجامعة منذ أكثر من 3000 عام في العهد القديم.
∎ جماعة الإخوان (كرسي القيادة):
يجلسون الآن في كرسي الحزب الوطني، وينفذون سياساته الحافر بالحافر وبإخلاص «بيريزي» دافئ.. غريب هو أمر هذه الكراسي التي تحول الجالس عليها من النقيض للنقيض (لكم في عصام شرف العبرة والعظة) فتجعل الضحية جلادا قبل أن يرتد إليه طرفه، ربما لهذا السر الغامض جعل أناتول فرانس أحداث روايته «تاييس» تدور في مصر بالذات: تبدأ القصة بعاهرة وراهب كل منهما علي طرفي النقيض، وتنتهي بتبادل الأدوار: العاهرة تاييس قد تابت وأنابت، والراهب بافنوس وقد فقد أي إيمان بالله.. حفظ الله ما تبقي من إيمان الذين يحكموننا، بل لعل تغير أحوال «تاييس» المربك، أوحي بالكلمة العامية تهييس؟.. ربما.. مع الإخوان كل شيء جايز حتي زواج العجايز!
∎ الثوار الأفان جارد (كرسي هزاز):
لم يعد لدي طليعة من خرجوا في 2011 نفس حماس الماضي .. الشعلة التي بداخلهم لا يمكنها أن تظل مشتعلة ثلاثة أعوام متوالية إلا لو تحول صدر كل منهم لمعبد مجوسي.. الآن يلعب أغلب من نزلوا في مجموعات صغيرة يوم 25 يناير دور «الكنبة» بكل سعادة.. هدفهم هو التنكر للعشيرة مادامت لا تعرف قيمتهم (مثلما فعلها عنترة العربي ومن قبله أخيل الإغريقي، بل كل الملاحم الشعبية) أو علي طريقة أحدث علي لسان أمل دنقل:
وها أنا في ساعة الطعان
ساعة أن تخاذل الكماة .. والرماة.. والفرسان
دُعيتُ للميدان
أنا الذي ما ذقت لحم الضان
أنا الذي لا حول لي أو شان
أنا الذي أقصيتُ عن مجالس الفتيان
أدعي إلي الموت .. ولم أدع إلي المجالسة
لكن الأفان جارد الثوري مخزون استراتيجي لا يستهان به، ولو تركناه يستجم ربما يعود لدوره الأصلي.
∎ حزب الكنبة (كرسي بعجل):
وهذا هو ما يسميه الغربيون   peer pressure  أو ضغط الأقران.. فعندما يشتري أصدقاؤك حذاء جديدا من أديداس (أو أديدوس) أو ساعة راقية من سواتش (صعب تكون بتعرف ناس بتشتري رولكس!) ستجد نفسك مضطرا لمجاراتهم فيما فعلوه كي لا تشعر بأنك معزول خارج الجماعة حتي لو كانت معاييرك ضد هذه التصرفات أو الأفكار، لهذا ترك حزب الكنبة - بعد عام ونصف العام من تحمل السخرية بصبر - مقعده الوثير ونزل للشارع في أحداث الاتحادية، وبهذا حل محل «الألتراس» في لعبة الكراسي الموسيقية، لأنه ينزل لمصلحة جماعته فقط وفي قضايا محددة، وليس مثل «الشباب الطاهر» الذي ينزل لصالح المستضعفين في الأرض (هناك سخرية في العبارة الأخيرة لكن الرادار لن يلتقطها)، لكن الكنب معوقون في الكر والفر لأنهم تنقصهم الخبرة والاحتكاك الميداني لهذا فكرسيهم بعجل.
∎ جبهة الإنقاذ (كرسي معسل):
لكل نظام لابد من كرسي معارضة.. هذا الكرسي الذي كان يشغله الإخوان في الماضي أصبح الآن يحمل أسماء بعضها كان جزءا من النظام السابق، أو علي الأقل علي يمينه سياسيا.. الآن يشعر عمرو موسي بمرارة المعارضة، ولعله يخشي اللحظة التي يتجبر فيها النظام الحالي فيعلن أن جبهة الإنقاذ «جماعة محظورة»!
ومثل الإخوان في الماضي القريب بالضبط، تتفاخر الجبهة بتوغل في الشارع لا يمكن قياسه، وبين الحين والآخر تستطيع حشد صوت معارض عالٍ أو مؤتمر صحفي حاشد، لكن السلطة الحاكمة تتجاهله بحكمة موروثة عن الحزب الوطني، وكأنه أوهام «العشاء القبرصي» لسان سيبريان، صادرة عن عقل خدره دخان المعسل.
∎ الألتراس (كرسي كمبيوتر):
هؤلاء هم التطور البيو- سياسي للشباب الطاهر الذي سيجعل داروين مليئا بالفخر، يحلون محل الثوار الآن وكل منهم مزيج من «في» صاحب القناع الشهير و«سان جوست».. لو كان الشباب الطاهر هم الثوار الأحرار فالألتراس هم (الثوار الأحرار V 2 ) أو الأبجريد كما تقول لغة الكمبيوتر.. لن يجدهم أي نظام لقمة سائغة، وخير ما فيهم أنهم غير محسوبين علي أي طرف وليسوا «مسيسين»بالمعني القذر للمصطلح.. قد تتفق أو تختلف مع ما يفعلونه، لا يهم هذا، لكنك لا تختلف علي أنهم يمثلون التجسيد الوحيد حاليا لفكرة الثورة، التي يعتقد الكثيرون - وأنا منهم بالمناسبة - أنها انتهت!
∎ مكتب الإرشاد (كرسي البابا):
في العامين الماضيين كان من يحكم مصر حقيقة هو المجلس العسكري، ولأننا شعب يحب العمل الجماعي فقد نهض المجلس العسكري من كرسي القيادة بعد سماعه بدء عزف موسيقي (موسيقي الصناديق بالذات أو الـmusic box) وبمجرد انتهائها جلس محله مكتب الإرشاد.
∎الإعلام الحكومي (كرسي بلا ظهر):
ونختتم بالتيار الوحيد الذي «غش» وظل علي كرسيه في هذه اللعبة الجديدة، فبعد أن كان الإعلام الحكومي يسبح بحمد نظام مبارك، تغيرت بوصلته 180 درجة وصار يقدس أسماء الإخوان الحسني بنفس الورع، بدون أن تهتز له خلجة.. لهذا يشعر الإنسان بالفخر لأنه يعمل في مؤسسة حكومية مثل «روزاليوسف»، تقول للحاكم الأعور إنه أعور بلا خوف، لأنها تدرك أن الكراسي زائلة حتماً، فور توقف الموسيقي.