الخميس 24 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
ثنائية «الحزن والضحك»

ثنائية «الحزن والضحك»

«لقد أتيت بشريعة الضحك.. فيا أيها الإنسان الأعلى تعلم كيف تضحك». العبارة السابقة كتبها الفيلسوف الألمانى الشهير «نيتشه» فى كتابه «هكذا تكلم «زارا ديشت» والعبارة تحتوى على مفارقة مدهشة يمكن أن نصوغها على هيئة سؤال جوهرى هو: من أين جاء «نيتشه» بشريعة الضحك؟!.. لقد كان من الأجدى أن يقول: لقد أتيت بشريعة التشاؤم.. الاكتئاب.. الكراهية.. الوحدة.. لا جدوى الحياة.. والسقوط فى العدم.. عبث الوجود.. الفناء والتلاشى.. الشك فى كل العقائد. لقد كان «نيتشه» يعانى من (بارانويا جنون العظمة) أو هذاء العظمة وهى حالة مرضية ذهانية يمكننا من خلالها أن نفسر أسباب شططه وجموحه، حيث كان يعتقد أنه أعظم وأذكى من أى مخلوق فى العالم وقد يتصور أنه نبى من الأنبياء ولديه قوى خارقة أو سحرية لتغيير العالم.. وكتاباته يحتقر فيها الشعب ويصفه بالقطيع.. فهو يعلى من إرادة القوة وأخلاق السادة فى مواجهة أخلاق العبيد المستضعفين. عاش «نيتشة» غارقًا فى العدمية.. وحيدًا بلا أصدقاء.. أعزلًا يأكل نفسه بنفسه.. أليس هو القائل (لم يعد أحد يحبنى.. فكيف أحب الحياة) ولقد انتهى بى هذا التطرف إلى مصحة عقلية. على الجانب الآخر فإن هذه الازدواجية بين التبرم والاكتئاب والقنوط.. وبين الضحك والبهجة والسرور ليس استثناء ينفرد به «نيتشه» ذلك لأن ازدواجية أو ثنائية (الحزن والضحك) نلمسها كمصريين على مر التاريخ.. فالفراعنة كانوا يقضون نصف عمرهم فى الاستعداد للموت عن طريق بناء المعابد والمقابر. بل إن الملوك «خوفو» و«خفرع» و«منقرع» بنوا الأهرامات كى يدفنوا فيها.. وقد كان المصريون القدماء يستغلون أرقى فنونهم وعلومهم فى جعل معابدهم ومقابرهم جميلة.. وقادرة على البقاء الطويل ومقاومة الزمن.. إنهم فى الوقت نفسه يخافون الموت.. ذلك الكائن البشع.. فلم يجدوا أمامهم إلا أن يحاولوا استثناءه وجعله موتًا جميلًا أنيقًا.. وأعظم ما بقى إلى اليوم من آثار المصريين القدماء: المعابد والقبور.. مما يدل على أن روح الحزن كانت عميقة فى نفوسهم إلى حد بعيد.. لكن رغم ذلك فقد احتفظ المصريون حتى فى تلك الأيام بروح النكتة والسخرية والمرح حتى أن هناك مؤرخًا قديمًا وصفهم بقوله: إنهم شعب لاذع القول.. روحه مرحة. وعلى سبيل المثال هناك نحت بارز على جدار بصور ما يشبه الكاريكاتير الساخر لفأر صغير.. يطارد قطًا كبيرًا مفترسًا.. والقط يفر من أمامه مذعورًا. فما سر هذا التناقض؟!.. وكيف يجتمع الفرح العميق والحزن العميق فى نفس واحدة؟! يقول «رجاء النقاش» فى كتابه الممتع «تأملات فى الإنسان»: من النظرة الأولى تبدو المسألة غريبة.. ولكن الحقيقة أن الابتسام والفرح هما أرقى تعبير عن الحزن العميق الأصيل.. إن الحزن هو وليد التجربة الكبيرة والخبرة بالناس والأشياء.. إنه دليل على المعرفة العميقة بالحياة.. والمعرفة هى قلق عظيم.. والإنسان كلما ازدادت خبرته وتجاربه تبين أن الدنيا تنطوى على مأساة.. كل شيء يفلت من اليد ويضيع.. الزهور تذبل والوجوه الجميلة تتغضن والعواطف الحلوة والأطفال والأصدقاء.. كل شيء له محطة يقف عندها ويتلاشى ويذوب.. وباطل الأباطيل الكل باطل وقبض الريح.. لكن إذا كان الحزن دليلًا على المعرفة والفهم فالفرح والابتسام هما دليل على احتمال الحياة.