الأحد 11 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
الضعف يضرب أركان دولة البطالمة

الضعف يضرب أركان دولة البطالمة

استكمل الملوك البطالمة ما بدأه الإسكندر الأكبر فى مصر من خلال منظور واقعى سعى إلى تكوين إمبراطورية وراثية فى الشرق الأدنى القديم، ودخلت مصر خلال ذلك العصر فى صراعات وتحالفات عديدة مع القوى الدولية الفاعلة فى المنطقة. ولعبت دورًا عسكريًا متميزًا فى أحيان كثيرة، ومالت إلى استخدام الدبلوماسية وتبادل الهدايا مع القوى الخارجية المحيطة بها كى تؤّمن مصالحها فى المنطقة، ومُنيت بالهزيمة فى أحيان أخرى.



تغير النظام الإدارى فى مصر عما كان الوضع عليه فى نهايات العصر الفرعوني، واختلف النظام الاقتصادى فى مصر، وحدث انتعاش اقتصادى كبير، وأيضًا انتكاسات فى بعض الأحيان وفقًا لقوة أو ضعف الملك البطلمي، وتنوع المجتمع فى مصر بشكل كبير فى ذلك الوقت، وتنوعت العناصر البشرية الفاعلة فيه، ووصلت مصر إلى مستوى ثقافى متقدم، وأصبحت مدينة الإسكندرية ومكتبتها العامرة من أهم المراكز الثقافية والحضارية فى عالم البحر المتوسط. وكما سلف القول، مات بطلميوس الخامس إبيفانس تاركًا حكم مصر لزوجته كليوباتر الأولى وولدين وبنت، فانتقل الحكم إلى ابنه الأكبر بطلميوس السادس الذى حمل اسم  فيلوميتور أى «المحب لأمه». ولما كان فى مرحلة الطفولة بعد، فكانت أمه الملكة كليوباتر الأولى الوصية عليه، وعندما ماتت، انتقلت الوصاية إلى اثنين من عبيد القصر المحررين: يولايوس ولينايوس.

 

حاكم سوريا يغزو مصر

حين بلغ بطليموس السادس سن الرشد، تزوج من أخته كليوباترا الثانية، وتوج عام 172 قبل الميلاد ولم يكن قد بلغ سن الخامسة عشرة بعد، أصبح ألعوبة فى يد الوصيين والموظفين، فتشجع حاكم سوريا أنتيوخس على غزو مصر، بل وصل إلى حدود الإسكندرية التى تمكنت من مقاومته على الرغم من وقوع الملك فى الأسر وانتقال الحكم إلى أخيه بطليموس الثامن. انتهت غزوة حاكم سوريا بقبول وساطة بعض السفراء الأجانب فى مصر، ولكنه ما لبث أن نقض الاتفاق وعاد إلى مصر غازيًا، فتدخلت روما وأعلنت نفوذها فى مصر ورسم المندوب الرومانى دائرة على الأرض حول الملك السورى وطلب منه الخروج من مصر والرد قبل الخروج من الدائرة، وعندئذ لم يكن أمام الملك السورى سوى الانسحاب. وبمجرد خروج حاكم سوريا قامت الثورة فى الإسكندرية، ويبدو أن زعيم الثورة كان ذا أصول مصرية غير أن الملك الذى خرج من الأسر تمكن من إيقاف هذه الثورة بمساعدة شقيقه الأصغر. لكن هذا الأخير ما لبث أن أعلن نفسه ملكًا على البلاد وطرد أخيه الذى لم يكن أمامه سوى اللجوء إلى روما التى أصبحت من ذلك العصر قبلة الملوك الفارين، وتشير المصادر إلى أن الملك بطليموس السادس دخل إلى روما بملابس بالية لكسب عطف الرومان. ويقال أنه أقام فى بيت تاجر إسكندرى يعيش فى روما بعد أن فر إليها، الأمر الذى يدل على سوء الأوضاع الاقتصادية فى مصر آنذاك. وكان الشقيق الأصغر الذى حمل الرقم ثمانية فى قائمة الملوك البطالمة غير أنه قام بالعديد من الأعمال السيئة التى أغضبت المصريين فثاروا عليه، وانتهزت روما الفرصة وأعادت بطلميوس السادس إلى الحكم فى مقابل أن يتولى بطليموس الثامن حكم برقة، ولكنها فى نفس الوقت، حرصت على ترسيخ المبدأ الشهير فرق تسد، فجعلت كل أخ فى حالة تحفز ضد أخيه.

 

بطليموس السادس يسترضى المصريين

قام بطليموس السادس بالعديد من الأعمال فى المعابد المصرية لكسب ود المصريين ولكن الموت لم يمهله حيث مات أثناء حملة على سوريا لمحاولة استعادة جوف سوريا، تاركا خلفه طفلاً صغيرًا تحت وصاية أمه كليوباترا الثانية، وذلك الطفل كان يعتقد عدد من الباحثين أنه بطليموس السابع، ويطلق عليه الآن اسم «بطليموس المنفى» وأنه لم يتخط مرحلة الطفولة. وعلى  كل الأحوال، فإن ذلك الطفل اشترك فى الحكم مع أمه، غير أن عمه تمكن بمساعدة اليهود من العودة إلى مصر وقتل ابن أخيه وانتقل إليه العرش واتخذ لقب يورجيتيس الثاني. وكانت بداية حكم هذا الملك غير مبشرة بالخير على الإطلاق؛ فقد قتل ابن أخيه، وتزوج من كليوباترا الثانية أرملة أخيه، وبلغ به التهور أن اغتصب ابنة أخيه كليوباترا الثالثة وتزوجها بعد ذلك، وأدت هذه الأحداث إلى ثورة فى البلاد، ولم يتحملها الملك، فهرب هو وكليوباترا الثالثة، ولم يستمر الملك كثيرًا خارج البلاد، فساعدته روما على العودة إلى البلاد، ومعه ابنة أخيه التى أصبحت زوجته، كما سلف القول، ولم تتحمل أرملة أخيه، كليوباترا الثانية، الوضع فلجأت إلى إنطاكية. وانتهى حكم مصر البطلمية نهاية مأساوية برحيل كليوباترا السابعة وتحول مصر إلى جزء من الإمبراطورية الرومانية ثم البيزنطية التى دخلها العرب المسلمون وأصبحت مصر دولة عربية إسلامية.

 

الإسكندرية عاصمة العالم

ولقد حوّل الملوك البطالمة مدينة الإسكندرية إلى مدينة ثقافية عالمية وأصبحت فى عصرهم عروس البحر المتوسط بحق وحاضرة العالم القديم، وانتقلت قيادة العالم اليونانى الثقافية إلى مدينة الإسكندر الجديدة، وكما أراد لها مؤّسسها أصبحت كما شاء وفى فترة زمنية قصيرة. وفى مدينة الإسكندرية، تأسست جامعة، جلب الملوك البطالمة لها كبار العلماء فى كل فرع من فروع المعرفة الإنسانية، وطوروا الديانة المصرية القديمة وفق الفكر العالمى الهيللينستى وقدّموها للعالم الذى كان يعيش فراغًا روحياً كبيرا آنذاك. وبإنشاء البطالمة للموسيون (ويعنى «دار ربات الفنون»)، الذى كان مركزًا للدراسة والبحث، ألحقوا به مكتبة كبيرة جمعوا فيها الكتب بكميات كبيرة جدًا، وكان المؤّسس للموسيون هو الملك بطليموس الأول سوتير. وتعلم فيها أغلب علماء الإغريق مثل العالم الرياضى والهندسى إقليدس، أرشميدس صاحب قانون الطفو، وإراتوسثنيس، صاحب المحاولة الكبرى لقياس محيط الكرة الأرضية ، الذين كانوا من علماء الإسكندرية فى العصر البطلمى.

 

بداية الضعف ثم الانهيار

ويمكن القول أنه بموت الملك بطليموس الثامن، بدأ الانهيار الشامل يعمّ البلاد والأحوال تسير من سيئ إلى أسوأ، وكانت روما تعمل دائمًا على فرض نفوذها على مصر والاستيلاء على ما تبقى من ممتلكاتها فى الخارج، وربما الذى ساعد أكثر على ذلك التصرف غير العقلانى الذى قام به  كليوباترا الثالثة خمسة أبناء: ولدان وثلاثة من الأبناء، وترك لها حرية تولية العرش لمن تريد بعد وفاته، ومن إحدى المحظيات، كان له ابن اسمه بطليموس أبيون الذى تولى حكم برقة، وكتب وصية أن تؤول برقة إلى روما بعد وفاته. أما فى مصر، فحكمت العواطف الشخصية اختيار الملكة الأم لأحد أبنائها لتولى الحكم؛ فنقلت الحكم إلى ابنها بطلميوس التاسع الذى حمل لقب سوتير الثاني، وزوّجته من أخته كليوباترا الرابعة التى كانت تمتلك طموحًا كبيرًا لم تقبله الأم التى طردت هذه الفتاة من مصر، وزوّجت ابنها من أخته كليوباترا الخامسة، غير أن الأم هذه المرة غضبت من الابن نفسه؛ فطردته إلى قبرص، وعينّت بدلاً منه ابنها بطليموس العاشر الذى حمل لقب الإسكندر الأول، ولكنه لم يكن ملكًا عادلاً من ناحية، ومن ناحية أخرى كان المصريون يمتلكون الجرأة للثورة ضد أى ملك ظالم. وبالفعل ثاروا ضد بطلميوس العاشر، الذى انفرد بالحكم بعد موت أمه، وطردوه خارج البلاد حيث مات. وعاد بطليموس التاسع مرة ثانية إلى الحكم، وليس له أية أعمال تُذكر سوى السعى الحثيث لإرضاء المصريين الثائرين أبدًا والذين كانوا يعترضون على أى عمل للملك حتى لو كان صحيحًا، وترك بطليموس التاسع الحكم لزوجته؛ إذ لم يترك أبناء، غير أن هذه الزوجة لم تستقر طويلاً على العرش إذ ماتت، وأصبح حكم مصر فارغًا، وهنا تدخلت روما بقوة، وأعلنت عن وجود ابن لبطلميوس العاشر فى روما، وأن هذا الابن من حقه العرش.