
محمد جمال الدين
التسييس الدينى للنقاب واللحية
دأبت الجماعة الإرهابية ومن يسير فى فلكها، أن تخرج علينا بين الوقت والآخر، مرة ناصحة ومرة أخرى متوعدة، ومرات ناشرة لأجواء الفتنة فى مجتمعنا، مستغلة فى ذلك استثارة المشاعر الدينية، التى اعتقد القائمون عليها أنها وسيلة مهمة لهدم أركان الهوية المصرية ومن خلفها الدولة.
آخر خزعبلات الجماعة التى أدمنت استغلال طيبة وسماحة المصريين ، تجلت بوضوح فى واقعة تعيين سيدة منتقبة مديرًا لقصر ثقافة كفر الدوار، (بالمناسبة أنا لا أناقش شرعية النقاب من عدمه) فهى قضية محسومة بحكم قضائى وقت صدور قرار بمنع ارتداء النقاب فى المؤسسات التعليمية، وننتظر تطبيقه فى الأماكن العامة والمؤسسات الحكومية والأهلية، وهذا ما تبناه مؤخرًا عدد لا بأس به من أعضاء البرلمان المصرى، خاصة أن علماء الأزهر ومشايخه أعلنوا أن النقاب ليس فرضًا أو سنة، لذلك أصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارًا بحظر ارتداء النقاب فى قاعات الدرس بالأزهر، ورغم جُل هذه البراهين والحجج، فإن الجماعة المحظورة ومن يتبعها من الجماعات السلفية ترى أن استبعاد السيدة المنتقبة من المنصب تم بسبب نقابها، (وهنا أيضا لا نناقش مدى أحقيتها فى المنصب من عدمه) ولكن نناقش مدى صلاحية سيدة منتقبة فى التواصل مع الأطفال المترددين على قصر الثقافة، إنسانيًا ووجدانيًا يستلزم معه وجود مشاعر وأحاسيس وود متبادل بين من يلقى ومن يتلقى، خصوصًا فى السن الصغيرة التى تتطلب اتصالًا مباشرًا، من المؤكد أن النقاب يمنع بل ويحول تماما دون إجراء هذا الاتصال، ولكنه الغرض الذى تحول إلى مرض لدى أمثال هؤلاء الذين ابتليت بهم مصر، أصحاب نظريات الدين الشكلى والفتاوى المصنعة خارج حدود الوطن، لبث الفتنة والفرقة بين أبناء الشعب الواحد، هؤلاء هم من يصدرون للخارج أن مصر قيادةً وشعبًا ضد المنتقبات وبالتبعية ضد الدين، (الذى هو براء منهم ومن أمثالهم)، معتقدين أن ذاكرة المصريين قد أصابها الوهن، مع العلم أنها قوية وتتذكر جيدًا ماذا فعل بهم هؤلاء، وقت تولى بعضهم شئون البلاد فى غفلة من الزمن، حين خرج علينا بعض ضباط الشرطة مطلقين علينا لحاهم، على اعتبار أنهم يطبقون الشرع، وكأن غيرهم يحكم بالهوى، مستغلين فى ذلك تواجد من ينوب عنهم فى حكم البلاد، متناسين عن قصد وتعمد أن هناك قواعد عامة وآدابًا لا بد وأن تراعى وتطبق على جل من يعملون فى جهاز الشرطة، وعندما تصدت لهم أجهزة وزارة الداخلية افترشوا الأرض معتصمين على سور الوزارة للى ذراع الدولة، فى منظر مخجل لجل من يعمل فى هذا الجهاز، وقتها لجأ بعضهم للقضاء، الذى لم ينصفهم،لأنه يحكم طبقا لقواعد وآداب عامة تسير العمل فى جهاز الشرطة، لا بد وأن يتم الأخذ بها وتعد من أساسيات الالتحاق بهذا الجهاز المهم.
أمثلة العبث والهدم للهوية المصرية عديدة ومتنوعة، ولا تنحصر فقط فى ارتداء النقاب أو إطلاق اللحى، ويوميًا لا تكف مثل هذه الجماعة وأتباعها عن الخروج علينا ببدع جديدة لم يسبق أن عرفها مجتمعنا من قبل، مثل تغطية التماثيل لأنها تثير الفتن، أو الموافقة على زواج القاصرات، وضرورة إجراء الختان للإناث ضمانًا للعفة، جميعها أمور تندرج تحت بند التسييس الدينى لأمور شكلية الغرض الوحيد منها إثبات الوجود، ومطلوب منا تقبل مثل هذه الأشكال والفتاوى الشكلية، التى ليس لها أى أساس فى الدين الحقيقى الذى يعتنقه المصريون الحقيقيون، المحبون لوطنهم ويخافون عليه، ومستعدون للتضحية من أجله ضد جل آثم وصاحب غرض ومرض.