قصور «بارونات النيل» فى حماية العشش الصفيح!

يعد مخطط تطوير «جزر النيل» أحد أكثر الملفات الشائكة بالنسبة للحكومات المتعاقبة، كلما اقتربت الحكومة منه اشتعل لهيب الجدل حوله، لما فيه من تقاطعات اجتماعية وسياسية واقتصادية، ولا تنحصر مشكلة تلك الجزر فقط فى سيطرة بعض رجال الأعمال  على أجزاء منها لاستغلالها أو تشييد قصور وفيلات لهم عليها، بل إن جانبا مهما فى تلك المشكلة يتمثل فى تكتل أصحاب العشوائيات التى يمتلئ بها عدد من تلك الجزر مع أصحاب النفوذ ليمثلوا قنبلة موقوتة يصعب نزع فتيلها أمام مخططات الدولة لتطهير  تلك الجزر واستغلالها بما يتناسب وطبيعتها كمحميات طبيعية.كشفت مصادر رسمية بوزارة الموارد المائية والرى لـ«روزاليوسف» أن التشابك فى الولاية على أراضى طرح النهر والجزر النيلية بين الوازارت الحكومية كان وراء تضخم العشوائيات والاستيلاء وبناء الفيلات والقصور للأغنياء بالجزر النيلية وفى حرم نهر النيل على الضفتين، إذ إن أراضى طرح النهر والجزر كانت تائهة بين وزارات الزراعة والرى والبيئة والتنمية المحلية، مؤكدا أن الأغنياء بتلك الجزر كانوا يتسلحون  بأموالهم وبالفقراء من أصحاب العشوائيات فى معركة الحفاظ على ممتلكاتهم التى أقاموها على أراضى جزر نيلية بمثابة  محميات طبيعية.  وأكد المسئول الحكومى أن العشوائيات السكنية بهذه الجزر تسمم مياه النيل بمخلفات الصرف الصحى، وأن أغلب الصرف بهذه الجزر يكون إما بالصرف على النيل مباشرة أو بتخزينها فى خزانات مياه تختلط بمياه النيل، وأن الجزر النيلية المأهولة بالسكان من جزيرة الوراق والدهب والقرصاية عائمة على بحر من مياه الصرف الصحى.وهناك 114 جزيرة فى نيل مصر صدر لها قرار حكومى بتصنيفها كمحميات طبيعية، منها 95 جزيرة بالوجه القبلى تبلغ جملة مساحتها 32500 فدان، ويحوى فرع رشيد 30 جزيرة بجملة مساحة 3400 فدان، ويحوى فرع دمياط 19 جزيرة بجملة مساحة 1250 فدانا، وتتميز هذه الجزر بمواقع استراتيجية تتوسط النيل، مما رفع من أسعار الأراضى بها، وذلك ناهيك عن التربة الزراعية لتلك الجزر التى لا مثيل لها، واستبدل فى غفلة من القوانين لسنوات طويلة النشاط الزراعى عليها إلى نشاط سكنى، فباتت الدولة تنفق المليارات فى الصحراء من أجل الاستصلاح بينما تذهب أجود الأراضى الزراعية بتلك الجزر إلى أصحاب القصور أو أصحاب العشش الصفيح.المصادر الحكومة أكدت لـ«روزاليوسف» أن هناك ملوكًا يتربعون من سنوات على عرش الجزر النيلية من رجال أعمال وساسة, ولفت المصدر إلى أن هناك أسماء أخرى تعد فى قائمة ملوك الجزر النيلية غير المأهولة بالسكان، وخاصة فى منطقة بارونات النيل «منيل شيحة»، كما شدد على أنه تم إزالة جميع تعديات الردم والبناء التى كان قد قام بها بعضهم على الجزر التى فى حوزتهم ويقومون باستغلالها بموجب عقود قديمة بنظم حق الانتفاع، إلا أن هذه الجزر تقع ضمن مخطط الدولة للتطوير.وأكد مسئول سابق فى قطاع حماية النيل بوزارة الموارد المائية والرى أن خطايا الحكومات المتعاقبة منذ ظهور الجزر قبل أكثر من 4 عقود، هى الأساس فى تفاقم المشكلة وصعوبة التعامل معها حاليا، والتى كانت تارة بإهمال تلك الحكومات إيجاد آليات التعامل مع التعديات فى مهدها وإزالتها، ووضع التشريعات الصارمة فى التعامل مع التعديات على أراضى النيل، بينما تارة أخرى كانت الحكومات السابقة تجامل كبار رجال الأعمال المصريين والعرب، ورجال السياسة وأصحاب النفوذ بتقنين تعدياتهم على طرح النهر والجزر النيلية واستصدار تراخيص استثنائية لهم تسمح لهم بتقنين تعديات على النيل إلى مساكن خاصة فى شكل قصور وفيلات واستراحات، وتغض النظر عن هذه التعديات إلى أن أصبحت أمرا واقعا يصعب وتم متاخمتها بأسوأ أشكال العشوائيات.وأضاف ذات المصدر أنه فى أعقاب ثورة  يونيو نجحت الدولة فى التعامل مع أبرز التعديات الفجة لكبار رموز الدولة، وأبرزها فيلا فاروق حسنى بمنيل شيحة، واستراحة لعائلة رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف، إلا أنه مازالت هناك مزيد من المنشآت التى يمتلكها البعض فى حرم النيل والجزر ما زالت صعبة لإزالة بسبب التصاريح  الاستثنائية التى تم منحها لهم بالمخالفة للقانون فى عهد الحزب الوطنى.ووفقا للمصدر فهناك 3 قصور لعائلة رجل الأعمال «ص.د» بمنيل شيحة وإلى جانبها فيلا لـ«م.أ» رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المعروفة، ورجل أعمال خليجى «ن.خ»، و«م.ف»، و«أ.ق»، و«ح.ر».وهناك 5 جزر مهمة تقع فى نطاق القاهرة أبرزهما: «جزيرة محمد»، ومساحتها 5 كيلومترات ويسكنها منذ عقود عائلات بعض الصيادين من الفيوم ثم توالت عمليات النزوح إليها للعائلات التى أغلبها من الفيوم إلى أن تضخمت بها العشوائيات السكنية من عشش وبيوت وفيلات، وجزيرة «القراطيين»، بمنطقة أوسيم بالجيزة وتبلغ مساحتها  كيلو متر ويسكنها ما يزيد على 6 ملايين نسمة، ولا يوجد بها خدمات للصرف الصحى ويتم التخلص من صرفها بواسطة الأهالى بالنيل، ولا يوجد إلا معدية متهالكة تعبر بسكان الجزيرة من وإلى البر .وتأتى جزيرة الوراق، والتى تعد صاحبة المساحة الأكبر  على مستوى جزر الجمهورية، حيث تبلغ مساحة الجزيرة التى تقع على ضفاف النيل 1600 فدان، والتى يبلغ عدد سكانها حوالى 60 ألف مواطن، وهى صاحبة الصف المباشر على النيل نتيجة عدم وجود صرف صحى لخدمة الأهالى بها.جزيرة القرصاية ومساحتها حوالى 107 أفدنة، تمكنت أجهزة الدولة من وضع يدها على الأراضى غير المستغلة بالجزيرة، بينما ما زالت هناك أجزاء من الجزيرة يسيطر عليها الأهالى بوضع اليد، وتعد الجزيرة أحد أبرز مشاهد متاخمة الفقر المدقع لأصحاب البيوت الطينية التى تتاخمها فيلات على أحدث الطراز للأغنياء.جزيرة الدهب وتبلغ مساحة الجزيرة نحو ألف فدان، ويسكنها 18 ألف مواطن، على الرغم من مساحتها وعدد سكانها الكبير، فإنها أيضا ليس بها خدمات صرف صحى والنيل يبتلع مخلفات سكانها، فبعض الأسماء المعروفة تمتلك أراضى زراعية وفيلات على أرضها، يقومون بتأجيرها للفلاحين.وبخلاف الجزر الكبيرة المأهولة بالسكان فى القاهرة، وبعد المرور على منطقة ملوك الجزر فى منيل شيحة، فهناك عدة جزر صغيرة أيضا ناحية منطقة المعصرة بالقرب من حلوان تسيطر عليها بعض العائلات بنظام وضع اليد وتدفع حق انتفاع لوزارة الزراعة نظير استغلالها للصيد فنجد جزيرتين بمساحة كيلو متر مربع بالبر الشرقى بنيل طرة وتقوم عائلة أولاد شديد بتوارثها بنظام الانتفاع لاستغلالها فى أعمال الصيد، وهناك أيضا عائلة الشيخ عتمان فى المعصرة والتى تقوم باستغلال جزيرة بالمعصرة فى أعمال الصيد، إلى جانب جزيرة تسمى «الشوبك» بمنطقة كوبرى المرازيق يقوم باستغلالها بنظام وضع اليد أيضا بعض عائلات الصيادين بالمنطقة.ومن جانبه، أكد المهندس محمد السباعى المتحدث باسم وزارة الموارد المائية والرى لـ«روزاليوسف» أن الوزارة معنية بالدرجة الأولى باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد أى تعديات على أراضى طرح النهر باعتبارها أراضى ملك للدولة وتدخل فى حرم نهر النيل ولا يجوز البناء عليها بأى شكل من الأشكال.وأضاف أنه بالنسبة للجزر النيلية فإن الوزارة لها مسئولية تشاركية مع باقى أجهزة الدولة فى مخطط تطوير الجزر، وتعمل أجهزة الوزارة على تنفيذ أدوارها المنوطة بها وفقا لاستراتيجيات وقرارات رسمية.