السبت 1 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

إمام الاشتراكيين

إمام الاشتراكيين
إمام الاشتراكيين


لا يزال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أكثر القادة العرب إثارة للجدل والتساؤلات، رغم مضى قرابة 49 عامًا على رحيله، لذا يحاول كثير من الخبراء والمحللين السياسيين فك ما يمكن تسميته بـ«شفرة جمال» التى كانت سببا فى تعلق كل العرب ودول الشرق الأوسط به.

وتستمد شخصية «عبد الناصر» قوتها من كونه القائد العربى الأكثر تأثيرا فى التاريخ، ولدفاعه عن القضية الفلسطينية حتى وفاته، ولعبه ببراعة ودهاء مع كل من موسكو وواشنطن، وقدرته على التفاوض معهما لتحقيق ما يريد دون المساس بمبدئه الرئيسي: القومية العربية.
وألقت صحيفة «لوفيجارو» الفرنسية الضوء على مقتطفات من الكتاب الفرنسى «Le socialisme arabe» أو «الاشتراكية العربية»، الصادر فى العام الجارى عن دار النشر «Le Bord de l’eau» للكاتب السويسرى الشهير جان زيجلر، نائب رئيس اللجنة الاستشارية لمجلس حقوق الإنسان فى الأمم المتحدة.
ووضع الكاتب السويسرى اسم الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر بجانب اسمه على غلاف الكتاب، والذى استعان فيه بالخطب الحماسية التى طالما ألقاها «ناصر» خلال فترة حكمه، راصدًا ملامح كاريزمته غير المسبوقة، وأبرز وأخطر قراراته وعلى رأسها تأميم قناة السويس، فضلا عن سياساته ضد جماعة الإخوان الإرهابية.
ووصف الرئيس جمال عبد الناصر بأنه «رجل قومى وخصم عنيد للاستعمار»، والذى حرص على أن يكون حكمه لصالح المواطن المصرى وحقه فى العيش بكرامة، مستعرضًا رحلة حياة الزعيم الراحل وصولًا إلى تقلده الحكم فى مصر، وتطبيقه «نموذج اشتراكى عربى» ومحاولة نشره بين أشقائه من العرب.
وجاء فى الكتاب: «بالنسبة للشعوب العربية والإفريقية دمر جمال عبدالناصر إلى الأبد صورة المستعمر العنيف المسيطر، وطالب بالمساواة بين جميع المواطنين فى العالم، ما سمح لشعب مصر وغيره من شعوب القارة الأفريقية باستعادة الكرامة والثقة فى النفس».
وقسم «زيجلر» كتابه إلى قسمين، الأول بعنوان «جمال عبدالناصر.. الصحوة العربية»، والثانى جمع فيه العديد من الخطب التى ألقاها الرئيس الأسبق، فى فترة حكمه.
وفى الجزء الأول، قدم سيرة ذاتية عن عبدالناصر فى فترة الشباب، ورحلة صعوده إلى سدة الحكم، وقال: «جمال عبد الناصر ولد فى 15 يناير 1918 لأبوين من الطبقة الوسطى فى صعيد مصر، ثم انتقل إلى الإسكندرية حيث نشأ، إلى أن انضم إلى الكلية الحربية فى أواخر ثلاثينيات القرن الماضى، وشارك فى تشكيل ما سمى بـ«الضباط الأحرار».
وتطرق إلى أفكاره وانتماءاته السياسية فى بداية عمره، حيث التأثر بـ«الماركسية» و«القومية» وحتى جماعة الإخوان، مشيرًا إلى أن من بين الأمور التى أثرت فيه بشكل كبير الإنذار الذى وجهته بريطانيا العظمى للملك فاروق لإشراك مصر فى الحرب ضد ألمانيا، وبما حدث فى حرب فلسطين عام 1948، والذى اعتبره الجيش «خيانة عظمى» للضباط، وصولًا إلى تحركه مع «الضباط الأحرار» فى ليلة 23 يوليو 1952، وإعلان الجمهورية فى العام التالى،وما اندلع من صراعات بينه ومحمد نجيب.
وأشار إلى قراره بتأميم قناة السويس، والذى تحل ذكراه الـ63 فى يوليو المقبل، موضحًا: «فى العام 1956 برزت الاشتراكية العربية التى عملت على تحالف الطبقات الاجتماعية، وتجسدت فى تأميم البنوك والشركات الأجنبية وعلى رأسها قناة السويس»، لافتًا إلى أن ذلك جاء بالتزامن مع قانون الإصلاح الزراعى الذى سمح بإعادة توزيع جزء من الأراضى الصالحة للزراعة على الفلاحين الفقراء، فضلًا عن قيادة مصر لحركة «عدم الانحياز» آنذاك.
وفى الجزء الثانى،استعرض الكاتب بعضًا من خطابات «عبدالناصر»، ومنها الذى ألقاه بالإسكندرية فى 26 يوليو 1956، وقال: «تحدث ناصر فيه عن ثورة يوليو، والدعم الثابت الذى يقدمه للقضية الفلسطينية، ثم انتقل إلى العلاقات المتضاربة بين مصر والدول الإمبريالية، ومحاولة الحكومة المصرية شراء الأموال اللازمة لبناء السد العالى».
وفى هذا الخطاب، عرض «ناصر» بكل وضوح «كيف فرضت الدول الإمبريالية شروطًا قاسية على مصر، مثل ترخيص البعثات العسكرية البريطانية»، وقال :«إن الاتحاد السوفيتى وحده هو الذى يقدم المساعدة المالية لمصر دون شروط مُقيدة، وفى نهاية كلمته فاجأ الجميع بالحديث عن مصدر آخر لتمويل السد: تأميم قناة السويس».
وفى خطاب آخر، تحدث «عبد الناصر» عن الاشتراكية، وحاول إثبات تقاربها مع الإسلام، موضحًا: «الغرض من الاشتراكية كان استعادة حقوق وإنسانية العمال والفلاحين، ومن يعارض ذلك هم الرجعيون الذين يحاولون استغلال الدين للسيطرة على الشعوب».
وأشار الكاتب لإلقاء «عبدالناصر» الضوء على مقابلته مع حسن الهضيبى،المرشد العام لجماعة الإخوان، آنذاك، وكيف أن الأخير طلب منه فرض الحجاب الإلزامى، ليفاجئه الرئيس بقوله: «ابنتك الطالبة فى كلية الطب ليست محجبة!».
ورأى «زيجلر» أن الرئيس الراحل اتخذ موقفًا مساندًا لتحرير المرأة المصرية وحقها فى العمل، وواجه جماعة الإخوان فى ذلك، ووصفها بأنها «فاشية دينية»، قائلًا عن عناصرها: «نعلم أن إسلامهم ليس سوى خدعة لغسل أدمغة الناس واستغلالهم».
وعن «اشتراكية عبدالناصر» على وجه التحديد، قال الكاتب: «كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالشعور المناهض للاستعمار والإمبريالية فى ذلك الوقت، وهو ما آمن به وعمل على تنفيذه واتخذه أيديولوجية سياسية كل القوميين العرب».
وأوضح: «ركز البرنامج الاقتصادى لاشتراكية عبد الناصر، والاشتراكيين العرب ككل، على العداء للقوى الاستعمارية السابقة، وإعادة توزيع الأراضى التى كانت قد عهدت فى وقت ما للمستوطنين، بجانب تأميم النفط وقناة السويس، والاستقلال، مما أتاح لمصر وللعالم العربى أن يصبح مستقلًا سياسيًا تجاه العالم الغرب».
وأشار إلى أن أكبر الإصلاحات الاقتصادية المعبرة عن فكر الاشتراكية العربية فى عهد عبد الناصر، هو الإصلاح الزراعى،مضيفًا: «الاشتراكية الناصرية اشتراكية نابعة من فكر عبد الناصر نفسه، فى ظل إيمانه القوى بأنه لا يمكن تحقيق اتحاد الأمة كلها إلا بكل طبقاتها الاجتماعية، واعتقاده بأن ذلك قادر على كسر البرجوازية الممثلة فى الحكم الملكى لأحفاد محمد على باشا، وعلى هذا الأساس، أطلق إصلاحه الزراعى وأعاد توزيع الأراضى على الفلاحين».
وللتمييز بين اشتراكيته والشيوعية، صاغ عبد الناصر ما  يمكن تسميته «الاشتراكية العربية»، القائمة على أن الوحدة الوطنية للطبقات القومية تفوق الصراع الطبقى كما تفهمها الشيوعية، فإذا لم يمكن أن يكون هناك أمة عربية واحدة، يمكن أن يكون هناك اشتراكية عربية واحدة.
وأضاف: «يتم الدفاع عن الاشتراكية العربية التى أرساها عبد الناصر حتى اليوم إلى حد كبير من قبل المثقفين العرب، خاصة المتعلقة بمفاهيم المساواة، الذى تحتاجه الأمة العربية فى الوقت الحالى».