قصر «نوار باشا».. حكاية حب على «شط إسكندرية»

فى الثامنة مساء كل يوم، تدب حركة نشطة داخل البيوت المصرية، الجميع على موعد يتجدد يوميًا، فى مشهد افتقدناه عقب ثورة التكنولوجيا، مع تفاصيل جديدة مع شخصيات غفل عنها التاريخ، لتجد لنفسها مكانًا على شاشات التليفزيون، وتكون سببًا فى عودة الدفء الأسرى من جديد، فما إن تشير عقارب الساعة إلى الثامنة، حتى تتعلق الأبصار نحو الشاشات، ولا تكاد تسمع لأحد همسًا، مع انطلاق نغمات موسيقية، تتغلغل فى الآذان، على ألحان أغنية «أهو ده اللى صار.. وأدى اللى كان»، للراحل سيد درويش.
نحن الآن على موعد عرض حلقة جديدة من مسلسل «أهو ده اللى صار» حيث تتصاعد الأحداث بين نادرة، يوسف بيك، خديجة هانم، على بحر، وصديقه البصاطى،من حب وصراع الطبقية، هزيمة قلوب وانتصارات أخرى، داخل قصر نوار باشا الأثرى القابع بمحافظة الإسكندرية.. تجذبك لوهلة إطلالته التى تعانق البحر، وتتوالى الصراعات بين الغنى والفقر، والأسياد والخدم، ليقع «ابن الباشا» العائد من السفر بعد سنوات دراسة طويلة، فى غرام خادمته، وتجبرها «الهانم» على ترك القصر الكبير، ظنًا منها، أنها تحمى ولى العهد من زواج قد يحطمه.
على مدار ما يقرب من شهر، تابع الجمهور المسلسل الذى تدور أحداثه فى إطار درامى اجتماعى خلال حقبة زمنية تصل إلى 100 عام، ما بين (1918: 2018)، حول المعاناة التى تقابلها المرأة بصفة عامة، والصعيدية بصفة خاصة، واختلاف الأفكار والعادات وغيرها من القضايا الاجتماعية التى تخص المرأة، وتناقلت أعين المشاهدين بين أبطال المسلسل روبى، محمد فراج، أحمد داود، سوسن بدر، أروى جودة، هشام إسماعيل، وألفه عبدالرحيم كمال، وإخرجه حاتم علي.
الشغف والحب كان حال الجمهور مع كل حلقة جديدة من حلقات المسلسل التى انتهت الأسبوع الماضى، لما يحويه من دراما محبوكة، وحوار جاذب بين الأبطال، ممزوج بالشعر العربى الأصيل، المناسب لحقبة الأربعينيات التى ينتمى لها زمن المسلسل، لكنّ شيئًا آخر، حاز اهتمام المشاهدين الأكبر أثناء مشاهدة مسلسلهم المفضل، ألا وهو قصر نوار باشا بالإسكندرية، الذى أثار جدلًا واسعًا حول حقيقته ومآله الآن، هل هناك قصر بالفعل أثرى على حافة شط إسكندرية حتى الآن؟، وإن كان كذلك فما مصيره؟.
عن طريق المحرك البحثى «جوجل»، بدأ الشباب يبحثون عن حقيقة القصر، لكن رغم المحاولات مختلفة الطرق، لم يعثر أى منهم على قصر أثرى موجود على بحر إسكندرية حتى الآن، وهو ما أثار جدلًا أوسع عن حقيقة قصر نوار باشا بأحداث المسلسل، وحقيقة الشخصيات التى ظهرت به.
حل لغز طبيعة القصر ظهر شيئا فشىء، بعدما نشر الفنان على الطيب، القائم بدور «وديع البصاطى» بالمسلسل، صورا لموقع التصوير، وظهر القصر وهو قيد الإنشاء، ليشيد بمهندس الديكور الذى صمم قصرا مخصوصا لتصوير المسلسل وأحداثه تحت سقفه، تواصلت «روزاليوسف» مع المهندس محمد أمين، مصمم ديكورات مسلسل «أهو ده اللى صار»، ليشرح لنا تفاصيل إنشاء القصر الذى احتضن أبطال المسلسل.
منذ عدة شهور، وقبل بداية عام 2019 بقليل، تواصل الكاتب عبدالرحيم كمال مع مصمم القصر، ليبلغه برغبته فى تصوير مسلسل جديد، يحمل فى طياته المزيج بين عراقة الماضى وشغف الحاضر، ليطلب منه إيجاد قصر بالإسكندرية يطل على البحر، ويظهر وكأنه أثرى للتصوير، بدأ فريق العمل فى البحث عن قصر بالمواصفات المطلوبة، لكن محاولاتهم لم تكلل بالنجاح، فضلا عن صعوبة نقل فريق العمل بالكامل إلى الإسكندرية لتصوير المشاهد هناك، خاصة أنه لم يبق فى الإسكندرية قصور على البحر، سوى قصر عائشة فهمى، وكان من المستحيل أن تقبل وزارة الآثار تسليمهم القصر للتصوير، خوفًا على تلفه.
قرر أمين إنشاء قصر مخصوص لأحداث المسلسل، يتوافق مع أحداثه بين عتق الشكل، وتفاصيل الجوهر، وقع الاختيار على قطعة أرض تقع بعد قرية شبرامنت إحدى القرى التابعة لمركز أبو النمرس فى الجيزة، حيث تم تصوير المسلسل كاملا بها، باستثناء مشاهد قليلة كانت بالإسكندرية، أما عن «عشة على بحر»، الماكثة فى أحداث المسلسل مباشرة أمام شط إسكندرية، فتم تصميمها مخصوص للأحداث بالساحل الشمالى وبلاتوه التصوير، وساهم صناع الجرافيك فى مزج المشاهد لتظهر طبيعية مثلما رآها الجميع اليوم.
كانت رغبة صناع المسلسل أن يتم الانتهاء من التصوير بأريحية كاملة، ليتم عرضه خلال موسم رمضان لكن ظروف التصوير الصعبة كانت فى صف موعد العرض، حيث أقبل عليه الجمهور بشكل فاق توقعات الجميع، نظرًا لأداء الممثلين الملفت، وسلاسة الحوار العطر، وديكور المنازل التراثى.
بدأ المهندس محمد أمين تخيل القصر المطلوب حتى طبعه على ورقة بسيطة، مرسوم بخط يده، ليتم تنفيذه على أرض الواقع خلال ما يقرب من شهرين، حيث كثف العاملون ساعات العمل للانتهاء منه فى وقت مثالى،أما بداخل المبنى، فنقش المساعدون رسومات «البشاوية» على الجدران، ونصبوا اللوحات فى كل ركن بها، بالإضافة إلى بناء برج داخلى حقيقى بالكامل لتصوير المشاهد المطلوبة عليه، حيث كان المخرج حاتم على،يصور بعض المشاهد الخاصة بالفنانة روبى «نادرة»، والفنان أحمد داوود «يوسف باشا»، مرة واحدة دون فواصل، مما ألزم بناء ديكور كامل للقصر لمتابعة المشهد بسهولة، فبنى مهندس الديكور القصر كاملا بنسبة 100 %.
كواليس العمل كشفت ما واجهه المهندس محمد أمين من صعوبات فى بناء الهيكل الخارجى للقصر لضخامته، وقصر الوقت، ورغبة صناع العمل فى إبراز القصر كأثر حقيقى حسب أحداث المسلسل، لكن شركة الإنتاج كانت متعاونة بشكل مثالى،مما جعله متمكنا من الإنتهاء فى الوقت المطلوب، وبجودة متميزة.
لمدة 40 عاما، عمل محمد أمين مهندس ديكور بالسينما والدراما المصرية، فمشاركته بمسلسلات وأفلام قوية مثلا «العهد- الجماعة2- جعلتنى مجرمًا- عسل أسود.. وغيرها» جعلته مستلهمًا لشكل القصر الأثرى الحديث، فمن وجهة نظره، السبب الرئيسى فى نجاح المسلسل بالشكل الكبير، كان التناغم بين فريق العمل، فجمعهم الكاتب عبدالرحيم كمال فى البداية، ليوطد العلاقة بينهم، ويظهر تناغمهم على شاشة العرض.
أما عن ملابس الشخصيات، فصُممت هى الأخرى خصيصًا من أجلهم، بعد الاتفاق مع مصممي أزياء متخصصين، ومصممي مجوهرات، صمموا قطعا خصيصا، ليرتديها فريق العمل، والشخصيات، بالإضافة إلى تصميم صحون أيضًا من أجله، تحمل فى نقوشها حرف «N»، وهو ما يرمز للقصر الذى تدور الأحداث حوله، وهو قصر «نوار باشا»، وهو ما جعل الفريق بالكامل، يستشعر المتعة فى كل مشهد يتم تصويره بالتقنيات النادرة المتوفرة من أجله، يقول المهندس محمد أمين: عملت بمسلسلات كثيرة متنوعة الأحداث، لكن هذا المسلسل بالنسبة لى مختلف، كنت أعمل بمتعة غريبة، بالإضافة إلى حب ومودة الفريق بالكامل الظاهر بوضوح خلف الكواليس، وتيسير شركة الإنتاج الأمور جعل للمسلسل مذاقا يختلف عن أقرانه من الدراما التى عملت بها من قبل.
خلف الكواليس، يذهب أمين يوميًا للمكوث فى بلاتوه تصوير المسلسل بجانب المخرج، ليضيف له ملاحظاته على أداء الفنانين، وتغيير الديكورات المطلوبة فى الوقت المناسب لاستمرار المشهد دون قطع، فقضى نصف عمره خلف الكاميرات وديكور المسلسلات والأفلام، لم يستقل بعمله خارج استوديو التصوير، لشغفه بديكور الدراما والسينما: «لما بيهدوا الديكور بعد انتهاء تصوير، بشعر إنهم بياخدوا منى حد من أولادى،مابكنش حابب الشكل يتهد، وبيكون نفسى أحتفظ بيه، عشان كدا بصور الديكور دايما وهو قيد الإنشاء وبعد الانتهاء للذكرى، فمعتقدش هعرف أخرج من موقع التصوير تانى فى السن داه، وقعت فى غرامه ومكمل للنهاية».