جمال عبدالحميد: العندليب طلب منى تصوير أدعية دينية لرمضان بدون صورته
عندما يذكر اسم المخرج «جمال عبدالحميد» سنتدكر تلقائيًا أعمالًا درامية لا تنسى.. فهو ذو بصمة شديدة الوضوح ومشاركة كبيرة ومؤثرة فى العصر الذهبى للدراما المصرية.. حينما نتحدث عن (أرابيسك، زيزينيا، حلم الجنوبى، ريا وسكينة وبنت من شبرا) وغيرها من روائع الأعمال الدرامية التى حفرت فى ذاكرة المصريين.. حينما نتحدث عن فوازير نيللى «عالم ورق»، وفوازير شيريهان «حاجات ومحتاجات». سنجد أنفسنا أمام هذا المخرج الكبير الذى رفع شعار « احترم نفسك وضميرك » في جميع أعماله، واحترم تاريخه وجمهوره برفضه العودة إلا بشرط توافر النص الجيد المحترم ..
التقيناه بمكتبه بحى جاردن سيتى أثناء جلسات التحضير لعمل جديد .. برنامج تليفزيونى بروح الدراما.. طريقة مبتكرة فى تقديم البرامج التليفزيونية يراهن عليها الأستاذ، وهو واثق من النجاح فى إحداث نقلة نوعية جديدة فى البرامج التليفزيونية، فى الحوار التالى يتذكر «جمال عبدالحميد» الكثير، ويكشف ويحكى عن كواليس ما شاهدناه فى أعماله، ويبدى وجهة نظره ورأيه فيما نراه الآن على الشاشة.
> ما هى قصة اللقاء الأول بينك وبين العندليب «عبدالحليم حافظ»؟
- كان هذا فى بداية مشوارى الفنى، وكنت أعمل حينها مونتير، بعدها دخلت التليفزيون المصرى لأنهم طلبوا مخرجين.. فقدمت أدعية دينية مع (إسماعيل شبانة وسيد النقشبندى ومحمد العزبي)، بعدها طلب منى «إسماعيل شبانة» تقديم دعاء ديني، وتم عرضه فى التليفزيون، ثم فوجئت باتصال منه يقول لى: تعال عبد الحليم حافظ عايز يقعد معاك! وفوجئت بالعندليب أثناء زيارتى له فى عمارة السعوديين بالعجوزة وبحضور أخيه «إسماعيل شبانة»، يخرج من غرفته، وهو يرتدى جلبابًا أبيض وطاقية وكان جسمه نحيفًا وقد أنهكه المرض.. التقينا وبادلنى السلام وعزمني على وجبة الغداء ثم قال لى إن لديه 11 دعاء من تأليف «عبد الفتاح مصطفى» و تلحين «محمد الموجى» وطلب منى تصويرها بصوته بدون صورة للعرض فى شهر رمضان المبارك.
>وما كان مصير تلك الأدعية؟
- كنت حزينًا جدًا على رحيل «عبدالحليم» فلم أفكر فيما أفعله، حتى قالت لى المخرجة الكبيرة «همت مصطفى» وكنت أعمل معها فى التليفزيون: (أمال فين الأدعية اللى بصوت العندليب يا جمال .. أنا عايزه أعرضها في رمضان) وكان أول رمضان بعد رحيله، وبالفعل عرضت تلك الأدعية بعد صلاة المغرب في التليفزيون و حققت نجاحًا كبيرًا.
>وقصة إخراجك فوازير نيللى «عالم ورق» ؟
- كان المخرج الكبير «فهمى عبدالحميد» يقدم الفوازير مع الفنانة «نيللى» وبعد وفاته كتبت الصحافة «الغوا الفوازير.. مفيش فوازير من بعد فهمى عبد الحميد» ورغم أن قطاع الإنتاج حينها رشح أسماء كبيرة لاستكمال المسيرة مثل (يحيى العلمى وحسين كمال) عليهما رحمة الله.. إلا أن «يحيى العلمى» قام بترشيحى و«نيللي» وافقت لأنها تعرفنى جيدًا لأننى كنت دائم التردد على «فهمى عبد الحميد» فى الفوازير، و«نيللى بعد ترشيح «يحيى العلمى» لى قالت : (أنا عايزه جمال عبد الحميد) .. بعد ذلك كلمنى الموسيقار «عمار الشريعي» وقال لي: (ممدوح الليثى هيكلمك عشان تعمل الفوازير .. إوعى ترفض) !.
>هل خفت؟
- طبعا، لأن الوقت كان ضيقًا جدًا، فقط 52 يومًا على رمضان، وكان صعبًا جدًا أن أتمكن من عمل البروفات والاستعراضات ومع ذلك ذهبت لـ«الليثى» ووافقت.
>ما سبب الخلاف بينك وبين «نيللى»؟
- اختلفنا على شكل التيتر، فكان لدى رؤية وهى أرادت فرض وجهة نظرها واتفقت معها أن وجهة نظرى هى التى سوف تنفذ لأن الفوازير إذا لم تنجح سأكون أنا السبب والتزمت بما تم الاتفاق عليه.
>قدمت بعد ذلك فوازير «حاجات ومحتاجات».. ماذا عن لقائك بـ«شريهان»؟
- «شريهان» هى الأصل فى الرقص.. بتذاكر كويس، وتقرأ ومثقفة.. لديها مكتبة كلها أفلام عن الرقص.. هى تملك رؤية كبيرة وتذاكر جيدًا.
>قدمت البطل الشعبي «صلاح السعدني» في (أرابيسك).. ما هى مواصفات البطل الشعبى من وجهة نظرك؟
- الصدق.. لأن الجمهور بيفهم والصدق من وجهة نظري هو أنك تلعب الدور بحق وحقيقى.. لو سألتنى عن البطل الشعبى من وجهة نظرى هيكون «عبدالله غيث» لأن تمثيله صادق.. وعندما قدمت «صلاح السعدني» في (أرابيسك) كان يذاكر جيدًا لدرجة أن «الخناقة» في المنطقة الشعبية لازم يكون لها أسس.. مش مجرد «مطوة وسكينة وصوت عالىٍ!». فالتركيبة الخاصة للبطل الشعبى تحتاج لدراسة مستمرة.
>هل صحيح أن «أحمد زكى» كان هو بطل (أرابيسك)؟
ــ نعم كان البطل «أحمد زكى» وعندما كلمته وجدته مشغولا فى (ناصر 56) ثم ذهب الدور لـ«صلاح السعدنى» صاحب الأداء المبهر، الحقيقى.
>ما قصة خلافك مع «أسامة أنور عكاشة» فى (زيزينيا2)؟
ــ بعد انتهاء الجزء الأول من المسلسل، لم يكن لدى رغبة فى إخراج الجزء الثانى بسبب تدخل «أسامة أنور عكاشة» فى عمل مساعدى الإخراج.. وعدة مرات قلت له حينما يكون لديك ملاحظات أبلغنى بها أولًا.. وبعد ذلك تدخل الوسطاء للتهدئة بيننا، وجمعتنا جلسة بحضور (الفيشاوى ونبيل الحلفاوي، وعهدي صادق، وصلاح السعدني، ومحمود الجندي ومحمد متولي) وتم الصلح ثم قمت بإخراج الجزء الثانى.. ثم عاد بعد ذلك، وتدخل مع أحد مساعدى الإخراج ثم أصدرت قرارى بعدم دخولى للبلاتوه أثناء وجود «أسامة أنور عكاشة».. ورغم كل ما حدث يظل «أسامة» الله يرحمه صديقًا عزيزًا على قلبى.
>ما رأيك في الدراما الآن؟
- الجمهور لا تعجبه دراما هذه الأيام، والدليل أن الجمهور يتابع المسلسلات القديمة وقت عرضها، والمنتجون الكبار أصبحوا لا ينتجون والدولة تركت الإنتاج بعد أن كانت شريكة فيه، فى فترة قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون.. والمشكلة الكبرى هى أن المنتج الآن يبحث أولًا عن البطل وليس النص.. وبعد ذلك يبيع باسم البطل الذى معه!!
> وما رأيك فى التصنيف العمرى؟
- أولًا لا توجد دولة فى العالم كله تفرض +18 فى المسلسلات إلا مصر، لازم نكون رقباء على أنفسنا.. أنا قدمت مسلسل (ريا وسكينة) بدون لفظ خادش واحد وكانت الأسرة كلها تشاهده، وقدمت مشهد اغتصاب «جيهان فاضل» من «محمود الجندى» فى مسلسل (حلم الجنوبى دون خدش حياء الأسرة).. لأن الرقابة الذاتية هى الأساس.
>لماذا ابتعدت عن الدراما؟
- لأن السوق تغيرت، ولا يوجد ورق يجذبنى.. المؤلفون الكبار اختفوا، التجربة الحياتية مهمة للمؤلف.. عندما أجد شابًا كاتب مسلسل عن حقبة الملك فاروق، وهو أصلًا من مواليد فترة مبارك.. فكيف أصدقه!
>هل هناك شروط لعودة «جمال عبدالحميد» ؟
- مفيش شروط غير إني أجد ورقًا «كويس»!.. هذا شرطى الوحيد خصوصًا أنني عملت مع أهم مؤلف فى الدراما العربية وهو «أسامة أنور عكاشة»، وبالتالى صعب أن أجد ما يبهرنى الآن.
>كيف يمكن إصلاح حال الدراما المصرية؟
- لا بد من عودة الدولة مرة أخرى للإنتاج، لا بد من عودة الأخلاقيات، والتقاليد والمثل مرة أخرى.>