الثلاثاء 6 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

جرائم تاريخية فى «حى الحلمية»!

جرائم تاريخية فى «حى الحلمية»!
جرائم تاريخية فى «حى الحلمية»!


فى مطلع القرن العشرين شهدت منطقة الحلمية الجديدة واقعة غيرت من مسارها التاريخى والجغرافى والتى لا تزال أصداؤها حاضرة حتى الآن.. حيث تم هدم سراى الحلمية لتتم إعادة تخطيط حدائق القصر إلى مجموعة من الشوارع، وأنشئت بها البيوت، وتم بيعها لراغبى السكن فى تلك المنطقة، وسميت بعد ذلك بمنطقة الحلمية الجديدة، وتحولت المنطقة بعد ذلك إلى حى شعبى يقع فى ملتقى 3 أماكن شعبية، وهى منطقة الدرب الأحمر والسيدة زينب والخليفة، واشتهرت تلك المنطقة بتواجد عدد كبير من المدارس بها، حيث تضم الآن ما يقرب من 16 مدرسة فى الثلاث مراحل الأساسية للتعليم.

كانت الحلمية الجديدة التى تقع بحى الدرب الأحمر بمحافظة القاهرة، واحدة من أهم وأعرق المناطق الأثرية فى العاصمة، وتضم أكبر عدد من الأبنية الأثرية التى تعود لدول تولت حكم مصر فى عصور مختلفة كالفاطميين والمماليك، حيث ضمت مجموعة من المساجد العتيقة أبرزها مسجدا السلطان حسن والرفاعى، وقصر الأمير «طاز»، وهو أحد الأمراء البارزين فى عصر دولة المماليك الذى يقع على مقربة من منطقة القلعة والخليفة.
ولعل أبرز التحولات التى شهدتها المنطقة هى أن مجموعة من القصور تحولت بعد إلى مدارس وأبنية حكومية، ولعل أبرزها قصر الحلمية الجديدة الذى تحول إلى مدرسة للتعليم الإعدادى وسميت بنفس الاسم، وقصر قسم الدرب الأحمر، وقصر الفقراء الروحية والذى تعود ملكيته إلى أحفاد رفاعة الطهطاوى.
وتعود تسمية منطقة الحلمية بهذا الاسم بالأساس إلى والى مصر عباس حلمى الأول، ففى عام 1950 أمر بإنشاء سراى أو قصر فى نفس المكان الذى ضم منزلى إبراهيم بك الكبير وابنه المرزوق وعددا من البيوت التى سكنها المماليك.
كما أعطى عباس حلمى الأول تكليفا إلى على باشا مبارك بعمل تصميم للسراى، وطلب منه أن يحتوى القصر على ميدان فى منتصفه، واسطبل وعربخانة وسجن ملحقين بالقصر، واتسع ليضم منطقة الحلمية الجديدة بشكلها الحالى بداية من منطقة بركة الفيل ونهاية بحارة درب الجماميز بالقرب من شارع بورسعيد بالسيدة زينب.. وإذا مررت بشارع بورسعيد بمنطقة الحلمية الجديدة سيجذبك مقهى «ليالى الحلمية» أشهر مقهى فى المنطقة تلك التى نالت شهرتها عندما اختارها الكاتب الكبير الراحل أسامة أنور عكاشة لتصوير مشاهد مقهى المعلم زينهم السماحى أحد أبطال مسلسل «ليالى الحلمية» والذى جسده الفنان الراحل سيد عبدالكريم.
وبين عبق الماضى وروعة التراث وتشوهات الحاضر التى لا تدرك قيمة التاريخ يستقبلك شارع من أهم شوارع الحلمية الجديدة هو شارع على باشا مبارك.. داخل الشارع يجب أن تتوقف أمام تحفة معمارية أخاذة.. مبنى معمارى مميز يختلف عن باقى العمارات السكينة الكائنة بالشارع..يشبه فى طرازه أشكال المساجد والكنائس القديمة، ويحتوى على مئذنة تنتهى بهلال ونجمة، يتكون من 4 طوابق مرتفعة إلى جانب الطابق الأرضى، ويضم مقرأة لتحفيظ القرآن ملحقة بالمنزل عليها لافتة رخامية باسم «محمد السيد» عمدة قرية « الفشن» ببنى سويف، أو كما يطلق على سيرته «الرجل الأسطورة» والشخصية التى استوحى منها صناع الدراما فى مصر شخصية «العمدة» كما يجب أن تكون، بمسلسل «ليالى الحلمية» ومنزل يختفى بداخل جدرانه تاريخ طويل يتجاوز القرن من الزمان، الشراعات المصنوعة من الأرابيسك والزجاج الملون المتناثر على واجهة المنزل بشكل أنيق، لافتة رخامية عليها علما مصر والسودان، المشهد العام يجعل لهذا المكان رونقه الخاص الذى يجبرك على الوقوف أمامه والتحديق فى تفاصيله، ويأخذك الفضول للتعرف عما يوجد بداخله.
ويعود تاريخ المبنى لعام 1329 هجرى و1911 م ويسكنه ورثة المستأجرين بحسب كلام أحمد صالح صاحب ورشة أمام المنزل. وقال: لقد سمعت كثيرا عن حكايات مختلفة عن مؤسس هذا المنزل، ويحكى أن العمدة محمد السيد كما كانوا يلقبونه، كان أهم العمد الذين حموا قرية الفشن وتميز بالكرم وحب الخير، وكانت له شخصية قوية ومسيطرة جعلته نموذجا لشخصية العمدة «أبو الكرم» مشيرا إلى أن الدور الأول كله كان مضيفة للضيوف والدور الثانى حجرة نومه والدور الثالث كان عبارة عن صالونات كثيرة، أما الدور الرابع فكان مخصصا لأبنائه، مشيرًا إلى أنه أنجب أربع بنات وقد قام أحفاد العمدة محمد السيد بتأجيره «إيجار قديم» من سنة 1960. وهم الآن يسكنون فى المهندسين وجاردن سيتى، ويحصلون على الإيجار الذى لا يتجاوز 100 جنيه. للمنزل الأثرى الذى تبلغ مساحته 550 مترا.
المثير فى الأمر أن المبنى الذى يتجاوز عمره 100 عام ومصنف أثريًا قد تم عرضه للبيع أكثر من مرة وفقًا لسكان الشارع حيث أشار أحدهم أنه فى إحدى المرات بعام 1999 تم عرض المنزل للبيع من أصحابه وكان لدى رغبة فى شراء المبنى بهدف تحويله إلى بازار سياحى،وذهبت لهيئة الآثار حتى أتأكد أن المنزل ليس تابعًا للهيئة ولكن علمت أنه منزل أثرى؛ فتراجعت عن شرائه.
تفاصيل المؤامرة على المنزل التاريخى اتضحت عندما قابلنا ماجدة نجيب إحدى سكان المنزل الأثرى، والتى تسكن بالطابق الأخير، فى غرفتين بالطابق العلوى، حيث أكدت أن أحد ورثة المنزل عرض عليها مبلغ 20 ألف جنيه، منذ ثلاثة شهور مقابل ترك الشقة، وتابعت: بالفترة الأخيرة انتشرت حوادث السرقة داخل المنزل، بالإضافة إلى أنه تمت إزالة درابزين السلم الحديد الأثرى، وحتى يظهر المنزل وكأنه آيل للسقوط، حتى يستفيد الورثة من الأرض بعد هدم المنزل الذى لم يتم ترميمه حتى الآن رغم أن لجنة من هيئة الآثار ومنظمة اليونسكو قد عاينته وتعهدت بترميمه منذ 9 سنوات ولكن لم يحدث شيء حتى الآن وينتظر المبنى الأثرى مصيره فى ظل المؤامرات التى تحاك ضد تاريخه العتيق.