الأحد 25 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

الكُتَّـاب هزم الإرهاب

الكُتَّـاب هزم الإرهاب
الكُتَّـاب هزم الإرهاب


خاض كثير من المسلمين المصريين تجربة الالتحاق بـ «الكُتّاب» لتعلم وحفظ القرآن فى مقتبل العمر، خاصة ممن تجاوزت أعمارهم الثلاثين الآن، وربما لا يزال كثير منهم يحفظ اسم الشيخ الذى تتلمذ على يديه.
تعرف أكثرنا على الكتاتيب عن قرب من عميد الأدب العربى «طه حسين»، وكتاب «الأيام» الذى سرد فيه تفاصيل حياته، وحكى عن الفترة التى قضاها فى الكُتاب، كيف كان يتعلم على يد الشيخ، وكيف كان ينال عقابه إذا نسى ما حفظ.
ارتبطت الكتاتيب لدينا بأحداث كثيرة، منها اعتماد محمد على باشا على خريجيها فى تأسيس المعاهد الأزهرية، واتخذت الكتاتيب أشكالًا مختلفة، قديمًا كانت تقام فى مبان متصلة بالمساجد أو مبان مستقلة، أو فى بيوت معلمى الكتاتيب، لكنها الآن اتخذت مساراً جديداً.

«روز اليوسف» قامت بزيارة خاصة إلى كتاتيب منطقة «الجمالية»، أيضًا كُتاب «الشيخ سيد عبد الستار حيطة»، أقدم الكتاتيب وأشهرها فى «كرداسة» والذى يتخطى عدد الوافدين إليه 300 طالب.
 «أهل العلم أحياء».. الشيخ سيد حيطة مات وكُتابه على قيد الحياة
شقة واسعة، تنبعث منها أصوات عذبة تلهج بآيات القرآن، تتبعها أصوات طفولية تردد بحماس، يجلسون متلاصقين، يمسكون بمصاحفهم، آذانهم منصته لما يقوله الشيخ، أعمارهم متباينة، فمنهم من لم يتخط الـ 3 أعوام، ومنهم من تجاوز الـ 70 عامًا، مشهد جميل يجسد الحياة داخل كُتاب الشيخ «سيد حيطة» الذى شُيد عام 1983 فى منطقة «كرداسة» بالجيزة، توفى الشيخ عام 2010، لكن أبناءه لا زالوا يباشرون العمل داخل الكُتاب حتى اليوم، فهو يضم أعداداً هائلة من أبناء ونساء كرداسة تتخطى 300 فرد.
على بوابة المنزل حُفر بالخط العربى «كُتاب الشيخ سيد حيطة رحمه الله»، الذى حظى بشهرة واسعة فى «كرداسة» كونه من أقدم الكتاتيب هناك، أيضًا لحفاظه على رونقه القديم، يتألف الكُتاب من عدة غرف، تعلوها أرفف كثيرة، تحمل المئات من الكراسات والكتب الدينية، كما عُلقت بعض شهادات التقدير لأبناء الشيخ سيد، لتفوقهم فى حفظ القرآن الكريم وتدريسه، وهم «محمود» و«محمد» «عامر».
 يبدأ العمل فى الكُتاب عقب صلاة العصر، ويستمر إلى آخر اليوم، لكن فى عهد الشيخ «سيد» كان يبدأ منذ السابعة صباحًا، الشيخ «عامر» الابن الأصغر لصاحب الكُتاب، عمره 26 عامًا، تخرج في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، يقول: «فى الفترة الوجيزة التى قضاها الشيخ سيد فى الكُتاب ربنا قدره إنه يحفظ الكثير من أبناء كرداسة القرآن كاملًا، لا يخلو بيت من البيوت إلا وفيه دكتور أو مهندس حافظ للقرآن كما أنزله الله، كان يتحمل الألم والمرض عشان يكمل».
أتم «عامر» حفظ القرآن فى الصف الخامس الابتدائى، وكُرم من شيخ الأزهر لحصوله على المركز الأول فى مسابقة القرآن الكريم على مستوى المحافظة والجمهورية، مؤكداً أن الكُتاب لم يتوقف عمله لحظة: «يوم وفاة الشيخ، أهل البلد شيعوا جنازته رغم أنه كان «يشد ويضرب» لكن الجميع بكوا وحزنوا عليه،  كلنا نشعر أنه لا زال حيًا باقيًا، وبعد وفاته زاد الإقبال على الكُتاب، لأن الجميع أحس بقيمته بعد وفاته، قبل ما يموت بأسبوع أوصانى بالكُتاب».
يحرص الشيخ «عامر» وأخواته على أن يسيروا على درب والدهم فى طرق تحفيظ القرآن الكريم فى الكُتاب: «فى طريقة؛ إن الشيخ يقرأ والكل يقرأ وراه وجابت نتائج كويسة، التانية إن الكل يقول مع بعضه وليها سلبيات كتير، ممكن يكون واحد مش حافظ السورة، واحد بيقول غلط، والشيخ كان يعتمد على الطريقة الأولى، والقراءة الجماعية بتخلى الأطفال تحفظ سماعى»، لم يخل كُتاب الشيخ سيد من كبار السن، منهم الشيخ حامد الذى بدأ حفظ القرآن فى الـ 60 وأتمه حين بلغ الـ 65 عامًا.
وأوضح الشيخ العشرينى أن هناك لغطا فى مقولة «بعد ما شاب ودوه الكُتاب»، فالنبى صلى الله عليه وسلم نزل عليه القرآن فى سن الأربعين، وبعض الصحابة كانوا أكبر من النبى وحفظوا القرآن، وعن طريقة العمل داخل الكُتاب، يقول: «بجيب الناس الحفظة وأقعدهم على الحيطة واللى حافظ يسمع للى مش حافظ، بيسمع الماضى وبعده الواجب، الكُتاب بيتخرج منه خطاط والمتقن للقراءة والكتابة»، وظائف كثيرة عُرضت على «عامر» لكنه رفضها لأنها تتعارض مع مواعيد الكُتاب: «أنا مدرس قرآن فى مدرسة خاصة وبخلص قبل العصر عشان ألحق الكُتاب»، أما القيمة الشهرية التى يدفعها طلاب الكُتاب فيؤكد أنها تتوقف على ظروف الفرد: «الأيتام مش بيدفعوا، اللى عاوز يدفع بيدفع واللى مش عاوز خلاص».
 ويشير عامر إلى أن متابعة الكُتاب قلت من قبل الأزهر بعد وفاة الشيخ سيد: «كل فترة ييجى حد يطلب منى كشف بأسماء وعدد الطلبة فى الكُتاب وخلاص، لما كنت بكتب 400 طالب مكنوش بيصدقوا، لأن كرداسة واخدة سمعة إن كلها إرهابيين وده غلط»، موضحًا أن الأحداث الأخيرة التى شهدتها كرداسة كانت سببًا فى اعتقاله لفترة: «كرداسة مليئة بالكتاتيب وفيها ناس طيبين، بعد ما عملوا التحريات عرفوا دماغى، وخرجونى وقالولى بالنص حفظ القرآن فى كرداسة، بدل الناس ما تتجمع على التطرف تتجمع على حفظ القرآن».
يسير العمل بالكُتاب طوال الأسبوع عدا الجمعة، حيث يخصصه أصحاب الكُتاب للعب الكرة أو الدروس الدينية: «القرآن بيحفظ من التطرف والإلحاد والإرهاب، لازم الكتاتيب ترجع ويبقى عليها رقابة عشان نحافظ على الشباب»، لافتًا أن الكُتاب أنشأ مشروعًا لحفظ 100 حديث نبوى فى 9 أيام: «التوعية من البيت هى اللى هتحافظ على الشباب والأطفال، عشان ينجح الكتاب يكون فى تواصل بين الشيخ وولى الأمر، والأهل يكونوا عارفين إن الابن رايح الكُتاب عبادة مش عادة ولازم الإعلام يهتم ويوضح إن الكتاتيب لسه موجودة».
«أحمد التوانسى» أحد أطفال الكُتاب، التحق بالكُتاب منذ صغره وأتم حفظ ربع القرآن: «عندى 7 سنين، أبويا وأمى بيحفظونى ويشجعوني، نفسى أطلع شيخ»، أما «فاطمة محمد» البالغة من العمر 16 عامًا فقد حفظت 19 جزءا خلال عام من التحاقها بالكُتاب: «فى 2 ثانوى عام، اعتمدت على نفسى فى الحفظ وكنت بخرج من الامتحان أروح الكُتاب أسمع وكل يوم فى مراجعات 8 ساعات، متقسمين مجموعات، كل مجموعة بتكون فى نفس السورة مع بعض»، مؤكدة أن الكُتاب يمنح شهادات تقدير للمتميزين: «حفظت 100 حديث فى 9 أيام»، «منة أحمد» 13 عامًا، التحقت بالكُتاب وعمرها 8 أعوام: «فاضلى جزأين وأختم المصحف كله، فى الدراسة بروح الدروس والكُتاب وبضبط المواعيد وبعرف أوفق بين الاتنين».
 الأوقــاف مشـرف على كتاتيب التحفيظ.. و1051 تم اعتمادها
 لم تكن الكتاتيب فى بدايتها خاضعة لإشراف وزارة الأوقاف أو الأزهر، بل كانت تتبع جمعيات دينية تخضع لإشراف وزارة التضامن الاجتماعى، إلى أن قررت الأوقاف الإشراف عليها ومتابعتها، وكان إجمالى ما تم اعتماده من  من مكاتب تحفيظ القرآن 1051، منها 791 مكتبًا تتبع وزارة الأوقاف، و209 محفظين على درجة مالية، ومنها 349 محفظًا بالمكافأة و233محفظا متطوعًا، إضافة إلى 260 محفظًا تم تقنين أوضاعهم من محفظى المكاتب الكائنة بمقر الجمعيات الأهلية الرسمية التابعة والمسجلة بوزارة التضامن الاجتماعى، وذلك من خلال التنسيق الكامل مع وزارة التضامن الاجتماعى.
علمًا بأن جميع هذه الكتاتيب تحت إشراف ومتابعة وزارة الأوقاف، وجار تقنين أوضاع نحو 1600 مكتب تحفيظ أخرى، حيث أعلنت الوزارة أنها بصدد اعتماد 2000 كُتّاب خلال هذا العام، ذلك فى إطار توفير المكان الآمن لتحفيظ القرآن الكريم، وبما يضمن عدم توظيف هذه المكاتب للناشئة وتجنيدهم مبكرًا لصالح بعض الجماعات أو التيارات المتطرفة.
وتعد وزارة الأوقاف لعمل دورات تدريبية للمحفظين ومسابقة خاصة فى حفظ القرآن الكريم للملتحقين بها مع تخصيص جوائز مالية قيّمة للناجحين فى هذه المسابقات ولمحفظيهم، علما بأن المسابقة ستكون مقصورة على الكتاتيب المعتمدة وعلى الملتحقين بها، وأكدت الأوقاف أنها ستشرف على جميع كتاتيب التحفيظ، ما عدا المكاتب التابعة للأزهر، وأوضحت أن العاملين فى هذه المكاتب يحصلون على مكافأة شهرية من الوزارة، كما أنها معنية بالإشراف الفنى والتضامن مهمتها توفير الأماكن المخصصة لها وتحديد كيفية العمل والوقت.
«الريشة» و«اللوح الصاج».. ذكريات عالقة فى كتاتيب الجمالية
مبان أثرية قديمة، تزين شوارع الجمالية، مهجورة، لكن تفاصيلها الخارجية تبعث فيها الحياة، هنا كان يرتدى الأطفال الـ «الجلابية» و«القبقاب» يجلسون بين أروقة الكُتاب يستمعون إلى الشيخ ويرددون آيات القرآن الكريم، يفكرون هل سيحظون بوجبة الإفطار وهم سعداء أم سيأخذون نصيبهم من «الفلكة».
«الصاغ» كان مصروفهم اليومى، يقتسمون منه جزءا للفطور والجزء الآخر للغداء،  يتذكر «محمد متولى» يومياته فى الكُتاب قائلاً: «فى الإفطار كنا نتناول رغيف فول وطعمية من الكُتاب وفى الغداء كنا نتجه إلى المسمط، كنا نقضى 8 ساعات بالكُتاب نحفظ القرآن ونتعلم الجمع والطرح»، مؤكداً أنه التحق بالكُتاب وعمره 9 سنوات وظل فيه حتى أتم حفظ القرآن الكريم.
«الريشة» و«لوح صاج» كانا  من أدوات طلاب الكُتاب، استخدموهما لكتابة الآيات التى يحددها الشيخ، ويضيف الرجل السبعيني: «كنا نجلس طوابير وراء بعض ونقرأ وراء الشيخ، ثم نسمع بالدور»، تحولت كتاتيب الجمالية الآن إلى مبان مهجورة  تتبع وزارة الآثار، ورغم حالتها المتدهورة لكنها بقيت على العهد واحتفظت بذكريات من التحقوا بها منذ الطفولة.
 «كُتاب أون لاين».. هتتعلم
وتحفظ القرآن من البيت
«ستوفر الجهد والوقت الضائع فى المواصلات إذا كان المسجد أو الشيخ بعيداً عن منزلك»، إحدى المزايا التى قدمها مشروع « كُتّاب أون لاين» الذى أطلقته شركة «إن واى أكاديمى» لحلول التعليم وتكنولوجيا المعلومات، وهو الأول من نوعه على الإنترنت فى مصر، لتعليم وتحفيظ القرآن من خلال الموقع الإلكترونى.
يقدم «كُتَاب أون لاين» دروسا متخصصة لتحفيظ القرآن للأطفال من سن 4 سنوات، إلى جانب تعليم النطق السليم للأصوات والحروف، وأحكام التجويد والتلاوة، وأساسيات اللغة العربية، إضافة إلى دروس لتحفيظ القرآن للكبار، يقدم  الدروس شيوخ وأساتذة ومحفظون متخصصون من خريجى جامعة الأزهر، أيضًا للأطفال والكبار غير الناطقين بالعربية، ودروسًا باللهجة المصرية.
فى «كُتاب أون لاين» هناك محفظات متخصصات حاصلات على إجازات فى القرآن الكريم لتحفيظ النساء والبنات، يوفر الموقع الكثير من الوقت والجهد الضائع فى المواصلات خاصة إذا كان المسجد أو الشيخ بعيداً عن المسجد، كما يمكن تحديد الموعد المناسب على مدار اليوم سواء كان صباحًا أو مساءً أو فجراً، عكس المساجد ودور التحفيظ التى تُلزم الجميع بمواعيد محددة، كما تحدد الحصص التى يرغب بها الفرد، كما يساعد الموقع المقيمين فى الدول الأجنبية على حفظ القرآن الكريم، لقلة المساجد والمدارس الإسلامية هناك، كما يوفر جهداً على كبار السن الذين يجدون صعوبة فى التنقل.
ويتم تحديد أسعار الخدمة وفقًا لعدد الحصص الأسبوعية، ويمكن دفع الاشتراك من خلال وسائل الدفع الإلكترونى مباشرة على الموقع، أو من خلال الإيداع أو التحويل البنكى، أو من خلال مكاتب البريد، أو عن طريق الاشتراك فى خدمة التحصيل من المنزل.