الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

رسـائـل الحـربـاء!

رسـائـل الحـربـاء!
رسـائـل الحـربـاء!


كالحرباء التى تتلون لتتماشى مع الوسط المحيط بها، كذلك هم اليهود، دائمًا ما يتحركون لتحقيق أهدافهم بشتى الطرق، بالكذب مرة وبالخداع مرة، وبالعبارات المعسولة مرة، وبدعوات التسامح  والمحبة والأخوة مرة أخري.. فالاستفزازات الإسرائيلية للشعوب العربية والإسلامية لا تتوقف، أحيانًا بالآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية، أو آيات من الإنجيل والتوراة ترفع شعار الرحمة والتسامح، والابتعاد عن الظلم والقتل.. وهم أبعد الناس عنه.

آخر محاولات التقارب مع المجتمعات العربية، كانت رسالة من عدد من الحاخامات، موجهة  إلى العرب، حول  الهيكل المزعوم جاءت كالتالي: «أيها الإخوة، أبناء إسماعيل المبجلين، الأمة العربية العظيمة، بمساعدة كريمة من حامي، ومخلص إسرائيل – الرب - خالق العالم، نعلن أن خطى المسيح مسموعة بوضوح، وأن الوقت حان لإعادة بناء الهيكل على جبل موريا فى القدس بمكانه القديم.. نحن اليهود الذين يؤيدون بناء المعبد، يتقدمون بطلب إلى حضراتكم، وإظهار الوعود من أجل الهيكل كما تنبأ به النبى أشعيا، فيما يتعلق بدوركم الجوهري، ومكانتكم الشريفة فى حفظ المعبد، ودعمه من أجل الحصول على بركات الرب.. نحن على يقين بأنكم ستختارون الوسائل السلمية، وتتجنبون كل طرق العداء والعنف، ونحن على يقين أيضًا من أننا معًا سنفتح الأبواب للمحبة والاحترام».
نص الرسالة التى جاءت باللغتين العبرية، والإنجليزية نشرها الموقع الإلكترونى الدينى «بريكينج إسرائيل نيوز»، ووقع عليها، 23 حاخامًا إسرائيليًا، من أصل 71 حاخامًا ممن يطلق عليهم مسمى «سنهدرين» والذين يمتلكون قوة كبيرة، وصوتًا مؤثرًا داخل المجتمع اليهودي، فهم مجتمع مصغر لكبار رجال الدين اليهودي، وكان تأثيرهم فى الماضى – وتحديدًا فى فترة وجود «الهيكل» – قويًا، حيث كان عملهم دينيًا، وقضائيًا، وسياسيًا، ولهم السلطة النهائية فى تطبيق الشريعة اليهودية، ومن يخالف تعليماتهم، أو يقف ضد قراراتهم، كانت عقوبته تصل إلى الموت، باعتباره متمردًا على الشريعة، وتم إيقاف عملهم عام 70 ميلادية، وحاليًا يتوارى وراء فتواهم رجال السياسة لحشد أصوات اليهود حول العالم.
الرسالة تفضح الادعاءات والمودة الكاذبة التى تحاول إسرائيل تصديرها للعرب، خاصة أن حاخامات اليهود  معروفون بفتاواهم المتطرفة والمعادية للعرب، فأبناء «إسماعيل» كانت دائمًا ما ترتبط بهم ألفاظ الإهانة والسب فى المحاضرات  الدينية  اليهودية، أو تصريحات رجال الدين للإعلام الإسرائيلي.
أشهر التصريحات، قالها الحاخام الأكبر السابق لليهود «السفارديم» - أى الشرقيين - داخل الكيان الصهيوني، الحاخام «عوفاديا يوسف» بأن «العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعًا»، رغم أن أصله عراقي، وأيضًا فتواه بأن «الرب يأسف أنه خلق ذرية إسماعيل»!!
فتاوى عوفاديا ورثها عنه ابنه، الذى ورث منصبه أيضًا، الحاخام «إسحق يوسف»، الذى قال خلال محاضرة دينية أمام تلاميذه «إن الشريعة اليهودية تسمح بقتل أى فلسطينى يحمل سكينًا»، وعلى طريقته سار الكثير من الحاخامات، كالحاخام «مانيس فريدمان» الذى قال «الطريقة الوحيدة لخوض حرب أخلاقية، هى تدمير مواقعهم المقدسة، قتل الرجال والنساء والأطفال وحتى الماشية»، وأيضًا الحاخام «ناسيم مؤويل» الذى أفتى بوجوب اقتلاع أشجار الفلسطينيين، وجواز تسميم آبارهم، وهى فتوى اتفق معه عليها  الحاخام «شلومو ملميد» رئيس مجلس حاخامات المستوطنات بتسميم مياه الشرب للقرى الفلسطينية فى أنحاء الضفة الغربية.
الرسالة الكاذبة تحمل فى طياتها العديد من التساؤلات حول أسباب صدورها وتوقيعها من عدد كبير من رجال الدين اليهودي، وهل هناك خطة جديدة لرجال الدين اليهودى للتعامل مع العرب ومحاولة للتقارب بعد تاريخهم الأسود، وربما لشعورهم أن الضغط السياسي، والعسكرى فى تلك القضية الحساسة التى تستفز العرب المسلمين، لا يجدى نفعًا، خاصة بعد قرار رئيس الولايات المتحدة «دونالد ترامب» بشأن مدينة «القدس»، والذى حاولت الجماعات الدينية اليهودية، والصحف الإسرائيلية استغلاله، وعلى رأسها جريدة «هآارتس» التى كتبت، أن القرار يحقق أحلام اليهود الذين يريدون إعادة بناء الهيكل الثالث فى المكان الذى يوجد فيه المسجد الأقصي، فضلًا عن تخوُّف اليهود من تحول «مملكة السماء» إلى بحار من الدماء، فى ظل الأجواء العالمية المشحونة، على الرغم من أن تصريحات بناء «الهيكل الثالث» دائمًا ما كانت تتحول لتلاسن بين جميع الأطرف.
محاولة الود الزائفة لرجال الدين اليهودى سبقها تصريحات لرئيس حركة المعبد المتحد - إحدى المنظمات التى تعمل على فكرة بناء الهيكل- الحاخام «يعكوف هايمان» قبل شهرين، لنفس الموقع الذى نشر الرسالة، بأنهم يأملون أن يصدر غير اليهود إعلانًا مماثلًا لـ«ترامب»، يعترفون فيه - بما أطلق عليه مسمي- جبل الهيكل، وهو الاسم اليهودى للحرم القدسي، كموقع للمعابد اليهودية، مشيرًا إلى ضرورة اتخاذ بعض الخطوات الأولية لإقناع العرب بالفكرة، قائلاً: «عندما يرتفع صوت اليهود وغير اليهود بشكل جماعي، فبناء المعبد أمر لا مفر منه»، موضحًا أن جميع المراحل فى العملية تتطلب جهودًا متعددة الأوجه، مع قيام اليهود وغير اليهود بأدوار مختلفة، للتحرك نحو هدف مشترك.
 المتحدث باسم الـ«سنهدرين»، الحاخام «هليل فايس» أكد لوكالة «فرانس برس» أن السنهدرين دعا الرئيس ترامب إلى بناء الهيكل، كما فعل الملك كورش قبل 2000 سنة. مضيفًا أن: «التحرك واضح فى هذا الاتجاه، ولكن لا يزال هناك طريق طويل والعديد من التحديات التى يمكن أن تمنع حدوث ذلك»، مطالبًا ببناء مذبح داخل -جبل الهيكل-، لحين استكمال المعبد.
الحكومة الإسرائيلية استغلت طلبات رجال الدين اليهودى وضمن مساعيها لتهويد القدس، افتتحت كنيسًا يهوديًا بعد أسبوعين فقط من تصريح الرئيس الأمريكى فى أنفاق «حائط البراق»، والمعروف عند اليهود باسم «حائط المبكي»، وهو الجدار الغربى للمسجد الأقصي، الذى اتخذه اليهود عنوة كمقر دينى لهم.
التحركات اليهودية لم تتوقف على أرض الواقع فقط، بل انطلقت للفضاء الإلكتروني، حيث وضع محرك البحث «جوجل» حجر الأساس الافتراضى لبناء «هيكل سليمان»، المنتظر داخل الحرم القدسى الشريف على موقع الخرائط «جوجل ماب»، منذ قرابة عام، ليصبح مكان مسجد «قبة الصخرة»، وذكر موقع «القناة الثانية الإسرائيلية» أن متصفحًا مجهولًا، أنشأ نموذجًا ثلاثى الأبعاد من الهيكل الثالث، تحت مسمى «جبل الهيكل فى أيدينا» باللغة العبرية، وهى العبارة التى كان يستخدمها الجيش الإسرائيلى ليعلن اقتحام «الحرم القدسي».
وبالبحث على الموققع العالمي، سيفاجأ المتصفح عند البحث عن الحرم القدسي، باللغة العربية، أو الإنجليزية، تظهر له نتائج الصور متطابقة للغتين، عدا البحث باللغة العبرية، فهناك صورة واحدة إضافية وهى «الهيكل الثالث».
«الهيكل اليهودي» المنتظر يحظى بقدسية خاصة عند اليهود، فهو الهيكل الذى بناه النبى «سليمان»، وسُمى حينها باسم «الهيكل الأول»، إلى أن دُمر أثناء الغزو البابلي، بقيادة «نبوخذ نصر» عام 587 قبل الميلاد، وأعيد بناؤه  مرة أخري، وسُمى بـ«الهيكل الثاني»، لكنه دمر مرة أخرى على يد الرومانيين فى عام 70 ميلاديًا، ومنذ ذلك الوقت صارت ذكرى خراب الهيكل، الذى قرر فيه اليهود بأن يكون اليوم التاسع من شهر أغسطس، هو يوم حداد وصيام.. وبات حلم بناء الهيكل للمرة الثالثة على رأس أولويات رجال الدين اليهودي.
ومن المعروف أيضًا، أن حدة الصراع بين اليهود والمسلمين اشتدت حول الحرم القدسى منذ عقود، نظرًا لما يدعيه اليهود من ذريعة وجود «الهيكل» تحت «المسجد الأقصي»، واقتحام المستوطنين الحرم، بشكل شبه  يومى لتلاوة شعائرهم اليهودية،  تحت حراسة مشددة من قبل قوات الاحتلال، وصياحهم العلنى بإعادة بناء «الهيكل» مرة أخرى مكان «الأقصي»، على الرغم من عدم ظهور دليل واحد -حتى الآن - يثبت شائعاتهم بوجود «الهيكل» فى تلك المنطقة من الأساس.>