الكاتب والمفكر الفرنسى باحثا فى «المستقبل الروحانى للإسلام»: الـــصوفية السلاح الأمثل لمواجهة داعش

روزاليوسف الأسبوعية
حوار: عبدالله رامي
أكد المفكر والباحث الفرنسى إريك يونس جوفروا أن الحل الوحيد لمشاكل العالم ينبع من الصوفية، فهى الحل لمواجهة ما يعيشه العالم من فوضى وإرهاب، واصفا السلفيين بأنهم أصحاب فكر سطحى عفا عليه الزمن.
يحاول «جوفروا» أن يوازن بين عقيدة المتصوفين القديمة وما يحدث فى عصرنا الحالى، ويرى أن ما تقوم به بعض الطرق حاليا لا يمت إلى الصوفية بصلة.
الباحث الذى أبحر بعيدا عن تشدد الأصوليات وبعد بحث طويل فى الديانات، اعتنق الإسلام وهو فى عمر الـ27 عاما واختار طريق الصوفية حتى أصبح مختصا فيها ويشغل حاليا منصب مدير قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة ستراسبورج بفرنسا، نناقش هنا بعض ما طرحه من أفكار خلال استضافته فى المركز القومى للترجمة فى ندوة «مستقبل الإسلام الروحى»:
الغرب ينظر إلى الإسلام على أنه دين متطرف، ما الذى دفعك للإيمان به والبحث فيه؟
- أسلمت فى عام 1984 وكنت شابا، وجذبتنى الجماليات والروحانيات لهذا الدين، فالعقيدة الإسلامية، لا تهتم بالعقل فقط، ولكنها تخاطب الروح والعقل معا، بخلاف الأديان الأخرى، لذلك ركزت اهتماماتى بالبحث فى الإسلام وتعاليمه وروحانياته، التى تعالج كل ما هو أعوج فى حياة الإنسان.
هل ترى فى التصوف الصيغة الأكثر قبولا والتى تعبر عن جوهر الإسلام؟
- ليس بهذا المعنى، فقد جذبنى فى التصوف الروحانيات، التى هى أصل كل دين، فبغيابها نجد التطرف، وهو ما يحدث الآن، فبالنظر إلى الأزمات الكبرى التى يعيشها العالم حاليا، نرى أن السبب الأول فيها غياب الأخلاقيات، والتى تثبت فى نفس الإنسان من خلال الوعى الروحى والكونى، وهو ما جسده القرآن الكريم فى سوره المكية.
الفكرة السائدة عن المتصوفين أنهم أولئك الزهاد أو «الدراويش» كيف ترى ذلك؟
- الصوفية كانت علمًا، وكان عدد كبير من علماء المسلمين متصوفين مثل الإمام السيوطى، إلا أن البعض حصر المتصوفين بأنهم أولئك الأشخاص الذين يهيمون بالروحانيات دون تفكير، وهو على عكس الصوفية الحقيقة التى تهتم بالاثنين معا، وتبنى على توازن بين الباطن والظاهر.
وماذا عما تفعله الطرق الصوفية حاليا وأتباعها؟
- ينبغى عدم الخلط بين الصوفية والطرق الصوفية، فهناك العديد من الطرق الصوفية تختلف تماما عن جوهر الصوفية، فعدد كبير من كبار المفكرين والفلاسفة كانوا متصوفة مثل الشيخ محمد عبده كان شاذليا، وكان ينتقد تصرفات الطرق الصوفية الشعبية، والفيلسوف الباكستانى الكبير محمد إقبال كان من أتباع جلال الدين لكنه كتب ضد التصرفات الصوفية فى الطرق، لذا علينا عدم الخلط بين الصوفية كفكرة روحية كبرى وبين الطرق الصوفية.
ما هى روح الصوفية من وجهة نظرك؟
- الصوفية تسعى إلى تطوير وعى الإنسان وليس الهروب من الواقع، وهو ما أكدت عليه فى كتابى المترجم إلى العربية بعنوان «الصوفية كطريق داخلى فى الإسلام»، فالصوفية تعتمد على الكشف والإلهام وهى أمور تتعلق بالعقل.
كيف تنظر إلى ما وصلت إليه الصوفية حاليا؟
- نعيش الآن حيرة الصوفى، هى نفسها حيرة الفيزيائى، فبعد النانو تكنولوجى انتهت فكرة المادة لديهم، وعليه فإن التصوف القديم يلحق بركاب العلم الجديد، وعلينا ألا نتصور أن الصوفية منقطعة عن الواقع، فكثير من التيارات الصوفية تبنى مستشفيات ومدارس، كما هو موجود فى مصر والسنغال، فالصوفية موجودة فى قلب المجتمع، وقد كونت مع أصدقائى رابطة الوعى الصوفى رغم كونى أستاذا جامعيا، لذلك خرجت من أسوار الجامعة لأكون فى وسط المجتمع.
ما الذى يميز كتابك «المستقبل الروحانى للإسلام» عن الكتب التى حاولت تشخيص أزمة الإسلام؟
- تطرقت من خلاله إلى تشدد الفكر الإسلامى ودور الجانب الروحى فى ذلك، فالمصلحون أمثال جلال الدين الرومى واجهوا التشدد فى الفكر الإسلامى من زاوية العقل والروح، فالمجتمع الإسلامى فى زمنه كان يعانى من التدهور تحت الاستعمار وكان لابد من إيقاظ الإيمان فى قلوب الناس، والآن الإسلام فى حاجة إلى اكتشاف الوعى الروحى، لأن كل الأبعاد الأفقية لا تجد حلاً كالفيزياء والكيمياء وغيرهما من العلوم التجريبية.
وما الذى دفعك لتأليفه؟
البحث عن سبب دخول الشطط فى مسيرة الفكر الإسلامى، حيث يتناول الكتاب انتباه المفكرين أمثال جمال الدين الأفغانى ومحمد عبده إلى وقوع المجتمع فى خطر الهيمنة الأوروبية وكان سعيهم الدءوب فى نشر الوعى العقلى أو العقلانى لمواجهة الانحراف فى التفكير وبعد قرن من موت الأفغانى ومحمد عبده مازلنا أمام مشكلة المعنى.
ولكنك فى الكتاب تسلط الضوء على أهمية الوعى الروحى، ما الذى تقصده؟
- الوعى الروحانى الصوفى الذى ينظر نظرة فوقية إلى عناصر الوعى المختلفة سواء نفسى، علمى، دينى، فهناك بالفعل حالة طوارئ فى كل الأديان، فالإنسانية بصدد الرحيل سواء بالاستنساخ أو الهندسة الوراثية، ونشعر بأن جوهر الإنسانية يفلت من بين أصابعنا وهذا ما نبهنا إليه القرآن حينما يتحدث عن الإنسان كخليفة الله فى الأرض مما يعنى أن يصبح الإنسان مالكا للقداسة ولا يعنى ذلك أن يصير هو نفسه قديسًا، ولكن كما يقول أبو الحسن الشاذلى «كل مؤمن ولى»، فإذا كان الإنسان مؤمنا فحتما سيكون قديسا.
كيف تلقى أصدقاؤك المسيحيون كتابك عن الإسلام؟
- قال لى أصدقائى من المسيحيين إن الكتاب يعبر عن مشاكلهم أيضا، حيث إن كل الأديان تعانى من سيطرة المادية، فمنذ أن دعا الغرب إليها وجعلها نموذجا يحتذى به فى الحياة، نرى أن النزعة الاستهلاكية تطرقت للدين حيث وصلنا إلى ما يسمى «المادية الدينية».
يقف السلفيون دائما فى الجهة المقابلة للصوفية، ما رأيك فى السلفية والفكر الوهابى؟
- فكر سطحى، لا يمتلك عمقا فى الوعى، ويرجع سبب انتشاره إلى أن البلاد التى تحتضنه كالسعودية عملت خلال سنوات عديدة على تدريب شيوخ يعتنقون هذا الفكر ونشره فى العالم الإسلامى، وهو مشكلة كبيرة، فالمناقشات اليومية التى يركز عليها أصحاب هذا الفكر عفا عليها الزمن، حتى السلفيين فى العصر الحاضر لاينتمون إلى السلف، ففى أيام السلف كان هناك 19 مدرسة فقهية وتعددية فى الآراء، أما من يطلق على نفسه اسم سلفى اليوم يرى الوحدانية فى زى وعقل واحد، ويمارس ثقافة رد الفعل، ولايملك فعلا فى رأسه ليفعله.
هل المشكلة فى الدين الإسلامى أم فى فهم البشر لهذا الدين؟
- الإسلام يفترض البراءة والفطرة لدى الإنسان، لكن الفقهاء على مر العصور وضعوا آراءهم واجتهاداتهم فوق بعضها البعض، فحالوا بين الإنسان وفطرته وبذلوا مجهودا فى تقييد حرية الإنسان، ونتيجة لذلك أصبحنا نمنع أنفسنا ونحرم عليها ممارسات كانت طبيعية أيام السلف، مثلا تحديد النسل، حيث إننا خلقنا موضوعًا من الفراغ وأقمنا الندوات والبرامج لنعرف هل هى حلال أم حرام، على الرغم من أن النبى كان يستاء من كثرة الأسئلة عن تحريم الأشياء، فقال فى الحديث «ذرونى ماتركتكم»، وأدهشنى فى زيارتى إلى إندونيسيا حيث اشتريت زجاجة مياه فوجدت مكتوبا عليها حلال قطعًا لا يوجد ماء محرم، وهو ما يدل على أننا فقدنا الثقة حتى فى أنفسنا ولم نعد نفكر فى أسباب أى شيء، وهذا لا يقتصر على فقهاء الإسلام فقط فهناك أيضا العلمانية المتشددة التى تضع سيفا على من يريد الانتماء لدين وممارسة طقوسه لذلك علينا التأمل فى أنفسنا أولا أسوة بالنبى محمد.