بورنو التجـسـس

هالة أمين
ادخل وشاهد «النجمة الفلانية» وهى فى أحضان حبيبها رجل الأعمال الثرى.. جميلات أمريكا اللاتينية يتعرين فى مهرجان ريو دى جانيرو السنوى.. الأميرة العربية التى تعشق السحاق فى فيديو جديد. على هذا النحو تجتذب المواقع الإباحية مستخدمى الإنترنت، الذين تظهر إحصاءات حديثة أن معظمهم ينتمون إلى الدول العربية، وتكشف تلك الإحصاءات أيضًا أن مصر فى المرتبة الـ16 من حيث الإقبال على تلك المواقع.
إذا كان الشائع أن تلك المواقع تشكل متنفسًا لتفريغ شحنات الرغبة المكبوتة، هذا بعيدًا عن التقييم الدينى والأخلاقى معًا، فإن للصورة أبعادًا أخرى، ذلك أنها فخاخ للتجسس على الشعوب، وليست مجرد وسيلة للمتعة الرخيصة، والأغرب من ذلك أن مخابرات دولية تديرها.
هذا ما فجرته عدة صحف ومجلات غربية منها مجلة «نيوزويك» و«وول ستريت جورنال» الأمريكيتان، و«ديلى ميل» البريطانية وموقع «إنترسيبت» الاستخباراتى الذى أكد فى تقرير موسع أن التجسس عبر مواقع «البورنو» حقيقة لا يمكن إنكارها، كما أن تلك المواقع بالتوازى قد تكون مرتعًا لعمل الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم الدولة «داعش» الذى يجتذب المراهقين إلى أفكاره الظلامية، عبر تخصيص كتائب إلكترونية تبحر على تلك المواقع، فتدعو الشباب إلى «التوبة».. ومن ثم الجهاد.
وكشف التقرير وثائق تؤكد علاقة مكتب التحقيقات الفيدرالى FBI ووكالة الأمن القوميNSA ووكالة الاستخبارات المركزية CIA والمخابرات البريطانية MI6 والمخابرات الروسية FSB بإدارة مواقع إباحية سرا عن المستخدمين، وتطلب تلك الوكالات من موظفيها ليس فقط إدارة مواقع البورنو ولكن أيضا مشاهدة الفيديوهات، وذلك وفقا لتقرير صدر مؤخرا عن مجلة نيوزويك الأمريكية.
وهناك وحدات مصممة داخل وكالات الاستخبارات العالمية منها وحدة القرصنة الإلكترونية السرية (TAO) والتى تعمل على تطوير ونشر برامج التجسس على الكمبيوترات فى جميع أنحاء العالم لإجراء المراقبة التلقائية، وهذه الوحدات أصابت أكثر من 50 ألف شبكة إنترنت بالبرمجيات الخبيثة لسرقة المعلومات الحساسة، وتتحكم فى «مايكروسوفت ويندوز» عملاق صناعة الحواسيب والبرمجيات ليقدم المعلومات حول النظم الخاصة بالمستخدمين.
وتساءلت «وول ستريت جورنال» عن طريقة متابعة موظفى وعملاء المخابرات حول العالم للمواقع الإباحية والبورنو، حيث إنهم يتجسسون على رواد تلك المواقع من خلال مشاهدتهم هم أنفسهم واستمتاعهم بالمشاهد العارية وممارسة الجنس وتسمى عملية إدارة المواقع الإباحية للتجسس «عملية العصب البصرى» والتى تكشف وجها خفيا لوكالات الاستخبارات، الغريب أن رئيس وكالة الأمن القومى الأمريكى الجنرال كيث إلكسندر دافع عن برامج المراقبة الأمريكية كجزء من رسالتها النبيلة لحماية البلاد ممن تسميهم أعداء.
وفى نفس الوقت تتجسس المخابرات البريطانية على المواقع الإباحية منذ فترة طويلة، ويجرى تخزين المليارات من السجلات الرقمية حول أنشطة الناس العاديين على الإنترنت، ضمن عملية مراقبة جماعية يطلق عليها اسم «عنب الشرطة» وتم بناء أجهزة تجسس عملاقة عن طريق وكالة التنصت الإلكترونية فى المملكة المتحدة GCHQ.
وجمعت وكالة الاستخبارات البريطانية وحدها ما يقرب من 7 ملايين سجل على مدى ثلاثة أشهر، لفحص عادات الاستمتاع لأكثر من 200 ألف شخص فى 185 دولة، الغريب أن المخابرات البريطانية مع تركيزها على المواقع الإباحية ركزت على اتجاه آخر بشكل مختلف، وهى محطات بث تلاوة القرآن الكريم، عبر الشبكة العنكبوتية، وعلى رأسها محطة للإمام المصرى الشيخ محمد جبريل.
والمثير أن التقرير الموجز لجواسيس بريطانيا كان قد اختار مستخدمى مصر، هدفًا رئيسيًا له، وركزت السجلات على المواقع الإباحية «ريد تيوب»، فضلا عن موقع التواصل «فيس بوك»، ومنصات التدوين «بلوجسبوت»، وموقع مشاركة الصور «فليكر»، وموقع الإعلان العربى.
وبواسطة برنامج يسمى «الثقب الأسود» يبث من خلال كابلات الألياف الضوئية الدولية لتتبع حركة المرور على الإنترنت فى جميع أنحاء العالم، فإن هناك كما هائلا من البيانات يتدفق مباشرة إلى مستودع ضخم باسم البرنامج الذى أصبح من صميم عمليات التجسس.
إن تخزين السجلات الخام من المواد وتحليلها، وكشف الهويات على الإنترنت، وما إلى ذلك من تفاصيل شخصية جدا، تعد من المؤشرات البارزة التى تكشف عن حركات الشخص، والعادات، والمعتقدات الدينية، ووجهات النظر السياسية، والعلاقات، والميول الجنسية.
ومن جهة أخرى فإنه للمرة الثالثة تأكد تورط مكتب التحقيقات الفيدرالى فى قرصنة خوادم وسيرفرات للمواقع الإباحية، وبدلا من إغلاقها استمر فى تشغيلها والتحكم بها واستخدامها للتجسس على مستخدميها، لدرجة أنه يدير موقعا متخصصا فى بورنو الأطفال وهو ما أدى إلى استياء داخل الأوساط السياسية من الـ«إف بى آي» الذى يحتفظ بالصور الإباحية للأطفال ومن خلال عملية تدعى «عملية توربيدو» استولى بمقتضاها على ملقمات ثلاث من الخدمات المخفية المختلفة لاستضافة الصور الإباحية للأطفال، وجعلها طعما للمستخدمين حول العالم.
وعلاقة وكالة المخابرات الأمريكية المركزية «سى آى إيه» والمواقع الإباحية لها مراحل طويلة ومثيرة للغاية حيث إن المدير السابق للوكالة «جون دويتش» كان قدم استقالته فى ديسمبر عام 1996 عندما تم اكتشاف عمليات التجسس عن طريق مواقع البورنو بل وتبادلها مع علماء روس عن طريق البريد الإلكترونى وكانت فضيحة واسعة النطاق وعلى الرغم من ذلك يتم الإبقاء على إدارة المواقع الإباحية من خلال وكالات المخابرات الأمريكية المختلفة.
ودافعت وكالة المخابرات الأمريكية عن تلك الممارسات القذرة، حيث أكدت تتبع أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل عن طريق حبه للمواقع الإباحية وذلك فى وثائق حديثة لم تفرج عنها أثناء عملية اغتياله من خلال غارة على مقره فى أبوت أباد، فى باكستان، وقد تم الإفراج عن تلك الوثائق طبقا لقانون حرية المعلومات حيث يتم تعريف الملف التشغيلى على النحو التالى:
(1) ملفات الخدمة السرية الوطنية التى توثق سير العمليات الاستخباراتية أو مكافحة التجسس الأجنبية أو ترتيبات المخابرات أو الاتصال الأمنى أو تبادل المعلومات مع الحكومات الأجنبية أو أجهزة المخابرات أو أمنهم.
(2) ملفات خاصة لاستخدام العلوم والتكنولوجيا والتى توثق الوسائل التى يتم من خلالها جمع المعلومات الاستخباراتية أو مكافحة التجسس الأجنبية من خلال النظم العلمية والتقنية.
(3) ملفات مكتب الأمن لشئون الموظفين التى أجرت التحقيقات لتحديد مدى ملاءمة الوثائق من مصادر استخباراتية أو مكافحة التجسس الأجنبية المحتملة.
وأكد تقرير أن الوثائق المفرج عنها هى امتداد لاستخدام المواد والمواقع الإباحية والبورنو، وقال ستيفن افترجود، مدير مشروع الحكومة السرية إنه حتى لو لم تقع جمع المواد الإباحية لـ«بن لادن» فى ملف تنفيذى لوكالة المخابرات المركزية إلا أنها لا تزال غير قادرة على الإفراج عن كل الوثائق، ولكن المخابرات الأمريكية تدافع عن إدارتها للمواقع الإباحية منذ فترة طويلة حيث إنها تقول إن الإرهابيين وعناصر وقادة التنظيمات الإرهابية يستخدمون المواد الإباحية لإرسال تعليمات سرية لأتباعهم.