الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد امبابي

العوا.. المحرض الأخطر




اسلام كمال روزاليوسف الأسبوعية : 08 - 01 - 2011



رغم أنه مجرد قارئ فى الكتب الدينية الإسلامية، ولم يحصل على مؤهل فى الدعوة، ولم يعد أبحاث أو دراسات مسندة فى الدين الحنيف، إلا أن الكل عندما يقدم محمد سليم العوا يسبقه بوصف «المفكر الإسلامى»، وهو لا يبالى ويضع على موقعه الخاص خانة كبيرة لمحاضراته الإسلامية بخلاف كتبه.. لا نستطيع أن نتهرب من حقيقة أن العوا له مريدوه، وهذا ليس غريبا فى ظل مجتمع تسيطر عليه السلفية المتطرفة.
العوا طل برأسه فى الفترة الأخيرة قبل الرد على الأنبا المتطرف بيشوى وهو ظهر نفس العملة السوداء التى وجهها العوا، مع الحديث بمناسبة وبدون مناسبة فى قضيتى كاميليا شحاتة ووفاء قسطنطين، فلم يترك هذه المسألة الشائكة حتى فى ندوة عن تهويد القدس!
العوا يدعى أن لديه معلومات مثيرة رددها فى كل مكان يظهر فيه حول أن كاميليا لم تعتنق الإسلام لكنها محتجزة فى الكنيسة وتجب مساءلة الكنيسة فى ذلك من منطلق حقوق الإنسان، بينما أسلمت وفاء قبل اختفائها بعامين مشددا على معاقبة كل من ساعد فى إخفائها، وقال فى تحريض واضح إن من فعل مجبرا فلا لوم!!
هذا هو أسلوب العوا الذى اشتهر به «سم فى العسل» تحريض وسط كلام عن حقوق الإنسان، وهذا نفسه ما فعله عندما سئل عن رأيه فى إغلاق القنوات الدينية المتطرفة التى تبث العدوانية والكره فى المجتمع بالحديث المغلوط لجهلة وغير عارفين ومستسهلى الثقافة السمعية، بقوله: من حق الدولة أن تحاسب من يتجاوز لكن ليس من حقها مصادرة حرية الرأى سواء كانت قناة إسلامية أو غير إسلامية، إلا أنه تناسى أن الحديث يدور عن دين لا رأى.. ولن ننسى أيضا أنه دخل فى مواجهة مع شيخه القرضاوى لأنه تعرض للإيرانيين بانتقاده نشر التشيع فى العالم العربى.
هذا المفكر الإسلامى، يغفل البعض آراءه السياسية وتطرفه أنه يقدم نفسه كفقيه قانونى كبير وأستاذ القانون الجنائى فى جامعة الزقازيق عندما يردد مواقفه السياسية المتشددة التى منها أن وجود تنظيم الإخوان غير الشرعى والمحظور قانونى بل دستورى، ووصف مصر أنها دولة فى حالة اضطراب دستورى، وينسى الجميع أن الذى يصفونه بالمفكر الإسلامى كان يدافع عن غاسلى الأموال من التنظيم الدولى للإخوان الذين يمولون بها أنشطة تخريبية ضد وطن يحمل جنسيته، وتجاهل أن دينه الحنيف الذى يلقى محاضرات مطولة فيه ينبذ العنف بكل صوره مهما كانت أسبابه، ولن ننسى نحن ما قاله العوا خلال مرافعته أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ والتى نظرت قضية التنظيم الدولى للإخوان أن هذه الجماعة المحظورة لا تكدر السلام الاجتماعى، وقال أيضا فى لقائه الشهير فى برنامج «بلا حدود» فى الجزيرة: إننا فى دولة القهر والديكتاتورية والفساد، وتنازلت عن بعض استبدادها للكنيسة.
ونقل العوا، وكان الوحيد، الاحتقان الطائفى بين المسلمين والأقباط فى مصر إلى مرحلة مختلفة بحديثه غير المسند كالعادة حول إخفاء الأسلحة فى الكنائس لاستخدامها ضد المسلمين، مستندا بكلام ظهر عملته السوداء «الأنبا بيشوى» بأن الأقباط مستعدون للاستشهاد إذا أراد أحد إخضاع الكنيسة، واعتبر تصريحات بيشوى دعوة للحرب ضد المسلمين يجب الرد عليها، وربطها بقضية نجل الكاهن بطرس الجبلاوى الذى اتهم فيها بجلب أسلحة من إسرائيل..وهو ما لم يثبت مدعيا أنه يعلم الكثير عن التحقيقات فى هذه القضية رغم أنه لا أساس من الصحة فى ذلك، ولا يملك دليلا على كلامه الخطير، الذى استفز المسلمين فى مصر وخارجها.فهل هذا الكلام كان بمثابة مبرر استند إليه من سعوا إلى تفجير الكنائس خاصة أنها كانت بمثابة إفتاء لتفجيرها ومهاجمتها لتخليص المسلمين من خطر الأسلحة المختفية داخلها-حتى بادعائه- أو إرهاب المترددين عليها من حماة هذه الأسلحة وفق تصوره المغلوط الذى نشره بين مريديه!
والأغرب أن الدولة لديه لها أوصاف متضاربة أحيانا..فهى ذليلة وجبانة تقبل التنازل للكنيسة، وأخرى شوكة فى ظهر الكيان الصهيونى وأمريكا، ولم يتوقف القانونى الذى يلتحث صفة المفكر الإسلامى عن الحديث عن حرب طائفية تشنها الكنيسة بأسلحة إسرائيلية ضد المسلمين فى مصر، لكنه امتد بتطرفاته إلى فتنة داخلية ستثور لو استسلمت الدولة المصرية إلى مطالبات بإلغاء مادة الشريعة الإسلامية فى الدستور، رغم أنه يهاجم الدستور، ويعتبره رداءً لا ينفع فيه الترقيع!
وكشف العوا عن هويته الحقيقية التى يحاول أحيانا التهرب منها عندما اعتبر أن بناء الكنائس بأعداد مبالغ فيها يخفى معالم أسلمة الدولة الإسلامية، وكان من المفروض أن يشكر العوا مثيله المسيحى الأنبا بيشوى على تخاريفه حول أن المسلمين ضيوف على مصر، لأنها فتحت له بابا واسعا من التدفقات من خلال سيل المحاضرات المتنوعة تحت عنوان «فتح مصر» بحجة الرد على بيشوى، لكن الغريب أنه يلقيها فى المغرب وتونس وغيرهما من الدول العربية!!
ولمن لا يعرف فإن د. العوا الذى حصل على الدكتوراه فى الفلسفة فى القانون المقارن من جامعة لندن عام 1972،خرج على الساحة الفكرية الإسلامية بين عشية وضحاها، رغم أنه كان مجرد محام لكنه انتشر فجأة فى الفضائيات كمفكر ومنظر ومعلق على القضايا الفكرية مثيرة الجدل، وأصبح فى وقت وجيز الأمين العام لاتحاد علماء الإسلام العالمى، ولم يكن له أى تواجد دعوى وكان ظهوره مقصورا على قاعات المحاكم، حيث أسندت إليه غالبا قضايا الإخوان ومتطرفى السلفيين الذين يدافع عنهم بقوة من خلال تنظيمهم الداخلى والخارجى.
وفى هذا السياق، لن ننسى الجدل الذى أثير حول تطابق آرائه التى نسبها لنفسه مع الأفكار التى رددها شيخ الأزهر محمود شلتوت، وحين واجهوه بذلك تحجج أنه من باب المصادفة، ولم تظهر أعراض التجديد على العوا إلا مع اقترابه من الشيخوخة.
وبالطبع من حق العوا أن يتمادى فى أفكاره المتطرفة وكلامه المثير مادام يجد من يسمع له ولا يجد من يحاسبه، كما لا يجد الأنبا بيشوى الرجل الثانى فى الكنيسة من يعاقبه على تخاريفه، فالأمور بالفعل «سايبة» حتى فى هذه الأحاديث المتفجرة، التى تحولت إلى بيئة خصبة لأحداث الإسكندرية، وما بعدها وما قبلها أيضا، خاصة أن هذا التفجير الإرهابى تزامن مع المظاهرات السلفية التى لم تتوقف للإفراج عن كاميليا ووفاء، وكأن الإسلام انصلحت أوضاعه ولم يبق سوى إعادة هاتين الفتاتين، اللتين لن تزيدا الإسلام شرفا ولن تنقصا المسيحية عددا.. وسبق ذلك أحداث العمرانية التى تساهلت معها الدولة، وضغط من أجل المتورطين فيها البابا، فأصبحت الأجواء مستفزة ومثيرة للغاية من الجانبين، فهنيئا للعوا وبيشوى.
وهذا القانونى الملتحف فى رداء المفكر الإسلامى لنشر آراء سياسية خاصة بمجموعات متطرفة الفكر، يرى أن الدولة تتساهل مع تجاوزات الكنيسة وقياداتها لتمرير مشروع التوريث، وفق تصوره، ليثير بكلامه من هو معارض ومن هو متدين فتتضاعف أعداد الغاضبين، والغريب أن العوا عندما تسأله عن قضية كاميليا ووفاء يجيبك بتفاصيل دقيقة داخل الكنيسة وكأنه أنبا أو أسقف بارز فيها، بينما عندما يهدد باحتراق الدولة بسبب ما وصفه بشعور المسلمين بالقهر والاضطهاد تشعر وكأنه قائد فى جبهة المعارضة غير الشرعية.
العوا لم يتوقف عند هذا الحد، بل وصل إلى المساس بهيبة القضاء، عندما تطاول على حكم المحكمة الدستورية حول الزواج الثانى للأقباط بقوله: إن نفوذ البابا شنودة كان وراء صدوره، بل قال إن القضاء يستهان به فى مصر.
فهذا الرجل لا يجد من يصحح له هذه الفتاوى الانقلابية والمثيرة للفتنة خاصة أنها تحاصره فى الفضائيات والمواقع ووسائل الإعلام والصحافة، ولا يجد من المؤسسة الدينية الرسمية الأزهر أى رد عليها، ولا من مؤسسات الدولة المصرية أية محاسبة عليها.. هذا ليس تبريرا لهذا المتطرف، لكنه ليس الوحيد.