الخميس 1 يناير 2026
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

استرداد الخلافة العثمانية بـ«هز الوسط»

استرداد الخلافة العثمانية  بـ«هز الوسط»
استرداد الخلافة العثمانية بـ«هز الوسط»


فى الوقت الذى يحاول فيه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، أن يكون خليفة للمسلمين واستعادة الخلافة العثمانية فى عهده عصر التوسيع للتيارات، مانحاً التيارات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين صلاحيات كبيرة ودعماً مالياً ومعنوياً كبيراً لتمكينهم فى العديد من البلدان من أجل تحقيق حلم مشروعه العثمانى، والحفاظ على الإسلام وتطبيق الشريعة.
حاول بعض الشباب الأتراك استعادة الخلافة بطريقة مختلفة وغير متوقعة بـ«هز الوسط»، باعتبار أن الدولة العثمانية هى من أوجدت هذه الظاهرة.


فمؤخراً انتشرت ظاهرة بين الشباب التركى وهى تدريس واحتراف الرقص الشرقى للرجال، تعد هذه الظاهرة الأولى من نوعها فى دولة يدعى حاكمها أنها «إسلامية»، الأغرب أن الفكرة لاقت استحسان قطاع عريض من عشاق الرقص الشرقى ولم يروا فى ذلك عيباً.. يبدو أن كلاً من أنصار الحكم الإسلامى والتيار العلمانى الذى استمر لأكثر من 8 عقود فى تركيا يحاولان استعادة الخلافة ولكن كلا بطريقته الخاصة؟!!
الإذاعة الألمانية نشرت فى قسمها الفارسى تقريراً مسجلاً بالصوت والصورة لظاهرة جديدة فى تركيا دعا لها أحد الشباب الأتراك يدعى «أورهان آى»، والذى يعمل كراقص شرقى فى أحد المسارح باسطنبول، لم يكن الرقص المقصود رقصاً عربيا بـ«العصا» أو رقصات شعبية من الفلكور التركى، بل رقص شرقى كالذى تقوم به الراقصات الشرقيات بكل ما تعنيه الكلمة، سواء فى الأداء أو فى الزى الخاص بهن.
ملامح «أروهان» لم تحمل أى نوع من الميوعة، بل أصر على عدم حلق شاربه ليبدو شاباً مكتمل الرجولة، لم يحمل فى صفاته الشكلية أية مظاهر أنثوية على الإطلاق، ليبدو المظهر العام له وهو يرتدى «بدلة الرقص الشرقى» غريباً، إلا إنه لم ير فى ذلك عيباً، وعن الحملة التى دعا إليها يقول فى تصريحات خاصة للإذاعة الألمانية: «إن الفكرة جاءت من عشقى لفن الرقص الشرقى، ولم أجد عيباً فى ممارسة الرجال لهذا الفن طالما أن اللياقة متوفرة وأنه يؤديه بشكل راقٍ».
المعروف أن هناك العديد من الرجال يعملون كمدربين للراقصات الشرقيات، إلا إنهم لم يحترفوا الرقص كمهنة لهم أمام الجمهور، ومن ثم فإن هذه الظاهرة أثارت حولها العديد من الانتقادات وتضع محترفيها فى دائرة الشبهات، إلا أن البعض الآخر فى تركيا اعتبرها حرية شخصية وأنه فن يحق لأى إنسان مهما كان جنسه أن يمارسه طالما أنه محب له، وهو ما جعل «أورهان» يكمل مسيرته ويصبح أحد أشهر الراقصين الشرقيين فى «اسطنبول» ويقدم عروضه على أحد أكبر المسارح فى تلك المدينة وهو «هودجا باشا» أحد المراكز الثقافية الكبرى، والذى يقدم من خلالها عروضاً كبيرة للرقص «المولوى» الصوفى إلى جانب العروض الشرقية المتميزة، وهو إشارة إلى مدى الإقبال الجماهيرى وتقبل تلك الفكرة فى المجتمع التركى.
«أورهان» دافع عن فكرته هو وزملاؤه، مشيراً إلى أن الفكرة ليست جديدة على الأتراك ولم يكن لها علاقة بالفكر الشاذ، بل إن الدولة العثمانية تعتبر أول من روج لتلك الأفكار التى وصفها بـ«التحررية»، مشيراً إلى أن الرسومات العثمانية القديمة تكشف عن وجود راقصين شرقيين رجال إلى جانب الراقصات، وأن هذا الأمر كان عادياً ولم يكن به أى شىء مشين بالنسبة لهم، وأضاف قائلاً:
«إذا كان العثمانيون مارسوا الرقص الشرقى منذ مئات السنين، فما العيب من ممارسته الآن؟.. فعودة الرجال للرقص الشرقى يعبر عن الروح العصرية لتركيا اليوم»..
وأوضح «أورهان» أن العثمانيين اعتادوا على ممارسة الرجال للرقص الشرقى فى بلاط السلطان والعزف بالصاجات الموسيقية كما هو موثق فى الرسوم الجدارية العثمانية، وأن ما يقومون به هو إحياء للتراث والفن العثمانى بروح أكثر عصرية، مشيراً إلى أن إقبال الكثيرين لمشاهدة هذا الفن من مختلف الأعمار والثقافات، حيث يأتى الأجانب لمشاهدة تلك العروض وذلك دليل على نجاحها.
الحقيقة أن فكرة «أورهان» لاقت رواجاً لدى قطاع ليس بقليل من الشباب التركى، الذى امتهن الرقص الشرقى، وقدم عروضاً جماهيرية ويرى أن الظاهرة دليل على الروح العصرية لتركيا، ليس إلا.. فبمجرد البحث فى محرك البحث «جوجل» عن الراقصين الشرقيين الرجال فى تركيا تظهر قائمة كبيرة، ما يؤكد على مدى انتشار تلك الظاهرة فى تركيا.
وبخلاف العادة، فالمعروف أن دور الرجال يقتصر على تصميم الرقصات الشرقية فحسب، ففى تركيا الوضع مختلف كلية فبعض النساء لم تمانع أن تقمن بتصميم رقصات للراقصين الشرقيين الذكور، وتقول أوزكه آكينجى، مصممة الرقصات التركية الشهيرة للإذاعة الألمانية:
«إقبال الذكور على تعلم وممارسة الرقص الشرقى دليل على انفتاحهم الثقافى ولا أرى فى ذلك أى حرج، فهم يقدمون لوناً فنياً قديماً معروفاً منذ الدولة العثمانية.. وكل من الرجال والنساء يترك بصمته ويؤديه بطريقته الخاصة ليبقى الحكم فى نهاية الأمر للجمهور».
وبعد انتشار تلك الظاهرة فى تركيا ترتب عليها ازدهار تجارة أخرى متعلقة بهذه المهنة ألا وهى تصميم بدل الرقص الشرقى بالشكل الذى يتناسب مع الرجال، حيث انتشرت ورش الخياطة المتخصصة فى هذا المجال، والتى حاولت أن تبتكر أزياءً تجمع بين التراث والحداثة ولكنها قريبة الشبه ببدل الراقصات الشرقيات، كى تعبر عن روح هذا اللون من الفن، فاحتفظت بنفس التطريز والبهرجة والنقوش وحاولت التجديد فى بعض التفاصيل مثل تغطية الساق وعمل «بنطلون» فى الجزء السفلى أو تعرية أحد الأكتاف أو الاستغناء عن القطعة العلوية للبدلة، مع الاحتفاظ ببعض الاكسسوارات على الذراعين، فى النهاية فإن المظهر العام لم يختلف كثيراً عن مظهر أية راقصة شرقية.
وهناك العديد من النماذج لشباب تركى احترف الرقص الشرقى وأنشأ العديد من مدارس الرقص ليس فى تركيا فحسب، بل فى العديد من الدول الأوروبية ومن أشهر هؤلاء الراقص زادييل سيزماز، الذى احترف الرقص الشرقى وقدم عروضاً كبيرة فى برلين وإيطاليا وقام بعمل ورش عمل لتعليم الرقص واحترافه فى عدد من الدول كاليابان وبريطانيا..
الهوس بتعلم هذا اللون من الفن تعدى الحدود التركية ولاقى رواجاً كبيراً فى عدد من الدول الأوروبية، ويؤكد «سيزماز» عبر حسابه الشخصى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» أن: تعلم الرقص الشرقى أصبح محور اهتمام الكثير فى العديد من الدول الأوروبية باختلاف الجنس والعمر.. وهو أمر بات ملموساً بالنسبة لى من خلال الاستقبالات الحافلة التى تتم لى فى العديد من الدول التى أزورها.
وأضاف أن هذا الأمر دفعه لعمل سيديهات لتعليم الرقص فى المنازل، كى يسهل الأمر للعاجزين عن التواصل مع المدارس التابعة له بشكل مباشر.
ومن بين أشهر الراقصين الرجال فى تركيا سيركان توتار، الحاصل على جائزة أفضل راقص شرقى فى العالم لعام ,2008 والذى يفتخر بكونه راقصاً شرقياً شهيراً ولم ير أن ما يقوم به عيبا بل يعتبر نفسه فناناً يقدم لوناً محبوباً لدى قطاع كبير فى العالم، اللون الذى يقدمه «توتار» يختلف نوعاً عن غيره من الراقصين، حيث إنه يفضل ارتداء الجلباب ليبدو بمظهر أكثر رجولة عن بدل الرقص التقليدية.
فى النهاية فإن أنصار التيار العلمانى يرون جانباً آخر فى الخلافة العثمانية، بخلاف الطريقة التى ينظر بها «أردوغان»، إلا أن القاسم المشترك بين الاثنين هو استعادة الأمجاد العثمانية ولكن كل بطريقته الخاصة.∎​