نبوءات «آخر زمن» بين التشيع و«الدعوشة»
مروة سلامة
مثلما كانت جيوش ماسمى بالحروب الصليبية تغزو البلدان وتقتل وتسفك الدماء باسم الدين، عادت الفكرة نفسها باختلاف الديانة والمذهب تنتقل من بلد لآخر ومن عقيدة لأخرى، والشواهد على ذلك كثيرة فى السنوات الأخيرة بداية من حرب «بوش الابن» على العراق التى ادعى أنها بسبب رؤية رآها فى المنام تحمل بشارة من المسيح المخلص مروراً بالقاعدة وداعش وإيران، التى تعد أكبر دولة شيعية فى العالم.
الفيديو الذى بثه تنظيم «داعش» الإرهابى أشار خلاله إلى أن ما يقومون به من جرائم، ما هو إلا تنفيذ لنص أحد الأحاديث السنية التى تدل على قرب ظهور المهدى المنتظر، فى المقابل فإن إيران والشيعة فى العراق وسوريا يحاربون «داعش» بدعوى أنهم جيش «السفيانى» الذى يسعى لتمزيق الدول العربية ونشر الشر فى العالم، مدعين أنهم جيوش «المهدى المنتظر» الذى سيملأ الأرض عدلاً، ولكن لظهوره عند الشيعة علامات تدعو للقلق فباسمه تحتل إيران الدول العربية وتنشر الحرس الثورى، ويتم التحريض على دخول القوات الغربية لمصر.
∎ داعش والمهدى المنتظر
ما بثته جماعة «داعش» الإرهابية لذبح 21 مصريًا فى ليبيا مؤخراً، والذى أثار غضب المصريين والعالم أجمع لدمويته وبشاعته واضطهادهم للمسيحيين بدعوى نشر الإسلام بصورة بربرية وهمجية، وأشاروا فيه إلى كلمات ربما لم يفهمها البعض، لكنه استنبط فحواها بأنها دلالة على ظهور المهدى المنتظر، ألا وهى «كسر الصليب وقتل الخنزير ودفع الجزية»، حقيقة الأمر أنها جزء من حديث ينسب للرسول- صلى الله عليه وسلم- جاء على لسان أبى هريرة فى صحيح البخارى، أى أنه يحمل علامات المهدى من وجهة نظر السنة، ونص الحديث مذكور فى باب ''«كسر الصليب وقتل الخنزير»'' بالبخارى، عن علامات آخر الزمان التى بموجبها سيظهر «المهدى» الذى يجمع المسلمين ويقودهم ويكون مقدمة لنزول المسيح عيسى ابن مريم.
ما يسترعى الانتباه فى الفيديو أن أعضاء «داعش» حاولوا منح أفعالهم الإجرامية صبغة دينية لإثبات أن ما يقومون به يعد محاولة لتنفيذ نبوءات آخر الزمان وكأنهم يعجلون بظهور «المهدى» وهو أمر دخيل على أهل السنة، فصحيح أنهم يؤمنون به ويعتقدون بوجوده وأنه سيملأ الأرض قسطاً بعدما ملئت ظلماً، وأن أفضل سبع سنوات تلك التى سيظهر فيها، إلا أن أهل السنة لايتعبدون بانتظاره ولايتوقف على ظهوره أى حكم شرعى، فقط هم مأمورون باتباعه فى حال ظهوره، وهذه واحدة من أهم النقاط الخلافية بين السنة والشيعة، وعليه فإن قيامهم بالسعى لاستحضار علامات آخر الزمان وزعمهم بأن «المهدى» سيخرج من بينهم وانشغالهم بمحاربة المسيحيين بزعم تطبيق شريعة الله فى الأرض، أمر دخيل على أهل السنة وهو ما يشكل خطورة كبيرة ويهدد السلام فى العالم، حيث يقوم هؤلاء بتطويع الأحاديث وفقاً لأهوائهم ورغبتهم فى الزعامة ومحاولاتهم تصوير أنفسهم بأنهم رسل مصطفون، تنبأ بهم الرسول وذكرهم فى أحاديث، ولعل ما يؤكد هذا شهادة ياسين العجلونى، أحد أشهر شيوخ السلفية الجهادية، صاحب فتوى سبى السوريات واعتبارهن ملك يمين، والتى أثارت جدلاً خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث ذكر أن أحد أعضاء «داعش» صرح له بأن «المهدى» موجود بالفعل بينهم وأن اسمه محمد الحسنى، وكنيته «أبا عبد الله».
فأفعال هذا التنظيم الإرهابى تشير إلى محاولاتهم لتبرير أعمال العنف وسفك دماء معارضيهم من مسلمين ومسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى، ماهى إلا تمهيد للمرحلة التى تسبق المهدى وأن الكون لن يستقيم إلا بعد رفع راياتهم وخروج المهدى من بينهم.
∎ المهدى عند الشيعة
هو محمد بن الحسن بن على، الإمام الثانى عشر والأخير لدى الشيعة، والذى يعتقدون أنه اختفى وسيظهر آخر الزمان، ويطلقون على تلك الفترة أنها «عصر الغيبة»، وأنه سيظهر لينشر العدل بعد فترة قاتمة تسفك فيها الدماء وترتكب فيها المعاصى.
والنقطة الخلافية بين السنة والشيعة هى محاولات المذهب الأخير للتعجيل بظهوره، فكما تحارب «داعش» غير المسلمين بدعوى أنهم يطبقون أوامر «المهدى»، نجد فى المقابل الشيعة يقاتلون هذه الجماعة بحجة أنهم جيش «السفيانى»، وهو أحد أبناء «أبى سفيان»، وهو شخصية معاصرة للمهدى وربما ستسبقه، كما ورد فى الروايات الشيعية، والذى يدعون بأنه سينشر الفساد فى الأرض ويكون ممهداً لظهور «المهدى» وأنه سيحاربه، وعليه فإن الشيعة فى العراق أسسوا جيش المهدى، منذ 2003 أى فى أعقاب سقوط نظام الرئيس العراقى الراحل صدام حسين، والذى اعتبروه أولى علامات الظهور، مستندين إلى أحاديث منسوبة للإمام (على)، والذى استمر فى قتال «داعش» بدعوى أنهم جيش «السفيانى» وأنه بشارة على قرب مرحلة الخلاص.
حقيقة الأمر فإن هناك الكثير من الأحاديث الشيعية التى تدور حول علامات الظهور، بعضها مثير للاهتمام لاسيما فى ظل وجود محاولات للسعى للتعجيل به، فى محاولة لاصطياد الفرص التى يبنون عليها عقائدهم الدينية، ظناً منهم بأنها خطوات للتعجيل بالظهور، فعلى سبيل المثال فإن الغزو الأمريكى للعراق فى 2003 اعتبره بعض المرجعيات الشيعية أنه إحدى علامات الظهور، مستندين إلى حديث «ورود خيل من قبل الغرب بفناء الحيرة»، أى استقرار ودخول قوات غربية إلى أرض العراق لمعاونة جيش «السفيانى»، لم تتوقف التأويلات الشيعية عند هذا الأمر، فالأحداث التى تشهدها المنطقة العربية مؤخراً والتى تلعب إيران دورًا كبيرًا فيها، حيث انتشار قواتها فى العديد من الدول بدعوى محاربة «داعش» التى تدعى أن أوصافها مطابقة لجيش «السفيانى» معتبرة نفسها مطبقة لتعاليم المهدى المنتظر، يؤولها بعض المرجعيات على أنها بشارات لقرب الظهور، وأن ما تفعله إيران والشيعة فى المنطقة ماهو إلا تطبيق للأحاديث والنبوءات الشيعية ليس إلا.
وفى حديث شيعى آخر منسوب لحذيفة بن اليمان، أن النبى- صلى الله عليه وسلم- تنبأ بفتنة بين أهل المشرق والمغرب، نصه: فبينما هم كذلك يخرج عليهم السفيانى من الوادى اليابس فى فوره ذلك حتى ينزل دمشق.. فيبعث جيشين جيشاً إلى المشرق، وآخر إلى المدينة، حتى ينزلوا بأرض بابل من المدينة الملعونة فيقتلوا أكثر من ثلاثة آلاف ويغتصبوا أكثر من مئة امرأة.. إلى آخر الحديث،ويشير الحديث إلى قتال الشرق والغرب والتناحر وإراقة الدماء أصبحت راسخة فى عقائدهم، بل وإنهم يسعون لتحقيقها حتى يأتى الفرج على يد المهدى، وهذا ما يفسره بعض المرجعيات الشيعية ومن بينهم على الكورانى، والذى له مؤلفات عديدة حول هذا الموضوع.
من ناحية أخرى فإن جفاف نهر النيل وسيطرة اليهود عليه، وحرمان مصر وأهلها من المياه هى بشارة عندهم بقرب ظهور المهدى، ففى حديث آخر يدعون بأنه منسوب للنبى- صلى الله عليه وسلم- نصه: إذا ملكت الكفار الخمس ملك الإسلام شرقا وغربا، وذلك الوقت ينصر الله أهل بيتى على أهل الضلال ولم يرفع لهم راية أبدا إلى يوم القيامة.. ومن ثم فإن تفسير ما يحدث فى الوقت الراهن بالنسبة لهم ما هو إلا تطبيق لإرادة الله وتنفيذ للوعود الإيمانية لنصرة الشيعة وإعلاء مكانتهم فى الأرض.
لم تكن هذه التحليلات للأحاديث الشيعية خاصة بالمرجعيات ورجال الدين فحسب، بل إنها من صميم الإيمان بالعقيدة عندهم، لاسيما أن السعى للتعجيل من صميم الإيمان لديهم، يكفى ما ذكره البعض بأن تأسيس الحرس الثورى الإيرانى وانتشاره فى العديد من الدول وتنظيم «حزب الله» المسلح يأتى من باب تطبيق الحديث المنسوب للإمام جعفر الصادق، الإمام السادس لدى الشيعة الذى يقول: قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم (أى المهدى) فلا يدعون وتراً (أى عدو) لآل محمد إلا قتلوه.. أى أن هذه التنظيمات المسلحة تعد جيوشاً للتمهيد بالمهدى المنتظر لديهم وأن انتشارها فى العديد من البلدان يأتى من باب توسيع رقعة الظهور لأن المهدى سيحكم وينشر العدل فى العالم.
كما أنهم فسروا الفيديو الذى بثه «داعش» لقتل 21 قبطياً مصرياً بأنه دلالة على الظهور، مشيرين إلى حديث منسوب للإمام على، عن أحوال مصر قبل الظهور وفيه «تستباح دماء أهل الذمة وأموالهم».
أحاديث علامات الظهور عند الشيعة كثيرة، من أهمها ما نسبوه إلى على ابن أبى طالب: «لأبنين بمصر منبرا، ولأنقضن دمشق حجراً حجراً، ولأسوقن العرب بعصاى هذه» إلى آخر الحديث، فهم يزعمون أنهم سيطروا على الوطن العربى وأن المهدى المنتظر سيتخذ من مصر منبراً إعلامياً لهم، فى تحقير واضح للعرب، علماً بأن «على» والنبى- صلى الله عليه وسلم- من أصل عربى، وهو يحمل تناقضاً كبيراً وغير مفهوم، كما أنه إشارة واضحة على أهمية مصر بالنسبة للشيعة ولإيران التى تعتبر أن نشر قواتها أمر دينى فى المقام الأول.
كما أشارت أحاديث أخرى إلى احتلال القوات الغربية لمصر ودخول المهدى لأرضها ورفع لوائه، أى نصرة المذهب الشيعى، بعد توحيده للأديان بعد نشوب حرب ضروس بينه وبين «السفيانى».
ولعل اقتران العقيدة بالأهداف السياسية هو أول الطريق لجعلها مسار انتقاد، حيث لاعلاقة بين التحريض على نشر الأعمال الإجرامية وسفك الدماء لأسباب سياسية وبين الدين أيًا ما كان اسمه، والذى يعد تنظيماً لسلوكيات البشر وفقاً لضوابط أخلاقية، فلا فرق بين «داعش» و«القاعدة» و«إيران» وبعض «الشيعة» وبين فكر «جورج بوش الابن، الرئيس الأمريكى الأسبق، الذى كان ينهى خطاباته بعبارة «فليبارك الله أمريكا» وادعى أن غزوه للعراق جاء بوحى إلهى عبر رؤية تحثه على ضرب العراق.. فى النهاية فإن الهدف الأساسى للأديان على اختلافها بعيداً عن تلك الأطماع السياسية.∎