الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

شرط الصلاحية لانتخاب الرئيس




 محمود التهامي روزاليوسف الأسبوعية : 30 - 01 - 2010


كنت أظن أن إثارة موضوع انتخابات رئيس الجمهورية المقرر إجراؤها فى 2011 جاء مبكرا عن موعده، وكان الأولى الاهتمام بانتخابات مجلسى الشعب والشورى التى باتت على الأبواب، لكن بعض الموضوعات التى طفت على سطح الأحداث مؤخرا أظهرت إلى أى حد هو خطير منصب رئيس الجمهورية لدرجة لا يمكن الاستخفاف معها بشروط يجب أن تتوافر فى المرشح لذلك المنصب الخطير .ربما يقول البعض إن الحصول على الأغلبية فى انتخابات رئاسية حرة ونزيهة هو معيار صلاحية، ولكننى أختلف اختلافا جذريا مع هذا الرأى باعتبار أن الحصول على الأغلبية فى الانتخابات هو فى الواقع معيار قبول شعبى وليس معيار صلاحية، وهناك فرق شاسع بين القبول الشعبى لشخص المرشح، وبين صلاحية نفس المرشح لتولى منصب خطير يبت شاغله فى أمور من شأنها تقرير مصير شعب بأكمله.
لذلك يمكن القول بأن الصلاحية تسبق القبول، وينبغى أن تكون شرطا من شروط الترشح، فلا يجوز طرح مرشحين على العامة لاختبار القبول إلا إذا توافرت فيهم الصلاحية للتعامل مع أسوأ الظروف وأشد الصعوبات، والقدرة على اتخاذ القرار المتوازن غير الانفعالى . فى البلاد التى سبقتنا فى التطبيق الديمقراطى تكونت آليات لتحديد الصلاحية من خلال الأحزاب القائمة التى تقدم قادتها إلى الرأى العام على فترة من الوقت وتضعهم وسائل الاعلام تحت أضواء كاشفة، فضلا عن أن الجميع يتحرك من خلال برامج محددة ومدروسة، المسئولية عنها ترجع للأحزاب وليس للأفراد .
أما البلاد التى يحكمها حزب واحد فإن الاختيار يتم من بين أشخاص صعدوا إلى المستوى الأعلى من بين كوادر الحزب الواحد الحاكم.
المشكلة التى تواجهنا أن بلادنا حديثة عهد بانتخاب رئيس الجمهورية انتخابا مباشرا من الشعب، كما أن الترشح لمنصب الرئيس لم يكن حقا للأفراد وإنما كان مجلس الشعب هو الذى يختار المرشح الرئاسى كمؤشر لصلاحيته، ثم يعرضه للاستفتاء العام للفوز كمؤشر للقبول الشعبى.
حين صدرالتعديل الدستورى فى عام 2005 ليعطى الحق فى الترشح لمنصب الرئيس للأفراد بشروط معينة ويعطى الحق للناخبين فى اختيار الرئيس مباشرة، جاء ذلك مفاجئا ولم يأخذ الشارع المصرى المسألة مأخذ الجد نظرا لنوعية الذين رشحوا أنفسهم للمنافسة على المنصب أمام الرئيس مبارك الذى سبق أن عرفه الناس من خلال ممارسته الفعلية للعمل كرئيس للجمهورية . رفض الناس بالفطرة السليمة ودون توجيه الاختيار بين الرئيس وبين غيره من المرشحين، السبب فى تقديرى يعود إلى غياب مقياس الصلاحية بالنسبة للمرشحين الآخرين . وكما قلنا لابد أن تأتى الصلاحية قبل القبول الشعبى.
بسرعة مضت الأيام ولم يتبق على جولة انتخابات رئاسية جديدة سوى عام واحد وبعض عام، وانتبه المجتمع السياسى إلى الموضوع وبدأ الحديث مجددا ومبكرا عن مرشح الحزب الوطنى للانتخابات الرئاسية المقبلة وعن غيره من المرشحين الذين تتوافر فيهم الشروط الشكلية التى نص عليها الدستور، وثار الجدل حول الشروط الصعبة أو المستحيلة التى حددتها المادة 77 لترشيح المستقلين، وعن ضرورة تعديل الدستور وأشياء أخرى من هذا القبيل،، ولم أسمع أى كلام عن شروط الصلاحية للترشح أساسا لهذا المنصب، أقصد الصفات والمواصفات والخبرات التى ينبغى توافرها فى شخصية من يترشح لمنصب الرئيس.
المسألة فى رأيى لا تتعلق فقط بحق المواطن فى الترشح والانتخاب كحق دستورى، ولا يمكن قبول ترك تقرير الصلاحية لأصوات الناخبين الذين قد تلعب بهم الدعاية الانتخابية وأساليبها المختلفة، كما لا يمكن التباكى على القيود التى فرضتها المادة 77 على ترشيح المستقلين فى مجتمع لا يزال حديث العهد باختيار الرئيس اختيارا مباشرا من بين من يرى فى نفسه القدرة على الترشح .
لقد اعتدنا على الانتخابات الفردية فى انتخابات المجالس النيابية، وكلنا نعرف المشكلات التى تصاحب تلك الانتخابات وأن عوامل النجاح فيها ليس شرط الصلاحية من بينها فى كثير من الأحيان، وبالتالى فهى تفرز عناصر صالحة وملتزمة، وأخرى لا تحترم مهمتها المقدسة، فى نهاية الأمر تظل المجالس النيابية جزءا من معادلة الحكم يصحح لها المسار أجزاء المعادلة الأخرى، الأمر ليس كذلك بالنسبة لمنصب الرئيس الذى يدير التوازنات الداخلية والخارجية، لذلك فليس مقبولا تطبيق نفس المعايير التى نمارسها فى الانتخابات النيابية، بل يتعين أن تكون معايير الصلاحية هى الشرط الأساسى قبل الحديث عن القبول الشعبى .
تواردت فى ذهنى هذه الخواطر بينما أتأمل الأحداث التى تحيط بنا فى الداخل وفى الخارج وموقف الرئيس منها وكيفية إدارتها، من إدارة أزمة الفقراء فى هذا البلد فى ظل أزمة مالية عالمية، إلى أحداث عنف ذات طابع إجرامى تهدد السلام الاجتماعى، إلى ضغوط خارجية تحاول جذب البلاد بعيدا عن خطوط مصالحها القومية، قلت فى نفسى كان الله فى عون هذا البلد إذا لم تضع معيار الصلاحية فوق كل اعتبار.
فى حواره لمجلة الشرطة قال الرئيس مبارك إن الأحزاب جزء من النظام السياسى المصرى، وإذا كانت هناك خلافات فى البرامج أو المواقف من بعض القضايا بين الأحزاب، وبعضها فى إطار هذا النظام، فهذا لا يعنى أن بعضها أكثر وطنية أو حبا لمصر من البعض الآخر. ونصح الأحزاب بأن تنهى خلافاتها الداخلية وتتواصل مع مشكلات المجتمع بمواقف تتجاوز توجيه الانتقادات إلى طرح البدائل والحلول.
أضاف الرئيس أن مصر ستشهد هذا العام انتخابات برلمانية حرة ونزيهة تأتى للبرلمان بتشكيل جديد يعكس إرادة الناخبين، وأنه يتطلع إلى استعداد الأحزاب من الآن للانتخابات الرئاسية عام 2011، وقال إنه يرحب بكل من يملك القدرة على العطاء من أجل مصر وشعبها.
مع تنبيه الرئيس، من الآن، إلى أهمية استعداد الأحزاب لانتخابات الرئاسة، نحن ندعو من جانبنا، من الآن، إلى إقرار معايير لتحديد مدى صلاحية أى مرشح لهذا المنصب الخطير فى ضوء التحديات الكبيرة التى تحيط بنا من كل جانب، قبل الحديث عن القبول الشعبى فى صناديق الاقتراع ..!!