
طارق الشناوي
مل قادم لسينما 2014!!
هناك بارقة أمل لا يمكن إغفالها أسفرت عنها أفلام العام الذى نودعه بعد يومين، الصورة ليست قاتمة تماما والدليل أننا فى السنوات الثلاث الأخيرة حصلنا على العديد من الجوائز لم تأت لنا فى السنوات العشر السابقة عليها. ما دأبنا على أن نصفها بالسينما المستقلة صارت تُشكل جزءاً حميما من الحالة السينمائية إلا أن الوجه الآخر لتلك الصورة هو أنها لم تصل بعد للجمهور.
أفضل أفلام هذا الموسم هى «هرج ومرج» نادين خان و«عشم» ماجى مرجان و«الشتا اللى فات» إبراهيم بطوط و«فرش وغطا» أحمد عبد الله، ويقف الفيلم الأخير على القمة ولكنه كان أقل أفلام عبدالله حضورا عند الجمهور، عبدالله لم يكن أول من حمل لواء السينما المستقلة، الرائد بلا شك هو إبراهيم بطوط.. «فيللا 69 ايتن أمين» ولكنه هو الأكثر قدرة على الوصول للناس، أفلامه «هيلوبوليس» و«الميكرفون» ثم «فرش وغطا» تضعه فى مكانة مميزة، كان خالد أبوالنجا قد شارك فى بطولة أول فيلمين وفى الثالث آسر يس، يستعين عبدالله بالنجوم وفق قناعاته وعلى أرضه وليس أرضهم، إلا أنه فى فيلمه الأخير يبدو بعيدا عن التواصل مع الجمهور، لا أستطيع أن أتعامل ببساطة مع عمل فنى صُناعه يدركون من البداية أنه بعيد عن الحس الجماهيرى، ويجب ملاحظة أن هناك خيطا رفيعا لكنه حاسم بين التجارية، «فرش وغطا» كُلل بجائزة «مونبلييه» الذهبية ولا يزال هو الأكثر طلبا فى المهرجانات.
هل نصنع أفلاما من أجل المهرجانات وبعد رحلة قصيرة يتوجه إلى مشاهدى التليفزيون، أعلم بالطبع أن طبيعة العمل الفنى تفرض أسلوب المعالجة الدرامية والفنية، ولكن السينما ليست فقط التجارية القُحة على طريقة «عبده موتة» لإسماعيل فاروق، أو الفنية المزعجة على طريقة «الحاوى» لإبراهيم بطوط، هناك طريق ثالث علينا أن نبحث عنه وعندما لا نصل إليه نحاول مرة أخرى. وإذا كنا فى السياسة صرنا نخون من يدعو لهذا الطريق وهو يحاول أن يُمسك بين المتناقضات، فإن الأمر ينبغى أن يختلف تماما فى الثقافة وخاصة فى الشأن السينمائى، وهو بطبيعته فن تنعشه أنفاس وتصفيق وتعليقات وضحكات الناس فى دور العرض.
ليس عبثا مثلا أن تاريخ السينما يؤرخ ليس بتصوير أول فيلم ولكن بعرضه تجاريا، وهكذا مثلا نقول إن الأخوين لوميير «لويس وأوجست» صنعا أول فيلم فى 28 ديسمبر 1898عندما عرضاه فى «الجراند كافييه» بباريس مقابل 2 فرنك، التذكرة مدفوعة الأجر واحدة من شروط الـ «دى إن إيه» للاعتراف بالميلاد الشرعى للفيلم.
صناعة السينما حتى تتواصل دورة رأس المال يجب ألا تغفل هذا الجانب، أعلم بالطبع أن عددا من مشروعات السينما المستقلة تتحقق اقتصاديا بعيدا عن انتظار مردود الشباك فى حدود ما تدفعه شركات إنتاج عربية وأجنبية من مساهمات وبأقل هامش من المغامرة الاقتصادية يتم إنتاج الفيلم، ولكن ليس على هذا النهج تستمر صناعة الأفلام. بالطبع لا نطلب من المخرج التنازل عن طموحه لكى يصل إلى للناس، ولكن إغفال أن هناك فى المعادلة جمهوراً أمر لا يمكن التعامل معه ببساطة وكأنه قدر لا فكاك منه.
ولو راجعت بدقة قائمة أفضل 100 فيلم مصرى التى أعلنها مهرجان «القاهرة السينمائى» عام 1995 وقائمة أفضل 100 فيلم عربى التى أعلنها فى مطلع هذا الشهر مهرجان «دبى»، ستكتشف أن أكثر من 50٪ من هذه الأفلام نجحت أيضا بالمقياس التجارى، ورغم كل ذلك وعبر تاريخ السينما، ستظل هناك أعمال بطبعها تُقدم نغمة مختلفة ليس من السهل أن يرددها مباشرة الجمهور، ولكنها تُشكل فقط الاستثناء، أما القاعدة فهى أن السينما لا يمكن أن نضعها فى غُرف مغلقة ومعقمة أو على جهاز التنفس الصناعى لتشاهدها لجان التحكيم ونعتبرها حية ترزق طالما تحصد جوائز المهرجانات، أرى أن أحمد عبدالله هو أكثر مخرجى هذا الجيل قدرة على حل تلك الشيفرة، وأنتظر عقد الصلح فى 2014!! ∎