
طارق الشناوي
«فريد» و«سعاد» وجهان للربيع.. باكٍ وضاحك!
دائماً ما تستقر أغنية واحدة فقط في وجدان الناس لتصبح هي فقط المعبرة عن المناسبة وتموت كل الأغنيات الأخري.. مثلاً عيد الأم لا يتبقي سوي «ست الحبايب» لحسين السيد تأليفاً و«محمد عبد الوهاب» لحناً وبصوت «فايزة أحمد».. في احتفالات السد العالي «قلنا ح نبني وأدي احنا بنينا السد العالي» لأحمد شفيق كامل و«كمال الطويل» و«عبدالحليم».. لو عدت لأرشيف الإذاعة لاكتشفت وعلي أقل تقدير أن السجلات تحتفظ بعشرات من الأغاني قدمت في عيد الأم لكل من «صباح» و«فوزي» و«نجاة» و«شادية» و«وردة» و«علي الحجار» وغيرهم.. وللسد العالي غني كل المطربين علي رأسهم «أم كلثوم» و«عبدالوهاب» و«فريد» و«نجاة» و«فايزة»، وغيرهم.
دائماً ما أري أننا نميل إلي تكثيف الموقف الوطني أو الاجتماعي أو السياسي في أغنية واحدة حتي في مناسبة مثل الربيع فإنه قد صار له عنوان واحد «ربيع فريد الأطرش» وكأنه ارتباط شرطي الربيع يساوي «فريد» والتي يطلق عليها في الشام أغنية الفصول الأربعة لأن شاعر الأغنية «مأمون الشناوي» كان يكتب عن تغير الحب بين فصول العام الأربعة «وآدي الشتا يا طول لياليه ع اللي فاته حبيبه.. يناجي طيفه ويناجيه ويشكي للكون تعذيبه».. ويكمل «أخد ورد الهوي مني وفاتلي شوكه يألمني».. حتي جاءت أغنية «كمال الطويل» وصلاح جاهين «الدنيا ربيع والجو بديع قفلي علي كل المواضيع.. ما فيناش كاني وما فيناش ماني كاني ماني ايه ده الدنيا ربيع» من فيلم «أميرة حبي أنا» لحسن الإمام عام 74 ومنذ ذلك الوقت صار الربيع له أغنيتان أصبحتا عنواناً مميزاً له!
إنها وجهة النظر التي كثيراً ما لا ندركها هي ألا نقدم تنويعات مباشرة علي تيمة درامية واحدة ولكن «جاهين» و«الطويل» و«سعاد» قدما وجهاً آخر ضاحكاً للربيع بينما «مأمون» و«فريد» قدما وجهاً مليئاً بالشجن.
والربيع لها حكاية طريفة كان من المفروض أن تغنيها في منتصف الأربعينيات «أم كلثوم»، وبالفعل عرضها الشاعر «مأمون الشناوي» عليها، ولكنها بقدر إعجابها بالكلمات إلا أنها طلبت من «مأمون الشناوي» إجراء تغيير طفيف، ولكنه رفض وقال لها: هل تطلبين من فنان تشكيلي أن يغير مثلاً في لون أو ظل علي لوحته؟! أجابته «أم كلثوم» لا أطلب ذلك لأن اللوحة منسوبة فقط لمبدعها، ولكن الأغنية سوف أقدمها بصوتي ويجب أن أقتنع بكل كلمة..
وعلي الفور اتجه «مأمون الشناوي» إلي صديقه «فريد الأطرش»، وكان يقطن في تلك السنوات علي بعد 100 متر فقط من فيلا «أم كلثوم» ولحن «فريد» الأغنية ووجد أن أفضل من يقدمها هي «أم كلثوم» وعاود الذهاب إليها وقالت له أنا قلت لمأمون يغير بعض الكلمات وطلب «فريد» من «مأمون الشناوي» التغيير، لكنه رفض مجدداً وغناها «فريد» بصوته وحققت نجاحاً طاغياً ولا تزال وعندما سألت «مأمون الشناوي» هل لو غنت «أم كلثوم» الربيع بصوتها الذي لا يمكن أن يقارن بأي صوت آخر فإن النجاح في هذه الحالة سوف يصبح مضاعفاً قال لي: «مأمون الشناوي» لا أتصور بالضرورة أن يحدث ذلك النجاح ليس له معادلة حسابية لو أنك مثلاً قلت أن صوت «أم كلثوم» يساوي 10 من 10 و«فريد» 7 من 10 ففي هذه الحالة فإن أغنية «الربيع» بصوت «أم كلثوم» تصبح هي الرابحة إلا أنه في دنيا المشاعر فإن هذا التقييم الرقمي ليس صحيحاً بالضرورة النجاح حالة وتفاعل وسر خاص وهكذا صوت «فريد» في الربيع هو الأوفق ربما اكتشف تفاصيل خاصة في لحنه هي التي أدت لكل هذا النجاح.. وتربعت الربيع 30 عاماً بمفردها صارت هي أفضل عنوان للربيع حتي ظهر منافس آخر كان موازياً لها في النجاح لأن «صلاح جاهين» و«كمال الطويل» قدما وجهاً آخر متفائلاً وسعيداً يريد أن يحتفل بالربيع ويقفل علي كل المواضيع ما فيناش كاني ومافيناش ماني.. كاني ماني ايه ده الدنيا ربيع؟!
النجاح جاء أيضاً بهذا التوافق اللاشعوري بين لحن «كمال الطويل» وكلمات «صلاح جاهين» وسحر صوت «سعاد حسني» الذي عبر عن حالة البهجة بهذا الرنين الخفي الذي يتسلل بنعومة للجمهور.. الشجر الناشف بقي ورور والطير بقي لعبي ومتهور واحنا ح نصيف امتي أمال دلوقتي ولا في سبتمبر.. بينما «فريد» لا يزال صوته يحتل مساحته في وجداننا وهو يشجو «وغاب عني لا طمني ولا قال أمتي راح أشوفه وأقول يمكن ح يرحمني ويبعت للربيع طيفه»!
فريد الأطرش
سعاد حسني