
طارق الشناوي
«فرش وغطا» بين «أبوظبى» و«مونبلييه»!
ساعات قليلة فرقت بين إعلان جوائز مهرجانى «أبوظبى» الذى يمنح «اللؤلؤة السوداء» وبين إعلان جوائز مهرجان «مونبلييه» بفرنسا الذى يمنح جائزة «أنتيجون»، شارك فى المهرجانين فيلم المخرج أحمد عبدالله «فرش وغطا»، فى المهرجان الأول خرج خاو من الجوائز على كثرتها، أما فى مونبلييه فلقد حصد الجائزة الكبرى «أنتيجون» وعادت مصر أيضا لجوائز المهرجان بعد مرور 15 عاما.
يؤكد ما حدث على تباين الرؤية بين المحكمين فى المهرجانات السينمائية، حيث لا توجد أبداً قواعد مطلقة تصلح فى كل المهرجانات ويتحدد على أساسها قيمة الفيلم إبداعيا.
والفيلم يتناول بدايات ثورة 25 يناير، كان لابد من الانتظار، حيث إن الكثير من الأفلام الروائية أحالت الثورة إلى مجرد «نكتة» على طريقة النداء الشهير «الشعب يريد».
هذه المرة نحن بصدد رؤية درامية فى فيلم روائى طويل لأحمد عبدالله حتى ولو كان بالفيلم كعادة منهج عبدالله مذاقه ونفسه التسجيلى المسيطر على تفاصيله، «فرش وغطا» لمحة من تداعيات الثورة لا تستطيع أن تعتبره فيلما عنها، ولكنه فقط لمحة والفارق كبير.
المخرج أحمد عبد الله مؤمن بالثورة ولكنه يحمل عتابا عليها، وهكذا جاء بناء الفيلم فى الصورة والصوت يعوزهما الاكتمال والوضوح، هناك شىء من الضبابية يغلف ما نسمعه وما نراه، لا نتبين بالضبط ما يجرى، ولكننا نتابع البطل آسر ياسين الذى خرج توًا من السجن فى 28 يناير عندما تم اقتحام السجون فى واحدة من ألغاز تلك الثورة المليئة بالأسئلة والشحيحة بالإجابات، حتى المحاكمات العلنية كانت تشى بأن هناك أوراقا ووقائع تم طمسها أو تغييرها أدت فى نهاية الأمر إلى أن لا شىء يأخذ بيدك إلى شاطئ اليقين.
البطل يهرب من السجن مثل الآخرين مذنبين أو غير مذنبين، وآسر لم نعرف عنه الكثير ولا كيف دخل وما هى الجريمة التى اقترفها، ما نعلمه فقط هو أنه عامل كهربائى شاطر، وذلك من خلال بعض المواقف التى تناثرت فى الفيلم، لم يكن البطل يعبر عنها بالكلمات ولكننا نستشعرها فى لمحات، فى طريقه لبيته يتلقى علقة ساخنة من أشقياء يطاردونه وقبل ذلك يلتقى مع شاب بالصدفة، تناله رصاصة عشوائية تقضى عليه وقبل الرحيل يسلمه الشاب ظرفا به رسالة وتسجيل على التليفون يفضح ما جرى أو ما يعتقد أنه فقط الحقيقة.
أجواء صوفية من الإنشاد الدينى ترافقه وهو يذهب للجامع ويحصل على فرش وغطا ونرى الطبيب الذى يعالج المصابين فى المظاهرات، ويواكب الحدث منذ اللحظات الأولى صوت البرادعى عندما جاء من النمسا مشاركا فى الثورة، كانت قناة «الجزيرة» هى الصوت والصورة الأكثر توافقا مع الثورة، وهو ما حرص الفيلم على تأكيده، عامل المراجيح وجامع القمامة ينقلوننا من مكان إلى آخر ومن أجواء إلى أخرى، وفى المقطم يذهب آسر يس ومعه الخطاب الذى أودعه إياه زميله الراحل الذى نكتشف أنه ينتمى إلى عائلة قبطية فهو عريس السماء ومع المسيح أفضل، لتصعد روحه ويتم إهداء الفيلم فى اللقطة الأخيرة إلى الشهداء وبينهما مينا وعمار.
لماذا صمت البطل فى مواقف واستمعنا إلى صوته فى أخرى، الخطأ هو أن تثير لدى المتلقى سؤالا مجانيا يتبدد جهده فى البحث عن إجابة له، وأن يضيع الكثير من الجهد فى البحث عن أسباب موضوعية لتأكيده منها اختفاء صوته وسط الزحام، أو تلقى إجابة لا تحتاج إلى الاستماع للسؤال، كثيرا يقدم المخرج معلومة درامية مكثفة وينتظر من المتلقى استيعابها والبناء عليها.
أحمد عبدالله قدم لنا من قبل فيلميه «هيلوبوليس» و«ميكرفون» يواصل تلك السينما التى تدعوك للتأمل والاكتشاف، إلا أنه فى فيلميه السابقين كان حريصا على مستوى السرد السينمائى أن يلتقى فى نقطة متوسطة مع الجمهور.
هذه المرة قدم عبدالله فى «فرش وغطا» دعوة لكى يذهب الجمهور إلى دائرته وموجته، كان بحاجة إلى مساحة أكثر لتأمل أدوات التعبير لتصل إلى جمهور ليس بالضرورة قد ضبط مسبقا ترددات تلك الموجة!
«فرش وغطا» فيلم لا يعرف الحلول الوسط فى اللقاء معه، إما أن ترفضه لجنة تحكيم ولا تشير إليه فى أى جائزة مثل «أبوظبى» أو أن يحصد الجائزة الكبرى مثلما فعلها فى مونبلييه!