الثلاثاء 22 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
«كمال الطويل» يطل علينا من العالم الآخر

«كمال الطويل» يطل علينا من العالم الآخر


لم نمنح الموسيقار الكبير كمال الطويل ما يستحقه من حفاوة فى حياته ومر قبل أيام وفى هدوء عيد ميلاده التسعون واستشعرت أن الفنان الكبير لايزال يطل على حياتنا.
كان الموسيقار الكبير «كمال الطويل» هو العنوان الأبرز لأهم وأروع ألحان ثورة يوليو وذلك قبل نحو 60 عاماً.. المفاجأة هى أن موسيقار يوليو سيصبح هو أيضا موسيقار ثورة يناير.. عثر ابنه الموسيقار «زياد الطويل» على أغنيتين وطنيتين وكأنه يعبر عن ثورتى 25يناير و30 يونيو أعدهما لعبدالحليم حافظ ولم يتم تسجيلهما بفرقة موسيقية يشاركه بالفعل «عبد الحليم» فى بروفات واحدة منهما وكان الطويل يعزف على البيانو.. الغريب أن الأغنيتين من كلمات الطويل ويبدو وكأن الموسيقار الكبير يغنى الآن لثورة الشباب يقول مطلع الأغنية الأولى «آن الأوان يا مصر نشوف عيون فرحانة.. آن الأوان يا مصر يا عطشانة».. أما الثانية فتقول كلماتها التى يشاركه «حليم» غناءها «بعدما صبرنا بعدما قتلنا بعد أن جوعنا وأن عطشنا فجأة قمنا فجأة يا مصرنا بعثنا».
 
تخلق عادة الثورات إحساسا جديداً لا أعنى بذلك أن نرى ونسمع فقط فناً يتغنى بالثورة بمعناها المباشر ولكن أن تحدث ثورة إبداعية وطنية واجتماعية وسياسية وأيضاً عاطفية، ولهذا مثلا فى عام 1953 وبعد مرور عام واحد على قيام ثورة 23 يوليو وعند إعلان قيام الجمهورية صرح الفنان الكبير «يوسف وهبى» على مسرح الأندلس قبل أن يقدم المطرب الجديد.. اليوم أعلن قيام الجمهورية وأعلن مولد المطرب «عبدالحليم حافظ» !!
 
أما الرائعة الوطنية التى كانت السلام الوطنى لمصر بعد معركة 56 وحتى 79 عندما وقع «السادات» اتفاقية السلام مع إسرائيل فقرر تغيير السلام الوطنى إلى أغنية سيد درويش بلادى بلادى لتتواءم أكثر مع المرحلة السياسية الجديدة قال لى «كمال الطويل» أنه أثناء العدوان الثلاثى على مصر عام 56 اتجه إلى البيانو ووضع اللحن وأسمع الموسيقى إلى صديقه الشاعر «صلاح جاهين» وعلى الفور انفعل «صلاح» وكتب «والله زمان يا سلاحى» وذهب مباشرة إلى «أم كلثوم» التى كانت تقطن بجواره بحى الزمالك وكانت الإذاعة المصرية أحد الأهداف الاستراتيجية للقصف ورغم ذلك ذهبت «أم كلثوم» ومعها «الطويل» إلى دار الإذاعة لتسجيل «والله زمان»!!
 
لم تخل العلاقة بين «عبدالحليم» و«الطويل» من قدر من التوتر وذلك عندما تدخلت السياسة، فلقد أراد «الطويل» الاعتذار عن تلحين أغنية «صورة» عام 1966 ولكن كانت الدولة تعتبر أن حفل 23 يوليو الذى يقدم فيه أغنية وطنية جديدة فى العادة من تأليف «صلاح جاهين» وتلحين «كمال الطويل» هذا اليوم هو جزء من حالة وطنية امتزجت بالفن ولا يجوز التخلف عنها تحت أى مسمى أو عذر ولهذا فإن «الطويل» عندما اعتذر فى منزل «عبدالحليم حافظ» بحجة أنه ليس فى مزاج يسمح له بالتلحين وكان حاضراً هذا اللقاء «شمس بدران» وزير الدفاع الأسبق بادره قائلاً وبدون سابق معرفة هل تعتقد أننا نعمل بالمزاج حتلحن الأغنية سواء كان عندك مزاج أو «معندكش».. واستبد الغضب بالطويل وقرر أن يضع الجميع أمام الأمر الواقع ولهذا اتجه فى اليوم التالى لمطار القاهرة الدولى لكى يسافر إلى الخارج واكتشف أنه فى قائمة الممنوعين من السفر وعندما استفسر من «د. عبدالقادر حاتم» الذى كان يشغل موقع وزير الإعلام قال له «حاتم» شوف صاحبك هو أكيد اللى عملها وأدرك «الطويل» أن المقصود بصاحبك هو «عبدالحليم» وأنه أوعز إلى صاحبه «شمس بدران» بمنع «'كمال الطويل» من السفر بحجة الواجب القومى ولهذا ضرب بالصداقة عرض الحائط، ولحن الطويل «صورة» حتى لا يجد نفسه خارج «الصورة» ويقف هو والدولة وجهاً لوجه.. رحل كمال الطويل قبل 10 سنوات وعاصر أنور السادات وحسنى مبارك ولكنه لم يلحن باسم زعيم سوى عبدالناصر فاستحق لقب ملحن الثورة.
ويبدو أن الموسيقار الكبير لا يزال قادراً على التعبير عن ثورة الشباب من العالم الآخر.. أتمنى أن أستمع إليه وهو يردد «آن الأوان نشوف عيون فرحانة.. آن الأوان يا مصر يا عطشانة»!!