سينما محمد مرسى

هناك فنانون صنعتهم ثورتا 25 يناير و30 يونيو.. وهناك فنانون صنعوا مع الشعب الثورتين.. وكلما شاهدت خالد يوسف متحدثا سياسيا ومثقفا واعيا أدركت أنه من النوع الثانى الذى لم يبرح الميادين حتى الآن.. ومن الميادين إلى لجنة الخمسين بالدستور.
 
 
سوف تسأل يقينا: طيب وأين خالد يوسف المخرج؟ أقول لك: إنه هو نفسه خالد يوسف الذى لم تبارحه الكاميرا ولا الصورة ولا الخيال.. بل وأجزم أنه صار أكثر حرفية ووعيا بالسينما أكثر من ذى قبل.. أثقلته الثورتان والأحداث والرجال.. وراقب ولعه وحنينه الدائمين بصنع فيلم عن «محمد مرسى» الأكثر دراما فى رجال الثورتين على الإطلاق.. أكثر حتى من تجربة ومشوار مبارك.. مبارك الذى تمنى «أحمد زكى» يوما أن يجسد عنه فيلم «الضربة الجوية»، ونحمد الله أن أحمد زكى مات قبل أن يصنع تلك المصيبة فينا- فمن بين كل أعضاء الجماعة المحظورة تانى بحكم محكمة الأمور المستعجلة اختار «خالد يوسف» محمد مرسى بطلا دراماتيكيا لفيلمه القادم.. عن رحلة رجل ذهابا وإيابا من السجن إلى الحكم إلى السجن من جديد.
 
 
ولو فكرت فى الأمر لوجدته حقا صعبا للغاية.. فالرجل الذى سكن الاتحادية لمدة عام لم ير الشارع القديم ولا المقهى الذى كان يحب ولا أصدقاء الطفولة والمدرسة فقد خرج من المعتقل إلى حجرة فى قصر مهيب ومنه ارتد إلى أرض الزنزانة.. أظنه تمنى لو تجول فى المدينة ليلا مرة قبل الحكم وقبل السجن.. أظنه اشتاق لدخول مطعم له فيه ذكرى ما.. بل أظنه تمنى لو عاش على الرصيف هائما وما انخرط فى لعبة الهزل والحكم والفناء تلك.
 
 
حصل خالد يوسف على ضالته السينمائية الجديدة وهو الذى قدم عددا من الأفلام المهمة والمستبصرة «المتنبئة» بما حدث بالضبط فى الثورتين المجيدتين، بل إن خالد تنبأ قبل الآخرين بسقوط الإخوان.. لهذا لن يكون هناك أكثر بصيرة وعمقا منه فى تقديم شخصية مرسى فى دراما مصر الجديدة.. وأظنه سيكون أوفر حظا رقابيا من محمد خان وفيلمه «السادات»، حيث ظهر الفيلم خاليا من كوليسترول الشخصية الإنسانية بشرها وخيرها.. أما خالد يوسف لديه كل الفرصة ليقدم لنا قراءة سينمائية حقيقية عن رئيس حكم مصر عام بعد ثور ة عظيمة أطاحت به ثورة أخرى لتؤكد أن مصر ليس شرط لتفوقها ونهضتها أن يحكمها رئيس مدنى، فقد كان المعزول «مرسى» أول رئيس مدنى منتخب فى انتخابات أشك أنها كانت حرة ونزيهة.